الديالكتيك
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> مصطلحات
الديالكتيك كلمة يونانية (دياليغو) ومعناها المحادثة والمجادلة، ومعناها اللغوي فنُّ الحوار والمناقشة؛ خصوصاً بواسطةِ السؤال والجواب.
تاريخ مفهوم الديالكتيك:
كان الديالكتيك يعني في عهد الأوَّلين فنَّ الوصولِ إلى الحقيقة باكتشافِ التناقضاتِ التي يتضمَّنُها استدلالُ الخصم، وبالتغلُّب عليها.
وقد استعملَ أفلاطون نوعَين من الديالكتيك:
الديالكتيك الصاعد: وهو طريقةٌ للصعودِ من المحسوس إلى المعقول، ويستخدمُ القسمةَ والتركيب.
الديالكتيك النازل: ويقوم على الاستنباطِ العقلي في الصور الأفلاطونية، فيُمكننا التمييز بين الصور أو المُثُل.
ويستطيعُ صاحب الديالكتيك - عند أفلاطون - أن يرى الحقيقةَ ككُلٍّ، وأن يضع علاقاتٍ بين أجزائها المختلفة.
ويضعُ أرسطو الديالكتيك في مقابل البرهان، إذ يقرِّرُ أنَّ الديالكتيك هو في الوقت نفسه وسيلةٌ للفحص، لأن فن الفحص ليس إنجازاً من نوع الهندسة، لكنَّه إنجازٌ يُمكِن للمرءِ اكتسابُه، حتى لو لم تكن لديه معرفةٌ.
فالديالكتيك في نظره هو نوعٌ من الجدل؛ وليس نوعاً من العلم، وهو احتمالٌ؛ وليس يقيناً.
وفي العصر الوسيط استُخدِمَ اللفظ مساوياً للمنطق، وصار أحدَ الفنونِ الحُرَّةِ وهي: النحو، والخطابة، والديالكتيك.
وفي القرن الثامن عشر في أوروبا؛ عادَ لِلديالكتيك معناه الذي كان عند أرسطو بوصفه فنّاً سفسطائياً "نقد العقل المحض"، وقد اهتمَّ هِيجل بالديالكتيك الذي جعلَه منهجَ فلسفتِه، ومفاده عنده أنَّ كلَّ فكرةٍ تنطوي على تناقضٍ باطن؛ فمثلاً: الوجودُ يعني إثباتَ وجودٍ ونفيَ آخر، فوجود التفاحة هو إيجابٌ لوجودِ هذه الثمرة، ونفيٌ لكونِها أيَّةَ ثمرةٍ أُخرى، فالديالكتيك هو العمليةُ التي تُمكِّن من التطور ومن نضوجِ الحقيقة الواقعية.
والديالكتيك عند هيجل نوعان: تاريخيٌّ، وَوجوديٌّ (أنطولوجي).
الأول: يظهر في تطور الحياة والنُّظُم؛ فبعض أشكال الحياة أو النُّظُم ينطوي على تناقضٍ باطن، إذ يُحتَّمُ عليها أن تتجنَّبَ الغرضَ الذي وُضِعَتْ من أجله؛ مثل العلاقة بين السيد والعبد.
والتنازعُ بين الغرضِ والواقعِ الفعلي يقودُ إلى تحطيم الواقع الفعلي وإحلالِ واقعٍ آخرَ مكانَه.
الثاني: يبدأُ من قاعدةِ أنَّ معياراً ما؛ نحدِّدُه ببعضِ الخواص؛ قد تحقَّقَ، ويتحرك عبرَ تصوراتٍ مختلفةٍ لهذا المعيار نحو مزيد من الأشكال المناسبة.
فمثلاً بالنسبة إلى الوعي والشعور:
نحن نبدأ من خلال قاعدة أن هناك معرفةٌ، وأنَّ المعرفةَ إنجازٌ، لكنَّ معرفتَنا عن هذا المعيار قاصرةٌ وإجماليةٌ، فنتوسع فيها وننتقل من المعرفة الحسية إلى معرفة عقلية مقابلةٍ لها، وهكذا باستمرار.
وقد تميّز الديالكتيك عند ماركس:
1- أنَّ الديالكتيك، خلافاً للميتافيزيقيا، يَعُدُّ الطبيعةَ كلّاً واحداً، وتماسكاً ترتبط فيه الأشياءُ والحوادثُ فيما بينها ارتباطاً عضوياً، ويتعلقُ أحدُها بالآخر، ويكون بعضُها شرطاً لبعضٍ بصورة متقابِلة.
2 - أنَّ الديالكتيك يعدُّ الطبيعةَ حالةَ حركةٍ وتغيُّرٍ دائمَين، وحالة تجدُّدٍ وتطوُّرٍ لا يتقطَّعان، فهي دائماً شيءٌ يولَدُ ويتطوَّرُ وشيءٌ ينحلُّ ويضمحلُّ.
3 - أنَّ الديالكتيك لا يعدُّ حركةَ التطور حركةَ نموٍّ بسيطةً لا تؤدّي التغيراتُ الكميةُ فيها إلى تغييراتٍ كيفية، بل يعدُّها تطوراً ينتقل من تغييرات كمية ضئيلة وخفية إلى تغييرات ظاهرة وأساسية. فالديالكتيك في جوهرِه هو النقيضُ المباشرُ للميتافيزيقيا.
ونختم المقالَ بمقولةٍ للفيلسوف الألماني فريدريك أنجلز:
إنَّ الطبيعةَ هي محكُّ الاختبار للديالكتيك، ولابُدّ من القول أنَّ علومَ الطبيعة الحديثة قد وفَّرَت لهذا الاختبار موادَّ غنيةً إلى أقصى حد، وهذه المواد تزداد كلَّ يوم. وهكذا برهنت هذه العلوم أنَّ الطبيعةَ تعمل، وفي النتيجة؛ بصورةٍ ديالكتيكية لا بصورةٍ ميتافزيقية، وأنَّها لا تتحرك في دائرة تبقى هي ذاتها دائماً وتتكرَّرُ إلى الأبد، بل إنَّ لها تاريخاً واقعياً.
المصادر
1- موسوعة الفلسفة ج1 الدكتور عبد الرحمن البدوي
2- المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية جوزيف ستالين
3ديالكتيك الطبيعة فريدريك إنجلز ترجمة الدكتور توفيق السلوم