الجمهوريّة المدنيّة: نمط حكم ديمقراطي
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة السياسية
الجمهوريّة المدنيّة أو الجمهورياتيّة هي نظريةٌ فلسفيّةٌ في طبيعةِ الحُكم الجمهوريّ السّائد، فهي نمط حُكم يروّج لفكرةِ مجتمعٍ منظمٍ قائمٍ على العدالة وتحقيق المصلحة العامة لكلّ المواطنين؛ مجتمعٍ تحكمه قوانين نابعة من إرادة الشعب. المصادر: 1 - هنا 2 - هنا
تتعارض الجمهورياتية مع الأوتوقراطية (نظام الحُكُم الفرديّ المُستبِد)، فالجمهورياتيّة تقليدٌ لفكرٍ سياسيٍّ يركّز على التّرابطِ بينَ الحرية الفرديّة والمشاركة المدنية مع تعزيز المصلحة العامة، ونقصد بالتقليد لفكرٍ سياسيّ الكتاباتِ الإغريقيّةَ القديمةَ لِأفلاطون، وأرسطو، وشيشرون، ومن ثم أتباعهم الأكثر حداثةً مثل ميكيافيللي، وَمونتسكيو، وغيرهم.
يتمثّل الهدفُ الرئيسُ للجمهوريّة في تعزيزِ المبادئ الأساسِ مثل الدساتيرِ المُختلَطة، والالتزام الوطني والقومي، وقد نشبَ جدالٌ كبير في نظرية الجمهورية التقليدية عن مؤسسيها وكيفية تأويلِ فلسفتها لِتَصل إلى معناها الحقيقي، مما أدى إلى ظهور مقاربتين مختلفتين:
وتعودُ الأولى لجمهوريّة الأثينيّين الجدد، وهي مستلهمةٌ من المدنيّة الإنسانيّة لِلإغريقِ القُدامى الذين يرونَ أنّ الأفرادَ يستطيعونَ تحقيقَ طبيعتهم الاجتماعيّة بصورةٍ أفضلَ في مجتمعٍ ديمقراطيٍّ يتميّزُ بالمشاركةِ الفعّالةِ في الحياةِ السّياسيّة، وعَدُّوا أنّ المشاركة الديمقراطية والحسّ الوطني والقوميّ، هي الوسائل الأساسُ للحفاظِ على الحرّية في الدّولة.
ويشارُ في الثّانية إلى جمهوريّة الرومانيين الجدد الذين شاركُوا بعضَ المبادئِ التي تبنّاها الأثينيّين لكنّهم اختلفُوا معهم، فرأى الرومانيّون أنّ الحريّة الفرديّة في حاجةٍ إلى الحمايةِ والدعمِ، وذلك بخلق ترتيبات مؤسساتيّة ذاتِ مبادئَ حديثةٍ، مثل المراجعة القضائية، والحكومة النيابيّة، والشعور بسيادة القانون، لضمان عدم تعسُّف الحكومة.
مفهوم الحريّة:
وقامَ اختلافٌ بينَ الإنسانيينَ المدنيينَ والجمهوريين المدنيين حولَ تأويلِ معنى الحريّة السياسية من الفِكر الجمهوري التقليدي، إذ تَعدُّ الإنسانيّةُ المدنيّةُ أنّ الحريّةَ يجبُ أن تكونَ حثًّا على المشاركة السّياسيّة النشِطَة لتقرير المصيرِ (الحرية الإيجابية).
أمّا الجمهوريّة المدنيّة فَتتبنّى الحريّةَ بمفهومها السّلبي وتعدّها استقلالاً عن السلطةِ التعسُّفيّةِ أو الخارجةِ عن السيطرة.
وقد قسّم برلين مفهومَ الحريّة إلى نوعين وهما: الحريّة السلبيّة والحريّة الإيجابية.
تقوم الحرية السلبية على مبدَأِ ''عدمِ التّدخل''؛ إذ يكونُ الفردُ حرًّا دون أن يخلَّ بمصالحِ الآخرين، أمّا الحريّة الإيجابيّة فيجبُ أن يكون الشخص أو المجموعة قادرين على التصرُّف حسب رغباتهم من الدرجة الثانية ويعودُ هذا المفهومِ إلى سبينوزا، وروسو، وهيغل.
الجمهورياتيّة والليبراليّة:
تتشاركُ الليبراليّة الكلاسيكيّة والجمهوريّة الكلاسيكية في عدّةِ التزاماتٍ سياسيّةٍ (الدستورية وقواعد القانون)، ويؤكّد راولز في كتابِه السياسة الليبرالية أنّه لا يوجد تضادٌّ جوهريٌّ بين الليبرالية والتأويلاتِ اللامثاليّة (المدنية) للجمهورياتيّة؛ لذلك اتُّهِموا بانصِهَارهِم في التّوجه الليبرالي، لكن يرى الجمهوريون المدنيون أنّ الليبرالية "جمهوريّة غير متماسكة" على الرّغم من الترابطِ بينهم، ثم إنَّ هناك اختلافًا حقيقيًّا بين وجهات نظرهم تجاه الحرية السلبية:
فيميلُ الليبراليون إلى كونِهم أكثرَ عدائيةً تجاه عمل الحكومة.
في حين أنّ الرأي الجمهوري للحرية السياسية لا يَعد القوانين العامة أو التدخلات السياسية بالضرورة تقليصاً في الحرية، شريطةَ أن تُنَّفَذ القوانين بطريقة غير تعسفية، وغالباً ما يُعَبَّرُ عن هذه الفكرة في الفِكِر الكلاسيكي على أن القوانين عندما تكون مؤطرة بحكمة، لا تكون بأيةِ حالٍ من الأحوال تخريبيّةً -كما يقول بلاكستون- بل هي مقدمةٌ للحرية "ومن ثَمَّ" حيث لا يوجد قانون، لا توجد حرية".