أسئلةٌ أثارتها صورة الثقب الأسود في أذهانكم
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
هذه النظرة الضبابية الأولية إلى الثقب الأسود تكفي لتأكيد صحة النظرية النسبية لأينشتاين، وتؤكّد فعاليتها وصولًا إلى حدود هذه الهاوية العملاقة التي اعتقد البعض أنّها مقبرةُ هذه النظرية. لكنَّ هذه الصورة العجيبة تثير كثيرًا من الأسئلة. إليكم بعض أهم الأسئلة وأكثرها تردُّدًا، وقد أُجيبَ عنها:
ما الثقب الأسود؟
يخدعنا الاسمُ غالبًا ونظن أنه فتحةُ أو فراغ يقبع في إحدى المجرات، لكنَّ الحقيقة غير ذلك تمامًا، إذ إن الثقب الأسود يمكن أن يكون أيَّ شيء ما عدا أن يكون فضاءً خاويًا، فهي أجسامٌ كثيفةٌ للغاية، لا يُمكن لأي شيء -حتى الضوء- الهروب من بئر جاذبيتها، لذا فإنها تلتهم باستمرار أيَّ مادّة تقترب منها وتقع ضحية شراكها، لتنمو في الحجم أكثر.
تتشكل هذه الثقوب السوداء عادةً عندما يموت نجمٌ كبير وينهار على نفسه، ويُعتقَد أنَّ في قلب كلِّ مجرة - متضمّنًا مجرّتنا- هناك ثقبٌ أسود فائقُ الكتلة تبلغ كتلته ملايين أو بلايين المرات ضعف كتلة الشمس، ويُسمَّى ثقبُ مجرّتنا الأسود (Sagittarius A). ويُقصَد بموت النجم نفادُ وقوده النوويّ الذي يجعله مُتقدًا ومتألقًا.
لماذا لم نتمكن من رؤية صورة ثقب أسود من قبلُ؟
الثقوب السوداء كبيرة وضخمة بالطبع، لكنها -وحتَّى أضخمها حجمًا- ليست كبيرة بما فيه الكفاية لنتمكَّن من رؤيتها بسهولة، فعلى سبيل المثال إنَّ التقاط صورة للثقب الأسود في مركز درب التبانة -الذي يُعتقد أن حجمه يصل إلى قرابة أربعة ملايين مرة حجم الشمس- سيكون مثل التقاط صورة لقرص DVD على سطح القمر، وإضافةً إلى هذا أيضًا فإنّ الثقوب السوداء تكون عادة محاطةً بمواد يمكن أن تحجب الضوء المحيط بالثقب الأسود.
كيف عرفنا بوجود الثقوب السوداء قبل هذه الصورة؟
تنبأت نظرية النسبية لأينشتاين أولًا أنه عندما يموت نجمٌ ضخم، فإنّه يترك خلفه نواة كثيفة جدًّا؛ فإذا كانت كتلة هذه النواة أكبر بثلاثة أضعاف من كتلة الشمس فإنَّ قوة جاذبيته -تبعًا لمعادلات النسبيّة- تنتج ثقبًا أسود، وذلك وفقًا لوكالة ناسا.
لكن حتى يوم العاشر من نيسان (أبريل) 2019؛ لم يتمكّن العلماء من تصوير الثقوب السوداء أو مشاهدتها مباشرة. واعتمدوا بدلًا من ذلك على أدلة غير مباشرة؛ مثل سلوك المواد القريبة من الثقب الأسود، أو الإشارات الصادرة عنها، فعلى سبيل المثال يلتهم الثقبُ الأسودُ النجومَ التي تنحرف قربه، وتسخّن هذه العملية النجوم، مما يجعلها تُصدر إشارات بالأشعة السينية التي يمكن للتلسكوبات التقاطها. وفي بعض الأحيان تنطلق من الثقوب السوداء رشقاتٌ عملاقة من الجسيمات المشحونة، التي يمكن اكتشافُها بواسطة معدّاتنا أيضًا.
وأحيانًا يدرس العلماء حركة الأجسام أيضًا، فإذا بدت وكأنها تُسحَب على نحو غريب فقد يكون السببُ في ذلك هو وجود ثقب أسود.
ما الذي نراه في الصورة؟
تُُصدِر الثقوب السوداء إشعاعاتٍ ضئيلة يصعب اكتشافها، لكنَّ أينشتاين اعتقد أنه من الممكن رؤية حدود الثقب الأسود وأفق حدثه (الحدّ الذي لا يمكن للضوء اجتيازه)، وقد اتضح أنَّ هذا صحيح!
أفق الحدث: هو الحد الأقصى لمجال الرؤية بحيث أن ما يحدث خلفه من أحداث ليس لها أي تأثير فينا. وفي حالة الثقوب السوداء، فهو الحد الأقصى الذي بعده لا يمكن للضوء الهروب من جاذبية الثقب وكذلك تنقطع معرفتنا بالأحداث الواقعة هناك.
تؤدي الجاذبيّة القصوى للثقب الأسود إلى تسخين الغاز المحيط بأفق الحدث، مما يؤدي إلى إصدار إشعاع أو "توهج". ويُظهر -بسبب هذا التوهج- "ظلُّ" الثقب الأسود على هيئة قرصٍ دائريّ معتم في الوسط.
لكن الغازات المحيطة بأفق الحدث ليست برتقالية، بل اختار الفلكيون المشاركون في المشروع تلوين إشارات الأمواج الراديوية باللون البرتقالي لإظهار الانبعاثات الصادرة عن أفق الحدث.
تمثل التدرجات الصفراء أكثر الانبعاثات كثافة، ويصور اللون الأحمر كثافةً أقل، أمّا اللون الأسود فيمثّل انبعاثات ضئيلة أو معدومة. أمَّا في نطاق الطيف المرئي بالنسبة إلينا نحن البشر فيُحتَمل أن يبدو لونُ الانبعاثاتِ للناظر إليها بلون أبيض، أو ملطخةً قليلًا باللون الأزرق أو الأحمر.
لماذا يبدو الخاتم الضوئي غير منتظمٍ في الشكل؟
لا يعرف العلماء حتى الآن، لكنهم يأملون الإجابة عن هذا السؤال في المستقبل. أمَّا في الوقت الحالي فهذا ما أظهره لنا الثقب الأسود M87.
كيف التقط العلماء هذه الصورة؟
بنى الصورةَ أكثرُ من 200 عالم فلكي في أنحاء العالم، اعتمادًا على شبكةٍ تتألف من ثمانية تلسكوبات راديوية أرضية تُعرَف مجتمعة باسم تلسكوب أفق الحدث (EHT)، وتوجد هذه التلسكوبات في مواقع مختلفة على الكرة الأرضيّة، وعلى ارتفاعات عالية مثل البراكين في هاواي والمكسيك، والجبال في أريزونا، وسييرا نيفادا الإسبانية، وصحراء أتاكاما، وأنتاركتيكا.
زامن الفلكيون في نيسان (أبريل) 2017 جميع التلسكوبات لأخذ قياسات الأمواج الراديوية المنبعثة من أفق الحدث للثقب الأسود، وكلُّ ذلك في الوقت نفسه. فكانت مزامنة هذه التلسكوبات بمثابة إنشاء تلسكوب واحد بحجم الأرض، يمتلك دقةً رائعة تبلغ 20 ميكروثانية قوسية؛ أي ما يكفي لقراءة صحيفة في يد شخصٍ في نيويورك من مقهى في باريس، في حين أنَّ عرض الثقب الأسود الذي صوروه يبلغ قرابة 42 ميكروثانية قوسية.
أخذ العلماء جميع هذه البيانات الخام التي التقطتها التلسكوبات الثمانية، وحللوها ثم دمجوها في الصورة التي رأيناها جميعًا.
لماذا قاس العلماء الموجات الراديوية بدلًا من الضوء المرئي لالتقاط الصورة؟
يمكنهم الحصول على دقة أفضل بدراسة الأمواج الراديوية عوضًا عن الضوء المرئي؛ إذ تقدّم الأمواج الراديوية حاليًّا دقة زاويّة أعلى من أيّ تقنية أخرى في الوقت الحالي. وتشير الاستبانة الزاوية أو الدقّة الزاويّة إلى مدى قدرة التلسكوب على التمييز بين كائنين منفصلين (أصغر زاوية).
هل هذه صورة حقيقية؟
لا، ليس بالمعنى التقليدي؛ أي إنها ليست صورة فوتوغرافية، فقد قاس علماء المَهمة أمواجَ الراديو التي تنبعث من أفق حدث الثقب الأسود ثم عالجوا هذه المعلومات باستخدام الكمبيوتر لبناء الصورة التي رأيناها.
هل تثبت هذه الصورة مرة أخرى نظرية النسبية لأينشتاين؟
نعم. تنبأت نظرية النسبية لأينشتاين بوجود ثقوب سوداء، وبأن كلًّا منها يمتلك أفق حدث؛ إذ تتنبأ معادلات النسبية أيضًا بأن أفق الحدث يجب أن يكون دائريًّا إلى حد ما، ويجب أن يرتبط حجم هذا الأفق بكتلة الثقب الأسود. ويمكننا تقدير كتلة الثقب الأسود استنادًا إلى حركة النجوم بعيدًا عنه، وفقًا لمعادلات النسبيّة.
لماذا لم يلتقط العلماء صورة الثقب الأسود في مركز مجرّتنا، بدلاً من اختيار ثقب في مجرة أخرى؟
رصد العلماء الثقب الأسود في مركز مجرّتنا، لكنهم انتهوا من عملية تحليل بيانات الثقب M87 أوّلًا، لماذا؟
الجواب ببساطة هو أنَّ الثقب الأسود M87 بعيد جدًا لدرجة أنَّه لا "يتحرك" كثيرًا بالنسبة إلينا، أما الثقب الأسود (Sagittarius A) فهو أقرب بكثير، لذلك لا يبدو "ثابتًا" في الفضاء. وفي أي حال، فإنّ الجميع متحمسون جدًّا لرؤيته في القريب العاجل.
المصادر:
هنا
هنا
هنا