المرأة الطبيبة.. أين هي من المساواة؟؟
الطب >>>> مقالات طبية
نستعرضُ في مقالنا بعضَ هذه الصعوبات، ونناقشُ الجهودَ المبذولةَ لتخطّيها، وبالتأكيد؛ فإنّنا نرجو أن يشارك أعزاؤنا القرَّاءُ تجارُبَهم الشخصية معنا؛ علَّنا نغتني بوجهاتِ النظر المختلفة.
تخرَّجت أوَّلُ دفعةٍ من طلاب كلية الطب البشري في جامعة دمشق عام 1930، وكان بينَها امرأةٌ واحدةٌ فقط تجلسُ بين الخريجين الأطباء في الصورة؛ وتُدعَى الدكتورة لوريس ماهر، وهي أوَّلُ طبيبةٍ سوريةٍ تخرجَّتْ من جامعة دمشق.
Image: http://www.waficsaid.com/media/2826/dr-rida-said-with-professors-625x325.jpg
اختلفَ وضعُ الطبيباتِ كثيراً بين الماضي والحاضر، فأصبحت أعدادُ الطالبات الإناث اللّاتي يرتدن كليات الطب في ارتفاعٍ متزايدٍ حتَّى إنَّها قد تزيد على أعداد الطلاب الذكور أحياناً، ولكنْ لا تزالُ بعضُ الاختصاصات الطبية تشهد سيطرة الذكور عليها.
إذ ما زالت النساءُ - إلى يومنا هذا - تواجهنَ العديد من الصعوبات في مهنةِ الطب، وهذا ما تحدثت عنه الدكتورة Suzanne Koven في مقالتِها "رسالةٌ إلى طالبةِ طب"، إذ ذكرت التحدياتِ التي ستواجهُها زميلتُها الطبيبة؛ كالتَّمييزِ الذي قد تتعرض له لكونها امرأة، أو أنَّها قد تتقاضى راتباً أقلَّ من زملائها الذكور، ولكنَّها أكّدت أنَّ الدراساتِ الحديثةَ قد أثبتت عدمَ صحّة الأقوال التي طالما تحدّثت عن تفوُّقِ الذكور في المجال الطبي؛ والتي قد تشكُّلُ الهاجسَ الأكبر الذي يراودُ الطبيبات.
فقد أبدَتِ الطبيباتُ النساءُ تفوُّقَهنّ في العديد من المجالات، إذ أشارت دراسةٌ نُشِرت أواخر عام 2016 - على الرغم من محدوديتها - إلى أنَّ المرضى الذين تلقَّوا رعايةً طبيةً على أيدي الطبيبات في مجموعاتٍ معيّنةٍ قد أُعيد إدخالهم إلى المشفى لاحقاً بسببِ مشكلاتٍ صحيةٍ بنسبةٍ أقلَّ من نسبة أولئك المرضى العائدين إلى المشفى ذاتِه بعد تلقّي علاجهم على أيدي الأطباء الذكور، ويُضافُ إلى هذا أنَّ نسبةَ وفياتِ المرضى المعالَجين من قبل الطبيبات الإناث ليسَ بأكثرَ من نظرائهم المعالَجين من قِبَلِ أطباءٍ ذكور، وقد رجَّح الباحثون الذين أنجزوا هذه الدراسة أنَّ سببَ هذه النتائج الجيّدةِ يعودُ إلى كونِ الطبيبةِ المرأة تبدي اهتماماً أكبرَ بالتواصل مع المريض.
وأشارت نتائجُ دراسةٍ بريطانيةٍ أنّ الطبيباتِ قد تمارسنَ الطبَّ المسندَ بالدّليل* على نحوٍ أفضل من الأطباء الذكور أيضاً، إضافةً إلى حصولِهنَّ على نتائجَ أفضل عند التقدم للامتحانات.
وسُخِّرت العديدُ من الجهود عالمياً لدعم الطبيبة المرأة، فقد خُصِّص يوم الثالث من شهر شباط/ فبراير من كلِّ عامٍ للاحتفالِ بعيد المرأة الطبيبة عالمياً؛ بل إنَّ الطبيباتِ في بعض الدول أصبحنَ يستطعنَ الحصولَ على المساعدة في دخول بعض الاختصاصات التي يهيمن عليها الذكور مثل اختصاص القلبية على سبيل المثال؛ إذ خصَّصتِ الجامعةُ الأمريكيةُ لطبِّ القلب قسماً خاصاً بالنساءِ، يتلقَّينَ فيه المشورة والدَّعم عبر فعالياتٍ وبرامجَ خاصة.
وفضلاً عن ذلك؛ تُطلَقُ حملاتٌ شتّى تهدفُ إلى دعم المرأة الطبيبة أيضاً، وتقدّمُ فيها العديدُ من الطبيباتِ الناجحاتِ النصائحَ والدعمَ للزميلات الأُخرَيات، فمثلاً نذكرُ الحملةَ التي أطلقتها مجموعةٌ من طبيبات القلب على وسائل التواصل الاجتماعي بِـ هاشتاغ تحت عنوان: #ilooklikeacardiologist "أنا أبدو كطبيبةٍ قلبية"، وذلك إيماناً منهنّ بأهمية دعم الطبيبات النساء عن طريق مشاركةِ تجارُبهِنَّ الشخصية والمواقفِ التي يواجهنها في حياتهنّ كطبيبات والصعوباتِ التي تخطَّينَها، إذ يؤمنُ كثيرونَ بأهميةِ تلقّي الطبيبةِ للنصيحةِ والدعمِ من طبيبةٍ أُخرى مرت بالظروف ذاتِها؛ ثمَّ استطاعت أن تتألَّقَ وتتميز.
ومن بين كثيرٍ من الموضوعات التي تُشارَكُ الخبراتُ فيها؛ فإنَّ إمكانية الجمع بين الأمومة ومهنة الطب تبقى واحدة من أهمِّ الأمور المتداولة، إذ إنَّ رغبةَ الطبيبة في تكوينِ أسرةٍ وإنجاب الأطفالِ تؤثر تأثيراً كبيراً على اختيارِها للاختصاص الذي ستمارسه.
وترى أخصائيةُ القصور القلبيّ الطبيبةُ Lynne Warner Stevenson أنَّ إنجابَ طفلٍ يغيّرُ حياةَ المرأة الطبيبة، ويعيدُ ترتيبَ أولويّاتها كليّاً، وهي تؤكِّدُ - بصفتِها أمّاً - ضرورةَ حصول الطبيبة الأم على كل المساعدة المتاحة، وتشجِّعُ كلَّ امرأةٍ على إنجاب طفلها في الوقت الذي تراه مناسباً، وأن تتجنَّبَ تأجيلَ الإنجاب لوقتٍ طويلٍ خوفاً من أن يؤثرَ على مَسيرِ حياتها المهنية.
ولكن؛ حتى بعدَ حصولها على المساعدة، فلن يفيدَ المرأةَ مقارنةُ نفسِها مع الرجل الذي قد يبدع في مجال عملِه، ولكنه في الوقتِ ذاته لا يشاركُ في أعمال المنزل، إذ ترى الدكتورة Cindy Grines - وهي طبيبةُ قلبية ومن مبتكريّ إحدى طرائقِ علاج النوبات القلبية بواسطة القثطرة القلبية - أنّ علينا - ببساطةٍ - أن نبذلَ أقصى جهدنا ونتخلَّصَ من إحساسنا بالذنب.
وأكبرُ مثالٍ على قدرة الطبيبة على الجمع بين الأمومة ومهنتها الطبية هي الطبيبةُ Nanette Wenger التي تخرجت من جامعة هارفرد عام 1954، وأصبحت الآن جدة، وقد سبقَ وأنجبت ثلاثَ فتيات؛ أصبحتِ اثنتَان منهنَّ طبيبات.
وفي نهاية هذا المقال؛ لابدَّ من أن نؤكِّد على أنَّ النّجاح في هذه المهنةِ يتطلَّبُ عواملَ كثيرةً لاعلاقةَ لها بجنسِ الطبيب، ولكنَّنا نشجِّعُ الطبيبات النساءِ حتماً، ونرفعُ لهنَّ القبعةَ احتراماً لجهودهن المبذولة، ونأمَلُ من قرّائنا الأعزاء مشاركتَنا قصصَ نجاحِ طبيباتٍ نساء، وخاصّةً الطبيباتِ السوريات والعربيات، إذ ربَّما تساهمُ تجارُبُهنّ وقصصُ نجاحهِنّ في إِلهام الطالباتِ اللاتي يحلمْنَ بممارسةِ هذه المهنة، أو قد تساعدهنَّ على تخطّي الصعوباتِ التي يواجهنها في طريق بلوغِ أهدافهنّ.
*الطب المسند بالدليل: أو ما يُعرَفُ بـ evidence-based medicine؛ وهو يعني اتخاذَ القراراتِ المتعلقة برعاية المرضى عن طريق الاستعانة بالعلاجِ العقلاني والحكيم والمرتكزِ إلى الأدلّةِ الطبية الحديثة.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
مصدر الحاشية:
هنا