ما حقيقة تضاعف سرعة نقل المعلومات كموميّا؟
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
تستمرّ فيزياءُ الكمّ بكسر القوانين وإثارةِ الدّهشة، وهذه المرّة نتّجه صوب مجالِ نقل المعلومات؛ إذ تمكّن عالمان في فيزياء الكمّ من مضاعفة كميّة المعلومات المُرسَلة عبر جهتي اتّصال، باستخدام جُسيمٍ دونَ ذريّ منفردٍ؛ وذلك بجعل الجُسيم في حالة تراكبٍ كموميّةٍ مع نفسه. إحدى أهمّ نتائج نظريّةِ آينشتاين هي ثباتُ سرعةِ الضّوء، وأنّها السّرعة الكونيّةُ الثّابتة الّتي لا يُمكن تجاوزها؛ إذ يسيرُ الضّوء في الفراغ بسرعةٍ تبلغُ 299،792 كيلومترٍ في الثّانية؛ وهي السّرعة نفسها الّتي تنتقل بها المعلوماتُ في الحاسوب الكموميّ. تنتقل المعلومات على هيئة نبضاتٍ كهربائيّة تقليديّة تُسمّى "بت"، وأكبرُ قيمةٍ للمعلومات المنقولةِ هي بتٌّ واحدٌ لكلّ جسيم دون ذريّ مُفردٍ؛ كالفوتون مثلًا؛ أي يُمكنك نقل المعلوماتِ على فوتونٍ يسير بسرعة الضّوء، لكنّ المعلومات الّتي سيحملها هي بتٌّ واحدٌ؛ فإمّا 0 أو 1، أمّا إذا أردّت نقل المزيد من المعلوماتِ فعليك استخدامُ المزيدِ من الفوتونات.
التّراكب الكموميّ "Superposition":
يعدّ هذا المبدأ من أهمّ المبادئ الّتي قامت عليها نظريّة الكمّ؛ ويفترض أساسًا إمكانيّة وجود الجُسيمِ في مكانين مُختلفين؛ أو أن يكون الجُسيمُ بحالتين كموميّتين مختلفتين في الوقت نفسه، وعند رصده يظهر بإحدى الحالتين فقط. إذا أدخلنا هذا المفهومَ في مجال نقل المعلومات، فسيكون الجُسيم النّاقل بحالتين متراكبتين هما: 0 و1.
تبرز هنا فكرةُ التّقنية الّتي توصّل إليها فريقٌ من علماء فيزياء الكمّ؛ والّتي نُشرت مؤخّرًا في ورقة بحثية في مجلة "Physical Review Letters". أوضحت هذه الدّراسة إمكانيّة مُضاعفةِ النّطاق التّردّدي الخاصّ بالمعلومات؛ وهذا يعني إمكانيّة نقل عددٍ أكبرَ من البيانات على جسيمٍ واحد، ورغم أنّ التّقنيّة المذكورةَ لم تتوصل إلى تشفير أكثرِ من بتٍّ واحدٍ من المعلومات المنقولةِ على الجسيم، إلا أنّها تسمح لشخصين أو جهتين بتبادل إرسالِ المعلومات - بت واحد لكل منهما - عن طريق الجسيمِ نفسه؛ وذلك بوضع الجسيمِ بحالةٍ تُسمّى: تراكبُ المواقعِ المكانيّةِ المُختلفة "Superposition of Different spatial Locations"؛ وهنا تبدو الأمور كموميةً للغاية.
أوضح فلافيو ديل سانتو "Flavio Del Santo" من جامعة فيينا؛ وهو مؤلّف مشارك في الدراسة: "يُمكننا القول إنّ الجسيمَ موجودٌ بمكانين مختلفين في الوقت نفسه". وفقاً لديل سانتو وبوريفوجي داكيتش "Borivoje Dakić"؛ المؤلّف المشارك في الدّراسة من معهد البصريّات والمعلومات الكموميّة في أستراليا: إذا افترضنا وجودَ جِهتي اتّصال كموميّتين، يمكنهما عندئذٍ مُشاركة الجسيمِ نفسهِ في الاتّصال، ويُمكن للطّرف الأوّل أن يُرمّز بتًا منفردًا في الجُسيم ويرسلَه إلى الطّرف الثّاني بسرعةِ الضّوء، وبدوره يستلمُ الرّسالة ويُرمّز المعلوماتِ من جديدٍ وينقلها إلى الطّرف الأوّل على الجسيمِ نفسه.
ولأنّ الطّرفين يستخدمان الجسيم نفسه لترميز الرّسالة، فإنّ الجُسيم سيحتوي على الرّسالة السّابقة والرّسالةِ الحاليّة؛ أي أنّ الطّرفين لن يحتاجا إلى انتظار الجسيمِ ليعودَ مع ردّ أحدهما، فالجسيمُ نفسه يحملُ رسالتين بدلًا من واحدة، وهكذا فقد قُلِّلت مدّة تبادلِ الرّسائل إلى النّصف، وبذلك تضاعفت الرّسائل المُتبادلةُ خلال المدّة ذاتها، وتضاعف النّطاق التّردّدي للمعلومات.
يمكنكمُ الاطّلاع على الورقة البحثيّة عبر الرّابط: هنا
تجارب ناجحة:
رغم أنّ البحث المنشورَ نظريّ بالكامل، إلا أنّ البَاحثَين ديل سانتو وداكيتش استعانا بفريقٍ من جامعة فيينا لمعرفةِ جدوى التّقنية عن طريق التّجارب.
استخدمَ الفريقُ في تجاربه مُجزّئ أشعةٍ لفصلِ الفوتوناتِ ووضعها بحالة تراكبٍ مكانيّ، ونجحَ الفريق فعلًا في وضع الفوتونِ بحالة التّراكب المكانيّ كما توقّعت الدّراسة، وبيّن الباحثون إمكانيّة استخدامِ هذه التّقنيّة مع إجراء بعض التّعديلات عليها لتأمين الاتّصالات؛ إذ يُمكن للمتّصل إرسالَ معلوماتٍ عاديّة بينما يُرمّزُ المُستلم الرّسالةَ الحقيقيّة في الجسيمات، فإذا اعترض أحدٌ الرسالةَ فعليه أن يعرفَ الفرقَ بين المحتوى الحقيقيّ والمحتوى العاديّ للرّسالة؛ وهذا يعني تأمينًا أعلى لمحتوى الرّسالة.
المصادر: