فريدريك شوبان... شاعر البيانو
الموسيقا >>>> عظماء الموسيقا
نفته الثورة، هجرته عشيقته، عذبه السل و لكن تألقه لم يخفت أبداً. لقد تجسدت فيه كل الصور النمطية للفنان الرومانسي، وموسيقاه كانت ساحرة أخّاذة تدخل القلوب و تسلب الألباب. هو بطل وطني، أعلنت موسيقاه تحرير موطنه بولندا و لا تزال ترافق كبار العامة إلى قبورهم. من منّا لم يسمع بشوبان؟ أحد أشهر مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية و شاعر البيانو الوحيد.
حياته:
ولد شوبان عام 1810 في مدينة وارسو في بولندا عن أب فرنسي وأم بولندية، كان والده نيكولاس شوبان قد هاجر إلى بولندا وعمل مدرساً للغة الفرنسية لبعض أبناء العائلات النبيلة وتزوج جوستينا كريزانوفسكا عام 1806. منذ صغره، أثبت شوبان وجوده على ساحة الموسيقى حيث ألف معزوفتي "بولونيز" بعمر ال 7 وقام بإحياء أول حفل له بعمر ال 8 سنوات فقط، وبعمر ال 16 انضم شوبان لمعهد وارسو الموسيقي. عام 1831 وبعد الاجتياح الروسي لبولندا، غادرها شوبان حاملاً معه جرة من التراب من بلده، ليصنع لنفسه اسماً وموطناً جديداً في عاصمة البيانو العالمية باريس. حيث حملته الشهرة إلى وسط الطبقة الأرستقراطية وأسس نفسه هناك كمدرس بيانو باهظ الأجر، إلا أنه كان يشعر بحرج شديد لتعليم تلاميذه مقابل المال، حتى أنه كان يطلب من طلابه أن يتركوا الرسوم جانباً. وبعد أول عرض له في باريس ازدادت قاعدته الجماهيرية بشكل كبير لتضم العمالقة هكتور بيرليوز وفيليكس منديلسون إلى جانب فرانز ليست وروبرت شومان. فضّل شوبان العروض في الصالونات الخاصة للطبقة الباريسية النبيلة أكثر من العروض العامة التي تتسم بالضغوط والمخاطرة حيث لم تتجاوز عروضه العامة الثلاثين عرضاً. وقام أحيانا بتقديم عروض مميزة، ففي إحدى المرات قدم عرضاً بالمشاركة مع ليست وهيلر وعزفوا كونشيرتو لباخ مُعدة لثلاثة بيانوهات (كتبها باخ للهاربسيكورد أساساً). عندما بلغ عامه ال 25 تقدم للزواج من ماريا فودزينيسكا، فتاة أغرم بها ولكن علاقتهما لم يكتب لها النجاح ولم تتجاوز الخطوبة. لاحقاً في حياته، عرّفه ليست على الروائية جورج ساند (اسمها الحقيقي أورور دوديفان) التي عُرفت بتدخينها "الفاضح" وبلبسها للسراويل!!! شكلت ساند منعرجاً في حياة شوبان، فخلال السنوات التسع التي قضاها معها ألّف أهم مقطوعاته وأهمها "البريلودز" المفضلة لديه. الشيء المعروف عن شوبان أن حالته الصحية كانت دوما سيئة، ففي عام 1838، وهرباً من طقس باريس الرطب، انتقل شوبان وساند برفقة ولديها إلى جزيرة مايوركا في اسبانيا أملاً في تحسين حالة شوبان. رغم تدهور حالته كانت تلك هي الفترة الذهبية في حياته التأليفية، ولكنهم عادوا إلى باريس بعد بضعة أشهر فقط. بعد سنة 1845 عادت صحة شوبان إلى التراجع و بدأت علاقته مع ساند تسوء وتراجعت شعبيته وأخذ عدد طلابه بالتناقص. وفي الواقع، كانت سنواته الأخيرة كئيبةً وصعبةً عليه، وانتهت علاقة ساند وشوبان بسبب خلافات كثيرة بعد قصة عمرها قرابة عقد من الزمان. عام 1848، وكخطوة فنية أخيرة قام شوبان بجولة في بريطانيا برفقة إحدى طالباته وتدعى جين ستيرلينغ، والتي كانت تموله أيضاً، حيث قدم عروض في ادنبره وغلاسكو وقدم عرضه الأخير في قاعة غيلدهول في لندن حيث كان مرضه واضحاً ولم يتجاوز وزنه حينها ال 45 كغ!! في 17 من أكتوبر سنة 1849 توفي فريدريك شوبان في باريس دون أن يُعرف سبب وفاته الحقيقي إلا أنه كان يعاني كثيراً من مرض السل. وحضر جنازته حوالي 3000 شخص ولم يتمكن الكثيرون من الدخول إليها ولم يسمح بالدخول إلّا لحاملي التذاكر، ودفن على لحن ريكويم موتزارت في باريس، أو على الأقل معظمه دفن هناك، حيث وضع قلبه ضمن نصب تذكاري في كنيسة في مدينته الحبيبة وارسو.
موسيقاه:
بقي أكثر من 230 معزوفة لشوبان ولكن فقدت الكثير من المؤلفات التي وضعها في طفولته. كتب معظم مؤلفاته لآلة البيانو والقليل تجاوز البيانو المنفرد ليضم كونشيرتو البيانو أو موسيقى الحجرة. وقد تعلم شوبان على نهج موزارت وبيتهوفن وهايدن وكلمنتي، وقد استخدم أسلوب كلمنتي في تعليم تلاميذه. كما أشار إلى فضل موزارت وباخ في تشكيل نظرته الموسيقية. وقد يكون تطوير شكل ال"نوكترن" وإعطاؤها طابعه الخاص من أكثر الأمور التي تميز بها شوبان. إضافة لذلك، فقد ظهرت روحه الوطنية واضحةً في شكليّ ال"بولونيز" و ال"مازوركا". كان من أوائل من كتب ال"بالاد" و ال"شيرزي" كمقطوعات موسيقية مستقلة. و قد غير أسلوب ال"فالس" من موسيقى راقصة إلى موسيقة صالونات ذات إيقاع سريع (وهو أمرٌ غير معتاد في الفالس). كما استغل الإمكانات الشعرية لل"إيتود" وجعلها نمطاً قائماً بحد ذاته (بدلاً من إبقائها كعنصر تدريبي). وقد عرف عن شوبان أنه كان يأخذ ألحاناً مألوفة على المستمع ويحولها ويصيغها على نمطه، ويبدو هذا واضحاً في شكل "السوناتا" حيث كان يجر جمهوره إلى شعورٍ من الألفة ثم يفاجئهم بطريقة إخراجها لهم.
ومن أشهر أعماله "فيونيرل مارتش" (وهي الوحيدة التي حملت اسماً بدلاً من مجرد إعطائها رقماً كباقي المؤلفات) والتي يغرق من يستمع إليها في دوامة من الاكتئاب على الفور، وتعتبر من أشهر الألحان الجنائزية.
وهكذا وضع شوبان بصمته العظيمة في التاريخ الموسيقي كأسطورة لن ينجب التاريخ مثلها من جديد.
نماذج من أعمال شوبان
“Funeral March” Sonata No.2 in B Flat Minor Op.35 (Movement Three):
Ballade No.1 in G minor، Op.23:
Nocturne No.2 in E flat، Op.9 No.2:
Etude، Op.25 No.12 in C minor:
المصادر :
هنا
هنا
هنا
مصدر الصورة:
هنا