كيف يمكن أن يكون للضوضاء ألوان ومزايا خفية لا نعلم عنها
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
الضوضاء البيضاء مصطلح مُتعارف عليه لدى من يعملون في الهندسة الصوتية، فهم غالباً ما يلجؤون إلى إزالتها من خلفية المقاطع الصوتية المسجَّلة، وأكثر ما تنتج عن بيئة التسجيل، ولكنهم لا يعلمون فوائدها بعد!
وتعريفها: هي مجموعةٌ من الأصوات التي تجمع التردُّدات كافةً التي يستطيع الإنسان سماعها، وهي التي تقع في مجال الطيف التردُّدي بين 20 إلى 20 ألف هرتز، وتُستخدَم أيضاً في الفيزياء والاتصالات السلكية واللاسلكية؛ ونذكر منها: صوت أمواج البحر، وصوت مُجفِّف الشعر، والمكنسة الكهربائية، وموجات الراديو والتلفاز عند تشغيل محطَّة غير موجودة.
أما اللون الأبيض فهو اصطلاحٌ؛ لأنها تُشبه في عملها اللونَ الأبيض الذي يمتصُّ ألوان الطيف ليجمعها في لونٍ واحد؛ فالضوضاءُ البيضاء تبتلع جميعَ الأصوات الأخرى وتُدخِلها في تردُّداتها تقنياً.
وأمّا نفسياً؛ فقد أُجريَت العديدُ من الأبحاث التي تهدف إلى استغلال آلية عملها في قتل الأصوات المزعجة الأخرى؛ فقد يُستَخدَمُ مكيف الهواء ليمنع سماعك الأصوات القادمة من غرفة مجاورة؛ ما يُساعدك على التركيز. وألقت العديدُ من الأبحاث والدراسات الضوءَ على فوائدها المحتملة، وكانت محطَّ اهتمام كبير.
وقد أُجريت أولى الأبحاث على القرود بناءً على اقتراح سابق يفترض أن لِموسيقا موتسارت على البيانو آثاراً مفيدةً في إنجاز المَهام الإدراكية والمعرفية لدى البشر. فركَّزت على دراسة تأثير كلٍّ من موسيقا موتسارت والضوضاء البيضاء والإيقاع البسيط والصمت على أداء مَهمَّة الاستجابة المؤجلة DR لدى القرود. وعندما أُعطيَت العلاجاتُ الصوتية مدة 15 دقيقة إما قبل الاختبار وإما في أثنائه؛ فإنها لم تُؤثِّر في الأداء عند تطبيقها قبل الاختبار، في حين سبَّبت موسيقا موتسارت على البيانو في أثناء الاختبار تدهوراً كبيراً في أداء القرود، في الوقت الذي حسَّنته الضوضاء البيضاء. وتقترح النتائج أن موسيقا موتسارت شكَّلت مُحفِّزاً مُشتِّتاً للقرود في أثناء الاختبار. وبالمقابل؛ فإن الضوضاء البيضاء التي تعمل في الخلفية قد حسَّنت أداء القرود في أثناء الاختبار؛ إذ ساهمت في حمايتهم من مُشتِّتات البيئة الخارجية في أثناء الاختبار.
ثم أُجريت دراسةٌ أخرى للبحث في تأثير هذه الضوضاء على الذاكرة لدى أطفال المدارس الذين يُعانون نقصاً في الانتباه. لقد درج الاعتقاد سابقاً بأن الضوضاء تُضعِفُ الأداءَ المعرفي، ولكنهم وجدوا في بحثهم هذا -واعتماداً على أنموذجٍ حاسوبيٍّ يعتمدُ مفاهيمَ الرنين العشوائي والدوبامين الداخلي ذي الصلة بالضوضاء- أن كمية معتدلة من الضجيج الصوتي قد تُفيد الأفرادَ الذين يعانون انخفاضَ مستويات الدوبامين أو خللاً في وظائفه. وقد تنبَّأوا -اعتماداً على هذا الأنموذج- أن أداء الأطفال ذوي نقص الانتباه قد تحسَّن بإضافة الضوضاء البيضاء في الخلفية، في حين تدهور أداءُ الأطفال السليمين لأنها قضت على الفوارق في الذاكرة العرضية المؤقتة لكلا المجموعتين.
وختم الباحثون أن هذه النتائج بحاجةٍ إلى تكرارها على عيِّنةٍ أكبر ومستوياتٍ أعلى من الضوضاء (أُجريَت الدراسةُ على عينةٍ من 51 طالباً ثانوياً فقط ووفق مستوى ضوضاءٍ يبلغ 78 ديسيبل)، واستُخدمَت لاحقاً في تحسين النتائج الدراسية لدى الأطفال المصابين بنقص الانتباه. ثم جاءت دراسةٌ أخرى تفترض أن للضوضاء البيضاء أثراً في بعض نواحي الأداء الإدراكي، فدُرِس تأثيرُها في تحسين تعلُّم المفردات الجديدة لدى البالغين الأصحاء؛ للتأكد فيما لو جرى هذا التأثير بواسطة مهارات الانتباه التنفيذي (انتقاء معلومات معينة لحفظها).
وقد أُجريت الدراسةُ على ثمانين مشاركاً خضعوا لجلسة تعليمية على خمس مراحل، يلي كلَّ مرحلة منها اختبارُ استذكار، وفي نهاية المراحل اختبارٌ نهائي للتقييم. وقُسِّم المشاركون إلى مجموعتين أجرت إحداهما كلاً من عملية الحفظ والاستذكار بوجود ضوضاءٍ في الخلفية، والأخرى دون خلفية؛ وأبدت النتائج أن مجموعة الضوضاء قد أظهرت قدرةً فائقةً على الاستذكار مع مرور الوقت ولم تتأثّر بالقدرة المشتركة للمجموعتين على الانتباه، فقد كانت الدقة المعرفية والإدراكية لكلا المجموعتين في أعلى مستوياتها. وتقترح الدراسةُ أن الضوضاءَ البيضاءَ قد حسَّنت عمليّةَ الاكتساب اللغوي؛ ما يجعل من المحتمل استخدامها علاجاً غيرَ دوائي للأشخاصِ الذين يعانون خللاً أو نقصاً في مستويات الدوبامين ولدى من يعانون صعوباتٍ في تعلم اللغة. ولكن جمع بحث جديد (يُعدُّ الأول من نوعه في هذا المجال) بين تحليل FMRI (صور الرنين المغناطيسي الوظيفي) والاختبارات السلوكية لفهم تأثير الضوضاء البيضاء في ذاكرة البالغين الأصحَّاء، وطُلب من المشاركين استذكارَ صور متدرِّجةٍ من اللون الرمادي لمشاهدَ متعدّدة بينما يستمعون لأصوات ضوضاء بيضاء أو لنغمات sinus جديدة أو لصمتٍ مطبق أو لصوت أحصنةٍ تعدو، وقد شُغِّلت معكوسةً في الخلفية كلٌّ على حدا.
وجد الباحثون في الدراسة الأولى أن الاستماع لأصوات الضوضاء البيضاء قد سبَّب تحسناً طفيفاً في ذاكرةِ الصور مقارنةً بالاستماع لأصوات مُحكمة.
ونظر الباحثون في الدراسة الثانية إلى نشاط الدماغ في أثناء أداء مَهام التذكر عن طريق جهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي.
كان تأثيرُ الضوضاء البيضاء الكبير في مسارات الدوبامين في الدماغ المتوسط أو ما يسمى بمسارات المكافأة هو العنصرَ المفاجئ في النتائج؛ وهي المنطقة من الدماغ المرتبطة بالنواقل العصبية المسؤولة عن شعور المكافأة؛ فقد حسَّنت الضوضاءُ النشاطَ بين مناطق الدماغ المرتبطة بالدوبامين المعدّل (الانتباه)، وقد لاحظ الباحثون أن لهذا التحسن في الارتباط علاقةً بالذاكرة المحسنة للمشاركين بفعل الضوضاء البيضاء. واقترح الباحثون بأن ذلك قد يُسهِّل عملية التعلم لدى من يعاني عيباً في الذاكرة ناتجاً عن شذوذاتٍ في سبيل الدوبامين كالمسنين.
ولكن لا تذهب فوراً لتشغل ضوضاء بيضاء ليلاً ونهاراً لتحسين ذاكرتك، تمهَّل قليلاً!
فقد نبَّه الباحثون لأننا لا نزال بحاجةٍ إلى تحديد عدة عوامل قد تؤثِّر في هذا الارتباط؛ فعلى سبيل المثال: قد تستفيد شريحةٌ معينةٌ أكثرَ من سواها اعتماداً على الصفات الشخصية أو حتى على سلامة سبيل الدوبامين لدى هؤلاء الأشخاص. إضافة إلى أن درجة سعة هذه الأصوات وتردُّدها يؤدي دوراً مهماً في ذلك، وإن الضوضاء المعتمدة في هذه التجارب لم تكن أية ضوضاء؛ بل إشارة عشوائية في مجال الصوت نسمعها بشكل (شش sh)، فإن طبَّقناها في مقهى مزدحم فإنها لن تعطي بالضرورة النتائج والفوائد نفسها.
والآن تستطيع الذهاب لتشغيل تلفازك على تردُّد غير موجود؛ لعلَّ الضوضاء البيضاء تُساعدك على الاسترخاء والتركيز والاستمتاع بقراءة مقالنا من جديد!.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
6- هنا
7- هنا
8- هنا
9- هنا