قصَّة حياة دببة الكوالا
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> عجائب الأحياء
ينتمي دبُّ الكوالا (Phascolarctos cinereus) إلى الثديِّيات الجرابية، وهو واحدٌ من أكثر الحيوانات الأسترالية شهرةً، ويُشبه الدببة في ضخامةِ جسمهِ وكبرِ قبضتهِ ويعيش في المناطق الباردة المعتدلة والمناطق الإستوائية، ويسكن الأشجار ويبقى بين أغصان أشجار الكينا على ارتفاعٍ أقلَّ من 600 متر؛ حيث يكون قادراً على إطعام صغاره والبقاء بعيداً عن متناول المفترسين.
يُمكن تمييزُ الذكور بكبر حجمها -وخاصةً في جنوب القارة الأسترالية أكثر منها في الشمال- وطولها وثقلها وسعةِ وجهها وصغر أذنيها مقارنةً بالإناث، ولدى الذكور الناضجة غدَّة بنِّية اللَّون على الصدر تنتج رائحة تُستخدَم لتمييز الأشجار داخل أراضيها، فيما تملك الأنثى كيساً مزوَّداً بعضلةٍ حلقية متقلِّصة تحمل بها الصغير بعد الولادة وتمنعه من السقوط (الجُراب).
يُغطَّى جسمه بفراءٍ كثيفٍ وصوف مُبطِّن بلون يتفاوت بين الرمادي إلى البنِّي وذلك تبعاً للموقع الجغرافي، وتوجد بقع بيضاء على الذقن والصدر والوجه الداخلي للأطراف الأمامية، وغالباً ما يكون الردف مرقَّطاً ببقع بيضاء وتكون الأذنان مزوَّدتَين بشعر أبيض طويل، ويكون الفراء أقصر وأخفَّ لدى حيوانات الشمال والكفوف كبيرة، وتحمل مقدَّمة ومؤخَّرة الأقدام خمسة أصابع مخلبية قوية، يُعارض الإصبعان الأوَّل والثاني الأصابعَ الثلاثة الباقية في مقدَّمة القدم لتُمكِّن الكوالا من الإمساك بالأغصان وتسلُّقها، ويكون الإصبع الأوَّل في القدم الخلفية قصيراً وعريضاً؛ في حين يكون الإصبعان الثاني والثالث صغيرين نسبياً ومتجزِّئين ومزوَّدَين بمخالبَ منفصلةٍ تُستخدم لإزالة القُرَّاد.
يُعدُّ الكوالا متحمِّلاً للحرارة؛ إذ يُبرِّد جسمه عندما يلعق ذراعَيه ويمتدُّ على الأشجار(لا يملك غدداً عرقية)، وكذلك يُوفِّرُ مضغُ بعض الأوراق تقريباً كلَّ الرطوبة التي يحتاجُها؛ فنادراً ما يشرب الماء.
تنضج إناثه في عامها الثاني، وتصبح الذكور مُخصِبةً في عامين ولكنَّها لا تتزاوج إلا بعد أربع سنوات لأن التنافس على الإناث يتطلَّب الوصول إلى حجمٍ أكبر.
تُنجب الإناث مرَّةً واحدةً في العام، لكنَّ الإناث الأكبر سنَّاً قد ينجبن مرَّة كلَّ سنتين فقط، وتستغرقُ مدّة الحمل من (25-35) يوماً وعندما تحدث الولادة في منتصف الصيف (كانون الأول - كانون الثاني)، تضعُ الأنثى صغيراً واحداً عموماً (على الرغم من تسجيلِ حالة ولادة توءمين عام 1997).
يزنُ صغيرُ الكوالا أقلَّ من نصف غرام عند ولادته، ويبقى في جراب الأم من 5-7 أشهر معلَّقاً بواحدة من حلمات الثدي ومُتغذِّياً على الحليب والأوراق غير السامة؛ إلى أن يُفطم في 6-12 شهراً.
يتغذَّى الصغير في نهاية الحياة الجرابية بانتظام، ويتسارع النموُّ بمجرَّد البدء بالتغذِّي على أوراق الشجر. تحملُ الأم الصغيرَ على ظهرها بعد أن يغادرَ الجراب إلى أن يستقلَّ في الشهر الحادي عشر من عمره، ولكنَّه يبقى مستمرَّاً في العيش إلى جانب الأم لبضعة أشهر، وقد يعيش الكوالا 10 سنوات في البرية، وتشيرُ التقارير إلى معيشته 20 عاماً في الأُسَر.
السلوك:
يُحافظ الكوالا على الطاقة في سلوكه نظراً لانخفاض طاقة نظامه الغذائي، ويُعدُّ من الحيوانات غير المهاجرة بطيئة الحركة؛ إذ ينام حتى 18 ساعة في اليوم، وتسكن الأفراد البالغة أماكن ثابتة.
ينشط الذكور البالغون ليلاً في موسم التكاثر (تشرين الأول – شباط) ويتحرَّكون باستمرار لطرد الذكور المنافسين والتزاوج مع أي أنثى متقبِّلة.
يُمسك الذكر الجزء الخلفيَّ من عنق الأنثى بأسنانه في أثناء الاتِّصال الجنسي لمدَّة لا تتجاوز الدقيقتين، ويستخدمُ الذكور أصواتاً منخفضة على هيئة سلسلةٍ من الاستنشاقات القاسية المتبوعةِ بصدى الزفير؛ فتُبعِد هذه الأصوات بقيةَ الذكور، وتُسمِعُ الإناث والذكور غير البالغين صوتاً وحيداً هو نحيبٌ حزين يُعطى عند إزعاجِ الذكور البالغين.
الكوالا كائن ليليٌّ مسالم نسبيَّاً يقضي معظم وقته بين فروع الأشجار، ولا يُغادرُها إلَّا عند الانتقال إلى شجرة طعامٍ آخر أو لمصِّ التربة أو الحصى التي تساعد في الهضم، ولا يُبدي أيَّ مظهرٍ اجتماعي خارج موسم التكاثر، فعلى الرغم من معيشته في جماعاتٍ عند توفّر أشجارٍ مناسبة كافية، لكنَّه حيوانٌ منعزلٌ أساساً إذ يقطنُ فردٌ واحد كلّ شجرة.
عادات التغذية:
الكوالا حيوان عاشب لديه نظام غذائي عالي التخصُّص، يتغذَّى غالباً على نبات الكينا إذ يأكل منها 20 نوعاً فقط من 350 نوعاً ويُفضِّل خمسة أنواعٍ فقط، ويُفضِّل نوعي الكينا Eucalyptus viminalis و E. ovata في الجنوب، بينما يُفضِّل الكوالا في مناطق الشمال أنواع الكينا الآتية: E. punctata، E. camaldulensis، E. tereticornis.
يتغذَّى الكوالا ليلاً ويمكن للأفراد البالغة تناول 500 غرام يومياً، ويتجوَّل حول أوراق النباتات شديدة السمية ويتفادى تأثيرها السمي بفضل طيفٍ من البكتيريا في معدته يستقلبُ سموم الأوراق.
تكيَّف الكوالا للتَّعامل مع نظامه الغذائي الغنيِّ بالألياف والفقير بالبروتين (الفقير بالطاقة)، فخُفِّض عدد أسنان الخد إلى ضاحكة واحدة مفردة وأربعة أضراس عريضة محدَّبة على كل فك ليُطحن الغذاء بيسرٍ وليُهضم بسهولة، وتسمح انتفاخات في الخدِّ بتخزين الطعام غير الممضوغ أثناء الانتقال والحركة إلى مواقع أكثر أماناً وحماية، إضافة إلى أنَّ زيادةِ حجم الأعور في أمعائه الغليظة الذي يصل إلى أربعة أضعاف حجم جسمها، وكذلك يُدرِجُ الباحثون قضاءَ الكوالا معظمَ وقتهِ في النوم كجزءٍ من تكيِّفِه لتقليلِ هدرِ الطاقة.
أهميَّته الاقتصادية للإنسان:
اصطُيد دبُّ الكوالا بكثرة في بداية القرن العشرين للاستفادة من فرائه السميك الدافئ، ودُمِّرت موائله بسبب الحرائق، وهُدِّد من قبل الكائنات الحية الدقيقة Chlamydia psittaci التي يمكن أن تُسبَّب عقمه. في حين يُعتقد أنَّ قرابة 4000 فرد يُقتل كلَّ عام بسبب الاصطدامات مع حركة المرور على الطرق والافتراس من قبل الكلاب.
وكذلك صُنِّف التغيُّر المناخي كتهديد آخر للكوالا، فمن المتوقَّع أن يؤدِّي تغيُّر المناخ إلى زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي؛ ما يُسبِّبُ نموَّ النباتات بسرعة أكبر، ويُقلِّل مستويات البروتين في النباتات ويزيد مستويات التانين (Tannin) (أو ما يدعى العفص وهو أحد مشتقات حمض الجاليك gallic acid)؛ الأمرُ الذي يدفعُ بالأفراد إلى البحث عن موائلَ جديدة، ومن المتوَّقع أن يتسبَّب تغيُّر المناخ في زيادة وتيرة الجفاف والطقس الذي يسبِّب الحرائق في أجزاء كثيرة من أستراليا، وذلك بسبب انخفاض معدَّلات هطول الأمطار وزيادة معدَّلات التبخِّر وزيادة درجة الحرارة الكلِّية بقرابة 1 درجة مئوية بحلول عام 2030.
يتأثَّر الكوالا بوجهٍ خاصٍّ بحرائق الغابات لأنَّ حركته البطيئة ونمط حياته الشجريِّ الدائم يصعِّبان هروبه ويمكن أن يدمِّر إمدادَه الغذائيّ، وكذلك فإنَّ افتقارَه إلى القدرة على الحركة والتخصُّصَ بأنواعٍ معينةٍ من الأشجار يجعله عرضةً للجفاف.
أُدرجَ الكوالا على القائمة الحمراء للأنواع المهدَّدة بالانقراض ( IUCN)، فلا يُسمح بصيده الآن وأصبح محميَّاً قانونياً بعد عام 1927 بعد حالة احتجاجٍ عام، وتدعو عدَّة جهات منها مجموعة البيئة الأسترالية للتنوُّع الحيوي إلى التقليل من خطر التهديد بنقل أفراد من الكوالا وتوزيعها في مناطق غابات أخرى مناسبة تضمُّ عدداً وافراً من الأشجار.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا