الحرية والتسامح عند اسبينوزا
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> أعلام ومفكرون
باروخ سبينوزا فيلسوف ينتمي لعائلة من أصل يهودي. ولد في القرن السابع عشرعام 1632 في مدينة أمستردام، وتوفي في عام 1677 في مدينة لاهاي.
يرى سبينوزا أن الحق الطبيعي هو القواعد التي تتميز بها طبيعة كل فرد، وهي القواعد التي ندرك بها أن كل موجود يتحدد وجوده وسلوكه على نحو معين، فمثلاً يتحتم على الأسماك، بحكم طبيعتها، أن تعوم وأن يأكل الكبير منها الصغير، طبقاً لقانون طبيعي مطلق. وأعلى اسبينوزا من قيمة العقل متأثرا بما جاء به ديكارت. وقال بعدم جدوى تحكيم العواطف لما في ذلك من حتمية للوقوع في الخطأ فقال :"الانسان الذي تتحكم به العواطف لا يرى إلا جانباً واحداً من الموقف".
الحرية عند اسبينوزا:
يرى اسبينوزا أن الانسان هو كائن بشري يتميز عن الكائنات الأخرى بالعقل وبالارادة وبالحرية، والحرية الفكرية والدينية حق مكفول لكل فرد، لقد آمن سبينوزا بالحرية في كافة مظاهرها وكان فيلسوفاً حراً دافع عن حرية الرأي وحرية الأديان فالمرء يستطيع أن يفكر وأن يصدر حكمه، ويتكلم بحرية تامة بشرط ألا يتعدى حدود الكلام، وأن يعتمد في ذلك على العقل وحده لا على الخداع والغضب والحقد.
كان سبينوزا في القرن السابع عشر من الذين قاموا بدور بارز في تأصيل التسامح الديني والفكري، ومن أقواله: "ما لا يمكن منعه يجب السماح به". وهذا المبدأ هو الأهم في شؤون الإيمان والقرار الحرّ، وهو الفضيلة التي لا غنى عنها للتطور والتعايش.
ويتلخص مبدا الحرية عنده بعدة نقاط هي :
- يستحيل سلب الأفراد حريتهم في التعبير عما يعتقدون.
- لا يهدد الاعتراف بهذه الحرية حق السلطة العليا أو هيبتها، ويستطيع الفرد الاحتفاظ بحريته دون تهديد لها الحق بشرط ألا يسمح لنفسه بتغيير قوانين الدولة المعترف بها أو بأن يفعل شيئاً ضد القوانين القائمة.
- يستطيع الفرد أن يتمتع بهذه الحرية دون أن يكون في ذلك خطر على سلامة الدولة أو ضرر يصعب ايجاد علاج له.
ل- ا يجلب التمتع بهذه الحرية أي خطر على التقوى.
- إن تمتع كل فرد بحريته لا يهدد سلامة الدولة، أو التقوى أو حق السلطة العليا، بل هو بالاضافة إلى ذلك ضروري للمحافظة على ذلك كله.
التسامح عند سبينوزا:
التسامح عند سبينوزا هو الاعتراف بحرية الآخر، الدينية والاجتماعية والعقلية. فيقول:"لايتمثل التسامح في اعتبار أن أي رأي صحيح، ولكن الاعتراف بالحرية الكاملة للغير في التفكير بذاته، والتعبير عن آرائه". التسامح مشروط بالسماح لكل فرد في التفكير والتعبير عن آرائه من جهة، ومحاربة هذه الآراء إن كانت خاطئة ولا تنسجم مع الطبيعة ونظامها من جهة آخرى.
يجب طاعة الدولة لأنها تمثل الجميع بعد أن فوضوها إما بالضرورة، أو طبقاً للعقل، وأن يلتزم الأفراد بالقوانين لأنها وضعت للمصلحة العامة، ومن المستحيل أن تجتمع الغالبية العظمى على ضلال، فمن واجب السلطة أن تقوم بالمقابل بحماية الناس ورعايتهم وضمان حقوقهم، وحرياتهم. إن من واجب الفرد أن يفعل ذلك إن أراد أن يكون عادلاً تقياً، لأن العدالة تتعلق بمشيئة السلطة العليا وحدها، فمن الفسوق أن يفعل المرء شيئاً طبقاً لرأيه الخاص في هذا المجتمع الكبير ضد مشيئة السلطة العليا التي هو أحد رعاياها، لأنه لو استباح الجميع لأنفسهم أن يفعلوا ذلك لعمت الفوضى، وأدى ذلك إلى انهيار الدولة، والمجتمع والفضيلة.
المرجع:
رسالة في اللاهوت والسياسة، سبينوزا.