الخرف، هل تسبّبُه الأدوية؟
الطب >>>> مقالات طبية
كثيراً ما نشاهدُ لدى كبارِ السّنّ عدداً من المشكلاتِ الشّائعة، إذ يعاني بعضُهم من صعوبةٍ في تذكّرِ الأمورِ الّتي حدثَت منذُ فترةٍ قريبة، وقد يصبحُ عسيراً على هذا الشّخصِ نفسِه أن يتواصلَ مع من حولَه، وربّما تطرأُ تغيّراتٌ على شخصيّتِه أو سلوكِه.
نطلقُ على هذِه الأعراضِ مصطلحَ الخَرَفِ أو Dementia.
ويندرجُ تحتَ مصطلحِ الخَرَفِ عدّةُ أنواعٍ أكثرُها شيوعاً مرضُ الزهايمر، وكذلك يمكنُ أن ينجمَ الخرفُ عنِ الإصابةِ بجلطةٍ دماغيّة، وطالما ربطَ العلماءُ حدوثَ هذا المرضِ مع التّقدّمِ في العمر، ولكن هل من علاقةٍ بينَ تناولِ أحدِ الأدويةِ الشّائعةِ والإصابةِ بالخَرَف؟ فلنتابع معاً في هذا المقال.
علينا أوّلاً أن نعلمَ أنّ الأدويةَ الّتي تُستَعملُ غالباً في علاجِ القرحةِ المعديّةِ تعملُ وفقَ آليّةِ تثبيطِ مضخّاتِ البروتون (Proton-Pump Inhibitor PPIs)، وهي أدويةٌ شائعةُ الاستخدامِ نسبيّاً، وكذلك تُستخدمُ هذِه الأدويةُ للتّخفيفِ من أعراضِ الجَزرِ المَعِديّ المَريئيّ (ارتجاعُ الأطعمة)؛ وهي حالةٌ تعودُ فيها محتوياتُ معدةِ المريضِ الى المريء؛ ممّا يسبّبُ حُرْقَةً في الفُؤادِ خاصّةً بعدَ تناولِ الطّعام؛ أو في اللّيلِ عندَ الاستلقاء، ولمعرفةِ المزيدِ عن هذِه الحالة (هنا)
وانتشرَت في الآونةِ الأخيرةِ تساؤلاتٌ عنِ ارتباطِ أدويةِ PPIs بالإصابةِ بالخَرَف، ففي شهرِ شباطَ عامَ 2016 نُشرَت دراسةٌ تناوَلتِ العلاقةَ بينَ تناولِ الأدويةِ مثبّطةِ مضخّةِ البروتون PPIs والإصابةِ بالخَرَف، إذ قارنَ الباحثونَ في هذِه الدّراسةِ بينَ مجموعتينِ ممّن تجاوزوا الخامسةَ والسّبعين من عمرِهم، وتألّفتِ المجموعةُ الأولى من المرضى المواظبينَ على تناولِ أدويةِ PPIs، بينما شملتِ المجموعةُ الثّانيةُ أشخاصاً لا يستخدمونَ هذِه الأدوية.
وقد أظهرَتِ النّتائجُ على مدى ستّ سنواتٍ من المتابعةِ أنّ خطرَ تشخيصِ إصابةٍ جديدةٍ بالخَرَف لدى مجموعةِ المرضى المواظبينَ على تناولِ أدويةِ PPIs كان أكبرَ ممّا عليه الحالُ عندَ المجموعةِ الأُخرى.
ولكنّ الجديرَ بالذّكرِ أنّ الباحثينَ لم يتطرّقوا -في هذِه التّجربة- إلى العواملِ الأُخرى الّتي تسبّبُ الخَرَفَ كالتّدخينِ أو الكحول، إذ لم يبحثُوا في العلاقةِ بينَ هذِين العاملَين والحالاتِ المرضيّةِ الّتي تابعوها وشخَّصُوا الخَرَفَ لديها.
وكذلك لم يقمْ هؤلاءِ الباحثون بتحديدِ نوعِ الخَرَفِ الّذي تطوَّر لدى المرضى؛ هل كانَ مرضَ الزهايمر؟ أم أُصيبَ المريضُ بسكتةٍ دماغيّةٍ أدَّت إلى تَطَوُّر الخَرَفِ لديه؟ أم كان الخرفُ المُشَخَّصُ من نوعٍ آخر؟
وبناءً على ذلك؛ ومع أنّ نتيجةَ الدّراسةِ رجَّحتِ وجودَ علاقةٍ بينَ هذِه الأدويةِ والإصابةِ بالخَرَف، لكن لم يجدِ الباحثونَ سبباً مُقنِعاً لإيقافِ تناولِ الأدويةِ الّتي تعملُ بآليّةِ تثبيطِ مضخّاتِ البروتون PPIs لدى المرضى ذوي الأسبابِ المُلِحَّة لتناولِها؛ كأنْ يعاني المريضُ من القرحةِ المعديّة، أو أن تكونَ أعراضُ الجَزرِ المَعِديّ المَريئيّ لدى المريضِ شديدة، أو أن يتناولَ المريضُ هذِه الأدويةَ بانتظامٍ بغرضِ الوقايةِ من القرحةِ المَعِديّة.
ولكنْ تبقى المخاوفُ قائمةً من التّأثيراتِ الجانبيّةِ المُحتملةِ لدى هؤلاءِ المرضى الّذين لا يستطيعونَ التّوقّفَ عن تناولِ أدويةِ PPIs، ويبقى للطّبيبِ المُعالِجِ التّقديرُ والكلمةُ الفصلُ الّتي يجبُ على المريضِ اتّباعُها لتشخيصِ المرضِ وعلاجهِ ومعرفةِ آثارِه الجانبيّة.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا