محاكاةُ لحظاتِ الكون الأولى في المخبر
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
يَعتقِد علماءُ الكونيَّاتِ أنَّ الكونَ قد مرَّ بِطورٍ من التضخُّمِ بُعَيدَ الانفجارِ الكبير، إذ تضخَّم حجمُه بمقدار 10^60 ضعف في أجزاء من الثانية - وكان أوَّلُ مَنِ اقترح هذا النَّموذج؛ هو الفيزيائي آلان جوث في ثمانينيَّاتِ القرنِ الماضي لحلِّ بعضِ المُشكلاتِ في نظريَّة الانفجارِ الكبيرِ الكلاسيكية.
وتُعَدُّ مُحاكاةُ هذه الظروفِ العنيفةِ في معملٍ للتحقُّقِ مِنها تجريبيًّا أمرًا شبه مستحيل، ولعلَّ هذا هو الحُلمُ المَنشودُ في مُصادِم الهادروناتِ الكبيرِ في المنظمة الأوروبيَّة للأبحاثِ النوويةِ (سيرن) لفَهمِ تطوُّرِ الكونِ الفيزيائيّ وكيف تَكوَّنَت البِنى الكونيَّة فيه.
ومؤخَّرًا؛ حاول باحثونَ من المعهدِ الأمريكيّ الوطنيّ للمقاييسِ والتكنولوجيا (NIST) مُحاكاةَ التضخُّمِ الكونيّ عن طريقِ غيمةٍ على شكلِ حلقةٍ مِن الذَرَّاتِ فائِقةِ البرودةِ، فقد عَمِلَ الفيزيائيون على تبريدِ مئاتِ الآلاف من الذَرَّات إلى درجةِ حرارةٍ قريبةٍ من الصفرِ المُطلقِ لتصلَ إلى حالةٍ تُعرف ب "تكاثُفِ بوز-أينشتاين"؛ إذ تتصرَّفُ الذرَّات كلُّها بوصفها نظامًا كمّيًّا واحدًا.
وإنَّ انتشارَ موجاتِ الصَّوتِ عبرَ هذه الغيمةِ شبيهٌ بسلوكِ الضَّوءِ عند انتشارِهِ عبرَ الفراغِ في اللَّحظاتِ الأولى من عُمرِ الكون، ولتحقيق هذا؛ ضخَّم الباحثونَ حجمَ حلقةِ الذرَّات بسرعةٍ كبيرةٍ بالتَّزامُنِ مع إصدارِ موجاتٍ صوتيةٍ تَمُرُّ عبرَ الغَمامةِ، ورصدِ سلوكِ الموجاتِ وتحليلِها.
وقد لاحَظَ العلماءُ ازديادَ الطُّولِ المَوجِيّ للموجاتِ الصوتية وانخفاضَ شِدَّتِها مع التوسُّعِ الحجميِّ للغيمة، وهو السِّيناريو ذاته الذي حَدَثَ في الكونِ؛ إذ إنَّ تمدُّدَ الكونِ قد زادَ طولَ الموجاتِ الكهرومغناطيسيَّةِ؛ وهو ما يُعرفُ بـ " الانزياحِ الأحمرِ" أو ظاهرة دوبلر.
وقد حَدَثَ في نهايةِ التَّضَخٌَم أمرٌ مثيرٌ للاهتمام؛ ويُعرَفُ باسم "ظاهرةِ التَّسخين"؛ فالأمواجُ قد تَدفَّقَت ذهابًا وإيابًا قبل أَنْ تَضمحلَّ على شكلِ دوّاماتٍ حولَ الحلقة، ويَعتقِدُ علماءُ الكونيّاتِ أنَّ هذه الظاهرةَ قد ظهرَت في نهايةِ التضخُّمِ الكونيّ؛ إذ إنَّ طاقةَ التمدُّد قد تَبدَّدت بتحوُّلِها إلى الجُسيماتِ التي تَشكَّل منها الكون.
وعلى الرَّغمِ من رصدِ هذه الظَّاهرةِ المُهمَّة؛ لكنَّها كانت أسرعَ مما توقَّع الفيزيائيون، وليست مطابقةً لما حَدثَ في الكونِ؛ كما عبَّرت جريتشن كامبيل الفيزيائية في NIST. وتَطرحُ التجربةُ هنا إشكاليةً مرتبطةً بالنَّظريات الحاليَّةِ لنهايةِ الكون، فإمَّا أن تكونَ المُحاكاةُ هي الأقربُ ومن ثمَّ فإنَّ الكون سينتهي أقربَ ممَّا هو مُتوقَّع، وإمَّا أنْ تكون تلكَ النتائجُ ناجمةً عن قصورٍ في التَّجربة ذاتِها؛ إذ إنَّها لم تَأخُذ كلَّ العواملِ بالحُسبان.
ويأملُ العلماءُ تطويرَ هذه التَّجربةِ في المستقبلِ ودراستها على نحوٍ أوسع، وذلك في محاولةٍ مِنهُم لمُحاكاةِ الظواهر الفيزيائية التي حَدَثَت في اللَّحظات الأولى من تشكُّلِ الكونِ، ليعزّزوا فَهمَ علماءِ الكونيَّات، ويقدّموا -ربّما- شيئًا جديدًا إلى السيناريو الكونيّ.
المصدر: هنا