المواد الكيميائية المختبئة في مستحضرات التجميل ومستحضرات العناية الشخصية
الكيمياء والصيدلة >>>> مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة
وتتبَّع الباحثون في إحدى الدراسات الأمريكية 338 طفل منذ الولادة وحتى نهاية فترة المراهقة؛ فاختُبِر بولُ الأمهات في فترة الحمل وسُئِلن عن المستحضرات المستعملة وخضع ما تحويه هذه المستحضرات من كيماويات للمعايرة، ثم فُحِص بولُ الأطفال في عمر التسع سنوات لمعرفة المواد الكيميائية التي تعرضن لها ومراقبة تطور علامات البلوغ لديهن كل تسعة أشهر بين عمر الـ 9 والـ 13 سنة.
أظهرت النتائج أن أكثر من 90% من عيِّنات بول الأطفال تحوي مواد كيميائية مُبدِّلة خواص الهرمونات، ووجدوا أن نصف عدد الفتيات بدأت تبرز علاماتُ البلوغ لديهن في قرابة عمر 9 سنوات وسطيًّا، ثم بدأن الحيض في عمر 10 أعوام تقريبًا؛ فقد وصلن إلى مرحلة البلوغ قبل قريناتهن ممن لم تتعرضن لمثل هذه المواد في الرحم.
وتُظهر النتائج الحالية -مع تزايد الدراسات- أثرَ المواد الكيميائية من الفتالات والبارابينات والتريكلوسان في الهرمونات الطبيعية في الجسم (أهمها هرمون الأستروجين) وتداخلها في عملها أو حتى تعطيلها.
ولكن بالطبع يمكن الحدُّ من التعرُّض لهذه المواد باتباع النساء بعض الخطوات كالتأكُّد من خلوِّ المنتجات المراد شراؤها (مثل معجونات الأسنان) من مادة التريكلوسان التي مُنِع استخدامها في الصابون المضاد للبكتيريا في الولايات المتحدة؛ ولكنها لا تزال في بعض معجونات الأسنان.
وغالبًا ما تحتوي المستحضرات أيضًا على مُشتقَّات البارابين Parabens (مثل الميثيل بارابين methyl paraben، أو بروبيل بارابين propyl paraben)؛ فيجب على المستهلك تجنُّبها أيضًا؛ ولكن يصعب تجنُّب مادة ثنائي إيتيل الفتالات Diethyl phthalate لأنها لا تندرج في بطاقة معلومات المنتج وتوجد عادة في العطور.
في الحقيقة إن تأثيرات هذه المواد في الجسم معقَّدة جدًّا، ولم تكشف الدراساتُ ما الآلية التي تُؤثِّر فيها في عمل الهرمونات بعد. وتتنوع هذه التأثيرات وخطورتها بتنوع المستحضرات والمواد الكيميائية، وتتحكَّم فيها عوامل أخرى كالاستعداد الوراثي، والفترة التي حدث التعرض في أثنائها. [1]
كما كُشِف مؤخرًا عن احتواء المرطبات وكريمات الحلاقة وكريمات الأساس على مركبات البولي فلورو ألكيل polyfluoroalkyl.
إذ تحقَّق علماء سويديون من مستويات المركبات المُفلوَرة السيئة السمعة في مستحضرات التجميل ومستحضرات العناية الشخصية؛ فأشارت النتائج إلى وجود المواد المشبعة بالفلور التي لم تُذكر ضمن المكونات إلى جانب تراكيز عالية من مواد أخرى تُثير القلق.
ترتبط المواد المُفلوَرة أو ما يُسمَّى PFASs (polyfluoroalkyl substances بتأثيرات جانبية ضارَّة على الصعيدَين الصحِّي والبيئي، ولا تزال تُصنَّع دوليًّا وتُستعمل في المنتجات التجارية والعمليات الصناعية مثل تصنيع المنسوجات ومواد مكافحة الحرائق.
ولما كانت هذه المواد لا تُذكَر عادة ضمن المعلومات على عبوات المستحضرات؛ فقد كان الكشف عنها يُشكِّل تحدِّيًا حقيقيًّا؛ إذ تتباين التراكيز بين المستحضرات كالمرطِّبات وكريمات الأساس والأقلام التي تُستعمل في المكياج والبودرة ورغوات الحلاقة. وقد اختُبر 39 منتجًا يحوي على المواد المُفلوَرة باستخدام طريقة الكروماتوغرافيا السائلة liquid chromatography إلى جانب مقياس الطيف الكتلي mass spectrometry لتحديد التركيز الكلي من مواد الفلور المستعملة. وقد احتوت نصفُ العيِّنات على جذر فلور مُتعدِّد الألكيل PFAS على الأقل. في حين احتوت كريمات الأساس والبودرة على 25 جذرًا من PFAS، ووُجِد في بعض المنتجات تراكيز عالية من مادة مُسرطِنة مُشتبه بها وهي حمض الأوكتاني perfluorooctanoic acid (PFOA).
ووضَّحت هذه الدراسةُ الفرقَ الكبير بين مستويات البولي فلورو ألكيل PFASs المختبرة والمذكورة ضمن المستحضرات وبين مجموع محتوى الفلورين لجميع العيِّنات؛ وهي تُمثِّل المواد المُفلوَرة غير المصرَّح بها ضمن جميع مستحضرات التجميل التي قد تنجم عن تفكُّك المكونات الداخلة في تركيبها أو الشوائب التي تتعرَّض لها على حدٍّ سواء.
افترض العلماء سابقًا أن تأثير التعرَّض لمثل هذه المواد عن طريق الجلد يكاد لا يذكر مقارنةً بالتعرُّض لها عن طريق الغذاء اليومي. وقدرت مجموعة منهم التعرض لحمض الأوكتاني PFOA من استعمال كريمات الأساس اليومي وكانت نتائج حساباتهم تفوق تعرُّض السويديين لهذه المواد عن طريق الغذاء اليومي.
تستعمل الـ PFASs حاليًّا بوصفها عوامل استحلابيةً وضابطات لُزوجة في مستحضرات التجميل. وردًّا على هذه الدراسة المبدئية؛ تعهَّدت العديد من الشركات بالابتعاد عن PFASs في صناعة مستحضرات محددة.
وسيكون العمل المستقبلي لدراسة مدى امتصاص هذه المواد الكيميائية الجلدي بمزيد من التفصيل لتحديد مدى أهمية التعرُّض لمركبات البولي فلورو ألكيل PFASs وخطورته الناتج من استخدام مستحضرات التجميل.
والسؤال هنا: هل من الضروري فعلًا إدخال هذه المواد في منتجاتنا الاستهلاكية؟ وهل من الممكن الوصول إلى منتج آمن غير حاوٍ على أحد هذه المواد؟
المصادر:
1- هنا
2- هنا