العطاء يسبب السعادة
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
أدى تطور الحياة في زمننا وكثرة الأزمات التي يشهدها العالم والسرعة التي تتخذها حياتنا إلى شعورنا بالتعب والضغط؛ مما جعلنا نبتعد عن السعادة الحقيقية التي نرنو إليها ونبحث عنها في أشياء وأماكن لا توجد فيها. وانطلاقًا من ذلك؛ سعت كثيرٌ من الدراسات والأبحاث إلى معرفة صفات السعادة وكيفية الحصول عليها، ولا تزال المحاولات التي تسعى إلى ذلك مستمرة.
وكثيرًا ما أخبرنا آباؤنا وأجدادنا أن العطاء أحد مسببات السعادة، ومهما كان شكل العطاء مثل تقديم مساعدة أو هدية أو كلمة طيبة أو تشجيع إيجابي أو صدقة للفقراء أو ممارسة الأعمال التطوعية؛ فهو يمنح المرء شعورًا جميلًا ويعود علينا بالنفع بطريقة أو بأخرى.
وقد يخفى على بعض الناس أن العطاء موضوعٌ خاضغٌ للدراسة والأبحاث المختلفة؛ إذ أثبتت التجارب أننا نستطيع الحصول على السعادة عن طريق العطاء.
وبُنِيت إحدى هذه التجارب على تقسيم مجموعة من المشاركين إلى قسمين بعد إخبارهم أنهم سيحصلون على مقدار معيَّن من المال في الأسابيع التالية، ويجب عليهم صرف هذا المبلغ مع إتاحة المجال أمامهم للاختيار؛ فإما أن ينفقوه على أنفسهم أو على غيرهم من الأشخاص بطريقة يجدونها مناسبة، ومن ثمّ خضعوا لفحص المناطق الدماغية المسؤولة عن معالجة السلوك الاجتماعي والكرم من جهة، ومراكز تصنيع القرار وتقييم السعادة من جهة أخرى. وكانت النتيجة أنهم وجدوا تفاعلًا متفاوتًا تبعًا لالتزام المشاركين بالعطاء أم لا.
وفي تجربة أخرى أُجريت على ألعاب الإنترنت ضمَّت 502 لاعب؛ فقد شارك كل منهم في عشر جولات من لعبة الكلمات المتقاطعة، وفي كل مرة يحرزون الفوز فيها يحصلون على مبلغ مالي ويكون لهم حرية الاختيار بين الاحتفاظ أو التبرع به.
وبعدها سألوا اللاعبين عن شعورهم بعد الفوز، فوجدوا أن الذين تبرعوا بالمال شعروا بسعادة أكبر، وكان تضاؤل هذه السعادة أبطأ بكثير من اختفاء سعادة الذين احتفظوا بالمال.
وحسب دراسة أخرى أجريت عام 2006؛ وُجِد أنّ التبرع للجمعيات ينشِّط مناطق في الدماغ مرتبطة بالمتعة والاتصال الاجتماعي والثقة، إضافةً إلى أنه يخلق تأثيرًا دافئًا.
ويُعتقَد أيضًا أنّ سلوك العطاء مسؤول عن إطلاق الإندورفين في الدماغ؛ مما يبعث شعورًا إيجابيًّا يُدعى "نشوة العطاء".
وما يلفت النظر في هذه الدراسات الآنفة الذكر أنه مهما كان حجم العطاء فإنه يعود بالسعادة على فاعله، كذلك إنّ مجرد النية بالعطاء والتفكير به سيجعلان الشخص يشعر بالسعادة -حتى قبل التنفيذ- وهو ما يولّد تغييرًا عصبيًّا بالفعل.
وفيما يخصُّ الفوائد الصحية، فقد تحسّنت صحة الأشخاص الذين يعانون أمراضًا مزمنة -كفيروس نقص المناعة البشرية والتصلب المتعدد- عندما قدَّموا العطاء للآخرين.
وأظهرت دراسة أُجريت عام 2003 أنّ كبار السن الذين يقدمون الدعم والمساعدة لأقربائهم أو جيرانهم أو الذين قدموا الدعم المعنوي لأزواجهم كانوا أكثر سعادة في حياتهم، وأيضًا انخفض احتمال تعرُّض كبار السن الكرماء للموت في السنوات الخمس التالية للدراسة مقارنةً بكبار السن غير الكرماء؛ ويعود ذلك إلى أثر العطاء في تخفيف التوتر المرتبط ارتباطًا أساسيًّا بعدة مشكلات صحية، وبذلك يؤدي العطاء دورًا في ضبط ضغط الدم.
إنّ سلوك العطاء بحد ذاته سلوك مُعدٍ، فملازمة الأشخاص المعطائين له أثر في نشر ثقافة العطاء في محيطهم؛ إذ نجد أنّ الأشخاص المُقرَّبين منهم يمارسون سلوكيات مشابهة.
كذلك إن السعادة التي يشعر بها المرء بعد العطاء ستشجعه على تكرار الفعل، ومن ثم يسبب سلوك العطاء ازدهارَ العلاقات؛ مما سيجعل الشخص يشعر بسعادة أيضًا، وسيشجعه هذا الشعور على تقديم العطاء مرارًا وتكرارًا.
لذا؛ لنجعل العطاء أسلوب حياة ومَهمة نؤديّها لنشر القوة والسعادة.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا