الحُبُّ من وجهة نظر صيدلانية!
الكيمياء والصيدلة >>>> كيمياء
يشيرُ مصطلحُ "العواملِ الكيميائيةِ" إلى مجموعةٍ من المواد التي تؤثّرُ في سلوكِنا ومشاعرنا وعلاقاتنا، وهي تنتمي إلى ما يُسمَّى "الكيماويَّاتِ العصبيةِ"؛ فهي مُركَّباتٌ تتشكَّلُ في الدماغ وتنتقلُ إلى مختلفِ أنحاءِ الجسم وتؤثِّرُ في النشاطِ العصبي.
ويَنتجُ الانجذابُ الأوَّلُ أو الشرارةُ الأولى في الهواءِ المتبوعةُ بالوقوعِ في الحبّ بسببِ خليطٍ من النواقل العصبية؛ وهي الدوبامين والنورأدرينالين والفينيل إيتيل أمين، في حينِ تُدارُ المراحلُ اللاحقةُ من العلاقاتِ طويلةِ الأمدِ من قِبَل ناقلَين آخرَين؛ وهما الأوكسيتوسين والسيروتونين، وسنتحدَّثُ في هذا المقال عن النواقل الثلاثة الأولى فقط، لأنَّه سبقَ وتحدَّثنا عن الأوكسيتوسين في مقالٍ سابقٍ لنا.
أوَّلاً؛ النورأدرينالين:
يُحفِّزُ النورأبينفرين أو النورأدرينالين إنتاجَ الأدرينالين المسؤولَ عن تسارُعِ ضرباتِ القلبِ وتعرُّقِ راحةِ اليد، إذ يتحرَّرُ النورأبينفرين من العصبونات (الخلايا العصبية) في الدماغ والتي تُسمَّى بالعصبونات الأدرينرجيَّة.
وتشكِّلُ هذه العصبونات في الدماغ نظاماً يُدعَى بنظام النورأبينفرين الذي يؤثّرُ على مساحةٍ واسعةٍ من الدماغ عندما يُفَعَّلُ، وبناءً عليه يُمكِنُ تسميتُه بنظامِ النواقل العصبية لكونِ مَهمَّتِه الأساسيّةِ هي نقلُ النبضاتِ العصبيةِ التي تُسبِّبُ تفعيلَ عصبوناتٍ أُخرى، إضافةً إلى نقلِ الرّسالةِ على طولِ السِّلسلة.
ويتألَّف نظام النورأدرينالين هذا من 1500 عصبون فقط في كلِّ جانبٍ من الدماغ، ويُعَدُّ هذا الرقمُ قليلاً مُقارَنةً مع العددِ الإجمالي للعصبوناتِ في الدماغ البالغِ 100 مليار خلية، فعلى الرغم من ذلك؛ عندما يتفعَّلُ هذا النظام فإنه يؤدّي أدواراً كبيرة على مستوى الدماغ، ويمارس النورأبينفرين تأثيرَه عبرَ ارتباطه مع المستقبِلاتِ الأدرينرجية الموجودة على الخلايا الهدف، وتُعبِّرُ الخلايا الهدفيةُ عن أنماطٍ مختلفةٍ من المستقبِلات، وهو ما يحدِّدُ التأثيرَ الخلَويّ الأعظمي، وبهذا فإنَّ النورأبينفرين يمتلكُ تأثيراتٍ مختلفةً باختلافِ أنماط الخلايا الهدفية، ولكن؛ تُعَدُّ المستقبلاتُ في الحبلِ الشوكي والوِطاءِ والنُّخامى والقشرةِ المخيةِ الأهدافَ الرئيسةَ لنظام النورأبينفرين.
ثانياً الدوبامين:
يتحرَّرُ الدوبامين من الدماغ عند الشعور بالرضا أثناء تناولِ طعامٍ لذيذٍ مثلاً أو عند قراءةِ كتابٍ ممتع، إذ يجعل الدوبامين الأشخاصَ سريعيّ الانفعال وأميَلَ للتحدث، فهو يؤثر على العمليات الدماغية التي تتحكم بالاستجابةِ الشعوريةِ والحركةِ والقدرةِ على التعبير عن السعادةِ وكذلك عن الألم.
ويشابهُ الدوبامين النورأبينفرين كثيراً من الناحية الكيميائية، وهو في الحقيقة طليعةٌ له، ممَّا يعني أنّه لن يكون هناك أدرينالين، ومن ثَمَّ لن يكون هناك تعرُّقٌ وتسارُعٌ في النبض ما لم يَكُنِ الجسمُ قادراً على إنتاج الدوبامين أولاً، وتُعَدُّ البروتينات التي نحصل عليها من اللحم والمُكسَّرات والبيض أحدَ أهمِّ المصادر الطبيعيةِ للدوبامين، إذ تتحطَّمُ هذه البروتينات في الجهاز الهضمي وتتحوَّلُ إلى أحماضٍ أمينيةٍ كالتيروزين وهو طليعةُ الدوبامين.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الدوبامين لا يؤثر بواسطةِ تأثيره في النظام الأدرينيرجي عبر إنتاج الأدرينالين فحسبُ، وإنَّما يُوَجُد نظامُ نواقلَ عصبيةٍ خاصةٍ بالدوبامين أيضاً، وباختصار؛ يساعدُ الدوبامين على الشعور بحالة أفضل وأفضل عبرَ ارتباطه بخمسةِ أنواعٍ من المستقبِلات في الدماغ وتفعيلِه لها، والتي تُدعَى بالمستقبِلات الدوبامينية، إذ تتواسط معظمُ هذه المستقبلات بنظام السعادة في الدماغ الذي يزوّدُ الشخصَ بمشاعر المرحِ والارتياحِ، ويحفّزُه على أداءِ بعض النشاطات.
ثالثاً الفينيل إيتيل أمين PEA
يشكّلُ الفينيل إيتيل أمين PEA عاملاً محرِّراً للدوبامين والنورأبينفرين، إذ يُسبِّبُ الانجذابُ الأوَّلُ أو الحبُّ من النظرة الأولى تحرُّرَ المزيد من الفينيل إيتيل أمين؛ وهو ما يجعلُنا نشعرُ بتلك المشاعر المذهلة المرتبطةِ بالحبِّ الرومانسي، وتُسبِّبُ الكمياتُ الكبيرة من PEA ازدياداً في الطاقة على المستوى الجسدي والشعوري وتحرُّرَ مزيدٍ من الدوبامين، وعلى أيَّةِ حال؛ ينبغي أن يحظى هذا العاملُ باهتمامٍ خاصٍّ نظراً لكونه يوجَدُ في "الشوكولا"؛ ولابدَّ أنكم سمعتم طبعاً أنَّ تناولَ "الشوكولا" يُعدِّلُ المزاجَ ويبعثُ على السرور، ولكنّكَ يجبُ أن تعلمَ أنَّ الدوبامين هو ما يُشعرِنا غالباً بالرضا عند تناولِ طعامٍ لذيذٍ، وأمَّا فيما يتعلق بالـPEA فهناك مبالَغةٌ في حجم الدورِ الّذي يؤدّيه.
ويُستقلَب الـPEA بسرعةٍ بواسطةِ أنزيماتٍ مختلفةٍ في القناة الهضمية؛ ممَّا يمنعُ تراكيزَ مُهمّةً منه من الوصول إلى الدماغ، ولذلك عندما نتناولُ "الشوكولا" يَنتجُ شعورنا بالفرح عن الطعمِ الحلو؛ وليس بسبب محتواه من الـPEA، ويوجَدُ PEA بتراكيزَ أعلى في الجبنة والسجق؛ والتي لا علاقة لها - على الأقل إلىالآن - بكيمياءِ الحب، وبالمقارنة مع المُركَّبَين السابقَين؛ يؤدّي الـPEA دورَ مُنظِّمٍ عصبيٍّ أكثر من كونه ناقلاً عصبياً.
إذاً فنحن لا نشعرُ حقيقةً بكيمياء الحب إلا عندما تجتمع تلك المواد الكيميائية الثلاثُ سويّةً!
وفي الختامِ تحيةٌ دوبامينيةٌ من فريقنا لكم، وكلُّ عامٍ والحبُّ يملأُ حياتَكم.
المصدر:
هنا