ماذا تعني تكنولوجيا الـ Blockchain بالنسبةِ للاقتصادِ التشاركيّ؟
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> اقتصاد
وإنَّ مشكلةَ هذا الشكلِ من المنظمات اللامركزية هي أنَّ القيمةَ المُضافَةَ لا توزَّعُ بالتساوي بين الأشخاص المساهمين في خلق هذه القيمة؛ إذ يحصلُ الوسطاءُ الذين يشغِّلون هذه المنصَّات على كاملِ الأرباح، وقد برزَت مؤخراً تكنولوجيا جديدةٌ قادرةٌ على إحداث توازن أكبر في التوزيع؛ وتُدعَى تكنولوجيا الـ Blockchain؛ إذ يمكنُها أن تُعزِّزَ تبادل القيمة بأسلوب آمن وغير مركزي دونَ الحاجةِ إلى وسيط.
ولم يَعُدْ هناك حاجةٌ إلى وضع البرمجيات على مُخدَّماتٍ مركزيةٍ بوجود تكنولوجيا الـ Blockchain؛ إذ يمكن تشغيلُها على شبكةِ "نِدّ لِلندّ" (Peer-to-peer network) دون أن تتحكَّمَ بها جهة واحدة، ويمكنُ استخدامُ البرمجياتِ المُعتمِدةِ على هذه التكنولوجيا من قِبَلِ الأفراد كوسيلةٍ لتنسيق الأنشطة المشتركة والتفاعل المباشر فيما بينهم، إضافةً إلى تمكينهم من تنظيم وضبطِ بعضهم بعضاً بأسلوبٍ غير مركزي وأكثر أماناً ودونَ الحاجة إلى طرف ثالث.
ويوجدُ الآن العديد من البرمجيات التي قد نُشِرَت بواسطة تكنولوجيا الـ Blockchain، فمثلاً؛ Akasha و Steem.io وSynereo وغيرُها من شبكات التواصل الاجتماعي الشبيهةِ بالفيسبوك؛ لكنَّها تعملُ دونَ منصة مركزية، إذ تُدارُ المنصات المُعتمِدة على هذه التكنولوجيا بأسلوبٍ غير مركزي، - خلافاً لباقي المنصات التي تُدارُ ويُتحكَّمُ بمحتواها وبما سيظهر للمستخدمين فيها مركزياً - وتُجمَعُ مساهماتُ المستخدمين المختلفة حصراً بواسطةِ مجموعةٍ من القواعد البرمجية المحفوظة في Blockchain واحدة. ويدفع الأفرادُ رسوماً صغيرةً جداً لأجلِ نشرِ رسائلَ معينةٍ على الشبكة، وتُدفَعُ هذه الرسومُ إلى الأشخاص الذينَ يساهمون بتشغيل هذه الشبكة والمحافظةِ عليها، ويمكن للأفراد أن يسترجعوا الرسومَ التي دفعوها إضافةً إلى تعويضٍ إضافيٍّ عندما تنتشر رسائلهم عبر الشبكة، وتُعطَى تقييماً إيجابياً من مستخدمين آخرين.
وعلى نحوٍ مُشابِهٍ، يعملُ سوقُ OpenBazaar بأسلوبٍ غير مركزي مثل eBay أو Amazon، لكن دون الحاجة إلى وسطاء؛ إذ تعتمدُ هذه المنصةُ على تكنولوجيا الـ Blockchain لِضمانِ تفاعُلٍ المشتري والبائع بعضِهم مع بعض مباشرةً، ويمكن لأيِّ شخص أن يُدرِجَ مُنتَجهُ على هذه المنصة، فيصبحُ هذا المنتج مرئياً لجميع المستخدمين المتصلين بهذه الشبكة. وفي حالِ موافقةِ المشتري على السعر؛ يُنشَأُ حسابُ ضمان على البيتكوين (Bitcoin Blockchain) والذي يتطلَّبُ موافقةَ شخصَين من أصل ثلاثة أشخاص (المشتري، البائع وطرف ثالثٍ للتحكيم بينهما) من أجل تحرير المبلغ (ويُسمَّى هذا بحساب التوقيع المتعدد). وبعد أن يضعَ المشتري النقودَ في حساب البيتكوين؛ يشحنُ البائعُ المُنتَج إلى المشتري الذي يحرِّرُ النقودَ من حساب الضمان فورَ تسلُّمه للمنتج. وفي حالةِ وجودِ مشكلةٍ بين المشتري والبائع فقط؛ يَطلُبُ النظامُ تدخُّلَ الطرف الثالث (مُحكِّمٍ يُختارُ عشوائياً)، وذلك من أجل التحكيم؛ إمَّا بتمكين البائع من الحصول على المبلغ المتفق عليه، وإمّا بإعادة الثمن إلى المشتري.
وهناكَ منصاتٌ غيرُ مركزيةٍ أيضاً لمشاركةِ السيارات (Ridesharing) مثل Lazooz و ArcadeCity والتي تعملُ تماماً مثل منصة Uber الشهيرة (وهي منصةٌ تتيحُ للأشخاص العملَ كسائقي تاكسي باستخدام سياراتهم الخاصة وفقَ معاييرَ محددةٍ؛ إذ تعملُ كوسيطٍ بينهم وبين بقية الأفراد الراغبين بطلب تاكسي)، وتُضبَطُ هذه المنصات ببرمجياتٍ تُنشَرُ على بِنيةٍ تحتيةٍ مُعتمِدةٍ على تكنولوجيا الـ Blockchain ومُصمَّمةٍ من أجلِ ضبطِ تفاعل السائقين مع بقية المستخدمين. وتعتمد هذه المنصات على Blockchain لمكافأةِ السائقين الفاعلين "الأكثر نشاطا" بواسطةِ عملاتٍ (شهادات) رمزية خاصة تمثل حصةً لهم في هذه المنصة، وكلَّما ازدادت مساهمةُ السائقين في هذه المنصةِ ازدادت استفادتهم من نجاحها وزادَ تأثيرُهم في تنظيمها.
وتتيحُ تكنولوجيا الـ Blockchain نشوءَ شكل جديد من المنظمات، والتي لا تكون غير مادية فقط (غير ملموسة)، وإنَّما غير مركزية؛ إذ لا يكونُ فيها مديرٌ تنفيذيٌّ أو أيُّ نوع من البنية الهرمية، بل تُدارُ جماعيّاً من الأشخاصِ المتفاعلين بها، وعلى هذا الأساس؛ من المهمِّ عدمُ الخلط بينها وبين النموذجِ التقليدي من المنظمات والذي يعتمدُ على مبدأ حشد المصادر (Crowdsourcing)؛ إذ يساهمُ الأفرادُ في هذه المنصات دونَ الاستفادة من نجاحها. ويمكن لتكنولوجيا الـ Blockchain أن تدعمَ شكلاً جديداً أكثرَ تعاونية من مبدأ حشد المصادر، ويشار إلى هذا الشكلِ بـ "التعاونية في المنصات" (Platform Cooperativism)، وهنا يُمكِنُ للمستخدمين أن يكونوا مساهمين وأن يملكوا حصةً فيها في الوقت ذاته (Contributors and Shareholders)، ولأنَّه لا يوجدُ مُشغِّلٌ وسيط؛ يمكنُ توزيعُ القيمة المضافة التي تولَّدُ في هذه المنصات على نحوٍ متساوٍ بين الأشخاص الذين ساهموا في خلقِ هذه القيمة. وبوجود هذه الفرص التي تعزِّزُ التعاون؛ نسيرُ باتجاهِ اقتصادٍ أكثرَ تشاركيةً وتعاونيةً؛ اقتصادٍ لا يُتحَكَّمُ به من مُشغِّلين وسطاءَ عمالقة، وإنَّما يُتحكَّمُ به من العامَّةِ ولأجلِ العامَّة.
المصادر:
1- هنا
2- هنا