دور المناعة في الإسقاط المتكرر؛ وهم أم حقيقة؟
الطب >>>> مقالات طبية
اقترح Peter Medawar مفهومَ تناقض الزرع مقابل تعشيش الجنين؛ أي لماذا يرفض الجسم وجود زرع جسم غريب ولا يرفض الجنين؟ وكذا للإجابة عن السؤال فيما إذا كان الجهاز المناعيّ للأمّ صديقًا أم عدوًّا لمحصول الحمل، فقد أدّت المعرفة المتراكمة إلى تعريف المشيمة على أنّها أكثر من مجرّد عضو مزروع ، فهي تؤدّي إلى تعديل مناعيّ لتصبح الخلايا المناعيّة داعمة لعمليّة غزو بطانة الرحم من قبل الخلايا المغذّية التابعة للمشيمة وتثبيتها لضمان وصول التغذية للجنين بإفراز وسائط كيميائيّة تجذب الخلايا المناعيّة إلى مكان التعشيش، ثمّ تعليمها كيف تصبح صديقة بإفرازها وسائطَ أخرى مُنظِّمة لعمليّة التمايز، ثمّ تستجيب الخلايا المناعيّة لعمليّة التعليم هذه بطرائق خاصّة، وبذلك فإنّ التفاعل المناعيّ تجاه الجنين هو عمليّة أكثر تعقيدًا منه في الحالة الطبيعيّة، وإنّ وجود خلايا مناعيّة في مكان التعشيش ليس نتيجةً لوجود جسم غريب وإنّما لتسهيل التعشيش وحماية الحمل!
إذًا؛ لا يمكننا على وجه الدقّة وصف الحمل بأنّه حالة مضادّة للالتهاب (أي يحدث فيها تثبيط مناعي) على الرغم من أنّ العديد من الدراسات تؤيّد النظريّة السابقة؛ فقد يعزى ذلك إلى تبسيط الحمل غير المنطقي من قبل البعض بوصفه مرحلة واحدة، ولكنّ الأدلّة الحديث تقسمه إلى ثلاث مراحل يختلف فيها نشاط الجهاز المناعي حسب عمر الحمل: مرحلة التعشيش التي تتطلّب استجابة مناعيّة قويّة لتمكين زرع الجنين مرحلة نموّ الجنين وتغذيته، إذ يكون الجسم والجنين متعايشَين ولا يوجد تفاعل مناعيّ قويّ مرحلة الجرح المفتوح؛ عندما يكون الجسم جاهزًا لإخراج الجنين ويتحقق ذلك باستجابة مناعيّة ضروريّة لسيرورة المخاض وتنشيط تقلّص الرحم.
في مرحلة التعشيش يجبُ على الخلايا الجنينيّة أن تعبر حاجز البطانة الرحميّة لكي تنغرس، إذ تحوي البطانة في هذه المرحلة عددًا كبيرًا من الخلايا المناعية؛ أهمّها القاتلة الطبيعيّة Natural killer أو NK، والخلايا التغصنيّة Dentritic cells أو DC، والبالعات، وتؤدّي كلّ منها دورًا مهمًّا في التعشيش، إذ تسهم DC والبالعات في التصاق الخلايا الجنينيّة بالبطانة بتحطيم الجزيئات التي تغطّي البطانة في مكان التعشيش والتي تحول دون هذا الالتصاق، هذا ولها دورٌ مهم في نموّ الأوعية المغذية للمشيمة، ثم إنّها تؤدّي NK دورًا مهمًّا في تشكّل المشيمة، ففي الحالة الطبيعيّة تقضي NK عفويًّا على أيّة خليّة لا تحمل مستضدات الجسم نفسه، ولهذا دعيت بالقاتلة الطبيعيّة، ولكنَّ دورَ NK في الرحم يختلف عن ذلك، فهي ترتبط بمستقبلات على سطح الخلايا المغذية ممّا يُسهم في غزو الأخيرة للشرايين الموجودة في الرحم وتعديل بنيتها لتصبح نفوذة، ومن ثمَّ ضمان وصول دم كافٍ إلى الجنين، لهذا؛ فإنّ عدد NK في الدم المحيطي لا يعكس دورها في نجاح التعشيش أو فشله؛ إذ يمكن النظر إلى NK الرحميّة على أنّها تحت نوع مستقلّ، وبهذا فإنّ إعطاء العلاجات المناعية بهدف كبح عمل NK عند ارتفاع مستوياتها في الدم ليس مؤكّدَ الفعالية أو الصحة.
فكما قلنا سابقًا؛ على الرغم من عدم كفاية الأدلّة على دور العلاجات المناعيّة في علاج فقدان الحمول المتكرّرة، فإنَّ التوجّه إليها كبير بأشكالها كافّة، فمنها البريدنيزولون والتاكروليموس والسيكلوسبورين، وهناك طرائق أخرى تعتمدُ حقن الغلوبولينات المناعيّة وريديًّا، وهي مجموعة من الأضداد تعمل على تثبيط الاستجابة المناعيّة بواسطة الارتباط بمستقبلات على سطح الخلايا المناعيّة، وإضافةً إلى ذلك تُستخدَم مضادات الوسائط الالتهابيّة التي تعمل على تخفيض الاستجابة المناعيّة كمضادات العامل المنخّر للورم ألفا Anti TNF-α؛ ونذكر منها الـ Adalimumab والـEtanercept، وهناك توجّه إلى العلاجات الخلويّة كنقل كريات الشريك البيضاء قبل الجماع لتحفيز استجابة مناعيّة لدى الأمّ وإنتاج أضداد تحجب المستضدات الجنينيّة المتشكّلة لمنع تعرّفها من قبل جهاز الأم المناعيّ.
إنّ جميع العلاجات السابقة يجمعها هدف واحد وهو تخفيض استجابة الأم المناعيّة، ولكن تبيّنَ في دراسة تحليليّة بعديّة meta-analysis شلمت 20 تجربة معشّاة مع تعمية randomized controlled trials لتأثير العلاجات المناعيّة على علاج فقدان الحمول المتكرّر، أنَّ هذه العلاجات لا تحقّق النتائج المرجوّة، وهنا لا بدَّ من أن نأخذ بالحسبان أنَّ بعض الاقتراحات غير المدروسة جيدًا قد تؤدي إلى نتائج سلبيّة من حزن وألم، وقد تترك أثرًا نفسيًّا لا يُمحى عند الشريكَين نتيجة التوقّعات العالية لعلاج غير فعاّل.
المصادر:
1) هنا
2) هنا
3) هنا
4) هنا