الشطرنج حرب العقول بالروح الرياضية(1)
منوعات علمية >>>> ألعاب رياضية
تشيرُ معظم الدلائل التاريخية أنَّ البداية كانت في منطقة شمال الهند وأفغانستان؛ إذ ظهر الشكل الأولي للشطرنج ثم بدأت بالانتشار والتطور بالمسارات المتبعة نفسها من قبل مراكب التجارة المتنقلة، فوصلت إلى الصين واليابان وتطورت إلى تفريع مشابه للشطرنج يُعرف اليوم باسم (شوغي shogi)، ووصلت أيضًا لمنطقة الشرق الأوسط وتطوَّرت في الحقبة الإسلامية على نحوٍ ملحوظ، وذلك بسبب عدم اعتماد هذه اللعبة على الحظ، ودعم الخلفاء الإسلاميون هذه اللعبة، وشجعوا على تعليمها لما فيها من توسيع للمدارك الذهنية، والتكتيكات الحربية المفيدة في تلك الفترة، ويَعُدُّ بعضُ الأشخاص هذا العصر هو العصر الذهبي للشطرنج.
وصلت اللعبة إلى إيطاليا وإسبانيا مع التجار عبر البحر قرابةَ عام 1000 ميلادية، ثم حملها مقاتلو الفايكنج إلى الدول الإسكندنافية قرابة عام 1100-1200 ميلادي، وانتشرت في أوروبا على نحوٍ كبير بالقرن الخامس عشر بالأشكال والقوانين المعروفة اليوم باسم شطرنج (Chess)، بعد إدخال كثيرٍ من التعديلات على أشكال القطع ووظائفها لتناسب المجتمع الأوروبي في ذلك الوقت، إذ أُعيد تشكيل القطع وتسمياتها لتناسب المجتمع الطبقي البرجوازي وإضافة الألوان والزخرفات للقطع، وتعظيم الملك إذ مُنِع قتل الملك (الأمر الذي كان مباح لدى العرب) ،وَوَجب التحذير بعبارة(كش ملك ) في حال تهديد الملك. وتجدر الإشارة إلى أنَّه في بداية ظهور الشطرنج في الهند كانت القطع جميعها تمثل حيوانات، الأمر الذي حافظت عليه التسمية العربية (الفيل والحصان ) في حين أنَّ التسمية الأوروبية مختلفة (الأسقف والفارس).
تتشبَّه الشطرنج بالرياضيات من ناحية دراسة الاحتمالات الممكنة، ففي بداية اللعبة تكون الحركات الممكنة معدودة لكن الأمر يزداد صعوبة كلما أُجريت نقلة ما، ويقول علماء الرياضيات:" إنَّ الاحتمالات للنقلات الممكنة جميعها في هذه اللعبة كبير بدرجة كافية لاعتباره لا نهاية"، ومن هنا يمكنك استنتاج جمالية اكتشاف النقلة الأفضل في وضع ما، فعلى الرغم من وجود عدد غير متناهي من الاحتمالات، وتلمع فكرة أفضل نقلة في ذهن اللاعب المتمرس بالشطرنج كما تلمع رنة نوتة موسيقية في ذهن ملحن عبقري، ويستطيع المراقب لكلا الحالتين استشعار الفن سواء في النقلة أو النوتة الإبداعية.
لم ينتهِ تأثير الشطرنج عند القادة العسكريين أو علماء الرياضيات والفنانين بل امتد إلى الفلسفة؛ إذ شبه العديدُ من الفلاسفة حياةَ البشر بدورِ لاعب الشطرنج، فالسنوات الأولى من حياتنا تشبه الافتتاحية الشطرنجية فتكون مُنسَّقة، ومخطط لها، ومعروفة المسار(تكون الافتتاحيات في الشطرنج هي الحركات الأولى في اللعبة، وغالبًا ما تتبع نسقاً معيناً، وتأخذ أسماء شهيرة مثل جامبيت الملك والدفاع الصقلي...)، أمَّا وسط اللعبة فهو بداية المعركة الفعلية؛ إذ ينخرط الإنسان بصعوبات الحياة الحقيقية في العمل أو الدراسة، ولتكتمل مثالية التشبيه فلا أحد يستطيع إخبارك متى ستكون مرحلة نهاية اللعبة، فعليك دائمًا أن تأخذ احتياطاتك لهذا الموضوع.
يقول جون لوك (John Locke) وهو فيلسوف إنجليزي من القرن السابع عشر:
"تقوم القطع جميعها في الشطرنج بأدوارها المختلفة على الرقعة، لكن في نهاية اللعبة تجتمع القطع كلَّها في كيس واحد" مشيرًا إلى حتمية الموت المقدر على الإنسان بغض النظر عن دوره وأهميته في حياته.
جرت أول بطولة دولية رسمية للشطرنج في لندن في عام 1866، الذي فاز بها البوهيمي (شتاينيس Steinitz) من تشيكوسلوفاكيا، وأصبح بذلك أول بطل دولي رسمي للشطرنج في العالم، واحتفظ باللقب حتى عام 1894، ثم توالى على هذا اللقب عدة أبطال نذكر منهم :
لا بُدَّ من التنويه إلى أنَّه بعد الثورة الروسية في عام 1917، تمكَّنت روسيا من السيطرة على الألقاب الدولية جميعها في الشطرنج، وذلك نتيجة الدعم الحكومي الكبير لهذه اللعبة، إذ افتُتِحَت مدارس خاصة للموهوبين بها، ويتربع اليوم النرويجي "كارلسن Magnus Carlsen" على عرش التصنيف الدولي للشطرنج بحسب الإتحاد الدولي للشطرنج F.I.D.E.
وفي الختام لا بُدَّ أن نذكر أنَّ الشطرنج لم تُصنَّف ضمن الألعاب الرياضية عبثاً، فالعقل مثل باقي أعضاء الجسم ينمو بالتدريب والممارسات المنطقية الممنهجة، والشطرنج خير مثال على تمرينات عقلية ممتعة ومفيدة بالوقت ذاته.
في المقال القادم سنتحدث عن القوانين الأساسية للعبة حتى تتمكن من دخول عالم الشطرنج في حال لم تدخله بعد.
المصادر:
هنا
هنا
هنا