حالة التدفق الذهني "flow state"
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
وقد أطلق علماء النفس على هذه اللحظات مسمى حالة التدفق الذهني " flow state".
فمعنى أن تكون في مرحلة التدفق الذهني هو أن تدخل في حالة نفسية من أعلى درجات وعيك التي تتمثل في التركيز المطلق و ذروة الأداء .
وقد أطلق البروفيسور في علم النفس Mihaly Csikszentmihalyi عام 1990 حملة بحثية واسعة عن الحالات الذهنية الأمثل وذروة الأداء الذهني، وقد عرَّف عن طريق هذه الدراسة حالة التدفّق الذهني على أنّها: "الحالة العقلية التي يكون فيها الشخص الذي يؤدي نشاطًا ما في قمّة تركيزه واندماجه في عمله ".
فكما وصف أحد الفلاسفة تجربتَه الشخصية لحالة التدفق الذهني قائلًا : "إنَّ حوارًا جيدًا غالبًا يُفضي إلى حالة التدفق الذهني، عندها لا أشعر بنفسي ولا بالعالم من حولي ولا بمرور الوقت عندئذٍ أندمِج كليًّا بالحوار، فكل شيء يحدث بسلاسة، تُعَدُّ هذه التجربة تحديًا ولكن ليس قاسيًا، وكَكُل التجارب الممتعة؛ ستعلم أنّك في حالة التدفّق الذهني ليس في أثناء حدوثها، وإنّما عندما تشتاق لها بعد انتهائها".
هل لحالة التدفق الذهني تأثير في الإبداع والحوافز الداخلية؟
أظهرت دراسة أدّاها McKinsey أنه إذا تمكنا من زيادة الوقت الذي نقضيه في حالة التدفق بنسبة 15-20٪ فإن إجمالي إنتاجية العمل ستتضاعف.
وقد فُسِّر تضاعف الإنتاجية هذا بأن الدماغ في حالة التدفق الذهني يحرِّر النور إيبنيفرين والدوبامين والاندورفين والأناندامايد والسيروتونين جميعها في الوقت نفسه، وهي نواقل عصبية لها تأثير مباشر في الأداء، ويظهر تأثيرها في:
١- الإبداع: وهو ترابط المعلومات الجديدة بأخرى قديمة لتنتج فكرة مختلفة وحديثة كليًّا.
ويحدُّ النور إيبنيفرين والدوبامين -في التدفق الذهني- من التشتُّت، ويساهمان في الحصول على المزيد من المعلومات .
وتُحسّن هذه الحالة القدرة على تمييز الأنماط، بمعنى آخر؛ تحسّن من القدرة على ربط الأفكار، وبما أن الإبداع هو نتاج من ترابط معلومات جديدة بأخرى قديمة، فإن حالة التدفق لها دور جوهري في إشعال فتيل الإبداع.
٢- الحوافز الداخلية: بما أنَّ النور إيبنيفرين والدوبامين هي النواقل العصبية التي تؤدي دورًا أساسيًّا في الإحساس بالمتعة فإن حالة التدفق الذهني بإنتاجها لهذه النواقل العصبية تُعَدّ من أكثر التجارب الممتعة والمسببة للإدمان -بمعنى آخر- إنّ أيّ نشاط يُدخلك في حالة من التدفق الذهني سيجعلك ترغب بالمزيد منها؛ مما يجعل التدفق الذهني حجر الأساس للحافز الداخلي.
٣- سرعة التعلم: كلما زادت النواقل العصبية التي تظهر في التدفق الذهني؛ كلما زادت فرصة انتقال التجربة من الذاكرة قصيرة الأمد إلى الذاكرة طويلة الأمد.
كيف تحدث حالة التدفق الذهني ؟
وضّح Mihaly Csikszentmihalyi خصائصها والعوامل المسببة لحدوثها وهي تتمثل بالآتي:
١- التوازن بين متطلبات العمل والمهارات: انعدام هذا التوازن قد ينفي حدوث حالة التدفق الذهني في حال كون متطلبات العمل والتحديات تطغى على المهارات لينتهي بنا الأمر إلى القلق، أو في حال كون المهارات تتفوّق على التحدّيات؛ فنصاب بالضجر.
أَي أنّ النشاطات التي تتطلّب قدرات إدراكيّة عالية تثير مستويات عليا من التدفق الذهني عند الأشخاص ذوي القدرات المعرفية العالية، بينما تثير مستويات أدنى عند الأشخاص ذوي القدرات المعرفية الأضعف.
٢- التركيز: إذا أردت الدخول في حالة التدفق الذهني كوّن بيئة مناسبة دون أيّة مشتتات .
٣-أن يكون لديك هدف واضح تَمضي قُدُمًا لتحقيقه.
٤- الحصول على نتائج واضحة: لتعلم إن كنت وصلت للهدف أو اقتربت منه أم أنك بعيد كل البعد عنه.
٥-الشعور بالصفاء وفقدان الوعي الذاتي: عدم الشعور بالقلق حيال ما تقدمه أو الاكتراث بتقييم الآخرين لك.
٦- اضطراب الزمن بالنسبة لك: الاندماج بالحاضر لدرجة فقدان الإحساس بالوقت، كأنْ تمر الساعات وكأنها دقائق فتكون مندمج كليًا بعملك، تنظر إلى ساعتك فتلاحظ أنّ ساعات قد مرّت وأنت منفصل عن العالم فلا الماضي ولا المستقبل يعنيك، فقط "الآن".
٧- اندماج الأفعال مع الوعي: يبدو العمل وكأنه يُنجَز تلقائيًّا وعلى نحو عفوي، وكأنّ الأفكار تنساب وتتدفق في عقلك كانسياب مياه الأنهار.
٨- الشعور بالتحكم الكامل بالمهمة المنجزة مع عدم فقدان العفوية بالأفكار.
٩- الشعور بأن المهمة تستحق العمل من أجلها، وليس من أجل أسباب أو دوافع خارجية.
إذ من المرجح حدوث حالة التدفق الذهني عند الانغماس في الأنشطة التي تتوافق مع قدراتنا، وهي قابلة للتطبيق على مجالات واسعة من النشاطات، وليست فقط مصدرًا للمتعة؛ بل تعد جسرًا يختصر الطريق لعالم أكثر إبداعًا.
المصادر:
[١] هنا#
[٢] هنا
[٣] هنا
[٤] هنا