عفاريت ماكسويل والحواسيب الكمومية
الفيزياء والفلك >>>> الحوسبة الـكمومية
أصبح بإمكان فريقٍ من الباحثين في جامعة بنسلفانيا إعادة ترتيب مجموعةٍ من الذرات موزعة عشوائيًّا في الشبكة الثلاثية الأبعاد إلى مجموعاتٍ مرتَّبةٍ بدقة، وهذا تجسيدٌ لهدف تجربة ماكسويل الذهنية التي طُرِحت في سبعينيات القرن التاسع عشر والتي تحدَّت (انتهكت ظاهريًا) القانون الثاني في الترموديناميك، ويمكن لهذه الكتل المنظَّمة من الذرات أن تشكِّل الأساس الذي يقوم عليه إنشاء حاسب كمومي يستخدم ذراتٍ غير مشحونة لترميز البيانات وإجراء العمليات الحسابية.
قُدِّمت ورقةٌ بحثيةٌ تَصِف هذا البحث في السادس من أيلول لهذا العام ونُشرت في مجلة journal Nature؛ ويشرح David Weiss بروفيسور الفيزياء في جامعة بنسلفانيا والمسؤول عن فريق البحث قائلًا: "تستخدم الحواسيب التقليدية (العادية) الترانزستورات لترميز المعلومات كبتَّاتٍ يمكن أن تأخذ إحدى القيمتين 1 أو 0، ونحن نقوم بابتكار حواسيب كمومية تستخدم الذرات كبتَّاتٍ كمومية 'qubits' (وحدات تخزين كمومية) والتي يمكنها ترميز البيانات بالاستفادة من ظواهر ميكانيك الكم التي تسمح للذرات أن تكون في حالاتٍ متعددةٍ في الوقت ذاته، ويسمح لنا تنظيم الذرات في شبكةٍ ثلاثية الأبعاد أن نضع العديد من الذرات بملاءمةٍ في مساحةٍ صغيرة، ويمكنها جعل العمليات الحسابية أسهل وأكثر فاعليةً أيضًا".
يَنصُّ القانون الثاني في الترموديناميك على أنَّه لا يمكن لأنتروبية نظام ما -والتي تعبِّر فيزيائيًّا عن الفوضى في النظام- أن تتناقص مع مرور الوقت، وإحدى نتائج هذا القانون هي أنَّه يَستبعد إمكانية وجود جهازٍ للحركة الدائمة، وقد اقترح جيمس كلارك ماكسويل قرابة عام 1870 تجربةً ذهنيةً يستطيع فيها "عفريت" أن يفتح ويغلق بوابةً بين حجرتي غازٍ سامحًا للذرات التي تمتلك طاقةً حركيةً أكبر؛ أي حرارتها أعلى *بالانتقال باتجاه وتمرير الذرات التي لها طاقةٌ حركيةٌ أقل؛ أي حرارتها أدنى في الاتجاه الآخر، ويمكن لهذا التصنيف والذي لا يتطلَّب بذل طاقةٍ أن يؤدي إلى انخفاض في أنتروبية النظام وإلى اختلافٍ في درجات الحرارة بين الحجرتين والذي يمكن استخدامه كمضخةٍ حراريةٍ لتؤدي عملًا، ومن ثمَّ انتهاك القانون الثاني الذي ذكرناه، ويتابع Weiss قائلًا: "أظهر عملٌ لاحقٌ أنَّ "العفريت" (فرز الجزيئات بالشكل السابق) لا ينتهك القانون الثاني بالفعل، ومن بعد ذلك كان هنالك محاولات عديدة لابتكار أنظمةٍ تجريبيةٍ تتصرَّف مثل العفريت، وقد حقَّقت بعض النجاحات على مقاييس صغيرة جدًا ولكننا أنشأنا نظامًا يمكننا عن طريقه التلاعب بعددٍ كبيرٍ من الذرات، وتنظيمها بطريقةٍ تقلِّل من أنتروبية النظام، مثل عفريت ماكسويل تمامًا".
يستخدم الباحثون ليزرات لاحتجاز وتبريد الذرات في شبكةٍ ثلاثية الأبعاد، فيها 125 موضعًا منظمةً على شكل مكعب أبعاده 5*5*5، ثم يملؤون نصف هذه المواضع بالذرات عشوائيًا، إذ يمكن للباحثين تحريك الذرات بانفرادٍ أو في مجموعاتٍ عبر ضبط استقطابية المصائد الليزرية وبهذا إعادة تنظيم الذرات الموزعة عشوائيًّا لتملأ كليًا سطوح فرعية من الشبكة إما بأبعاد 5*5*2 وإما بأبعاد 4*4*3، ويوجِز Weiss نتيجة التجربة بقوله: "كونُ الذرات -في تجربتنا- مبردةً إلى أدنى درجة حرارةٍ ممكنة، فإنَّ أنتروبية النظام تكاد تكون ناتجةً حصرًا عن الترتيب العشوائي للذرات داخل الشبكة، وفي حين يشكِّل اهتزاز الذرات في الأنظمة التي لا تكون فيها الذرات فائقة البرودة غالبية أنتروبية النظام، وفي هذه الحالة فإنَّ ترتيب الذرات لن يؤدي إلَّا إلى تغييرٍ بسيطٍ في الأنتروبية، ولكننا نوضِّح أنَّه في تجربتنا أدى تنظيم الذرات -كونها فائقة البرودة- إلى خفض الأنتروبية في النظام بمعامل يبلغ 2.4 ".
Image: Weiss Laboratory, Penn State
شرح الصورة:
تقليل الأنتروبية في شبكة نصف مملؤة بالذرات عشوائيًّا وذات أبعاد 5*5*5، إذ يُظهر كلُّ صفٍ لقطةً لخمسة مستوياتٍ في الشبكة، فيُظهر الصف الأعلى التوزيع العشوائي البدائي للذرات بين نظامٍ ثلاثي الأبعاد فيه 125 موضع محتمل في حين يُظهر الصف الثاني توزيع الذرات بعد الترتيب الأول والصف الثالث توزيع الذرات بعد الترتيب الثاني، وعند هذه النقطة يكون الهدف (الشبكة الجزئية 5*5*2) قد امتلأ بالذرات بالكامل، وتقلِّل هذه العملية من الأنتروبية في النظام بمعامل يبلغ نحو 2.4.
المصدر: هنا