رامانوجن أمير الحدس
الرياضيات >>>> الرياضيات
قبل فترة وجيزة من تخرج رامانوجن من المدرسة الثانوية، وقعت بين يديه نسخة من كتاب خلاصة النتائج الأولية في الرياضيات البحتة والتطبيقية Synopsis of Elementary Results in Pure and Applied Mathematics لمؤلفه جورج كار George Carr، ما مكنه من تعلم الرياضيات ذاتيًّا لكنه أثر سلبًا على كتابته الرياضية لاحقًا، إذ صحيح أن هذا الكتاب قدم معلومات وافية تقديمًا وجيزًا، إلا أنه نُشر قبل نصف قرن من وصوله إلى رامانوجن. وفي عام 1904، بدأ رامانوجن بالتعمق أكثر في دراسة الرياضيات، فدرس المتسلسلة وحسب ثابت أويلر بدقة 15 خانة عشرية. وبدأ بدراسة أعداد برنولي علمًا أنه لم يعلم بوجودها وإنما اكتشفها بنفسه. ونتيجة لنجاحه الدراسي، حصل في ذلك العام على منحة دراسية في الكلية الحكومية Government College في كومباكونام، لكن اهتمامه بالرياضيات صرفه عن غيرها من المواد الدراسية، ما أدى إلى رسوبه في مواده جميعها عدا الرياضيات، ولذلك لم تُجدد منحته بعد عامه الأول في الكلية. نتيجةً لذلك هرب رامانوجن من المنزل إلى بلدة فيزاغاباتنام Vizagapatnam الواقعة شمال مادراس، وهناك تابع دراسة الرياضيات بنفسه، فدرس المتسلسلات فوق الهندسية وعلاقة المتسلسلات بالتكامل، ليجد بعد فترة أنه كان يدرس موضوعًا رياضيًّا موجودًا بالفعل يدعى الدوال الناقصية.
وفي عام 1906؛ ذهب إلى مادراس والتحق بكلية باشيابا Pachiyappa’s College هادفًا إلى اجتياز امتحانها ما مكنه من الحصول على قبول في جامعة مادراس، لكنه مرض بعد أشهره الدراسية الثلاثة الأولى وتوقف عن حضور المحاضرات، وهكذا رسب في مواده جميعها عدا الرياضيات، ما أدى إلى حرمانه من دخول جامعة مادراس، ولكن لم يمنعه ذلك من مواصلة دراسة الرياضيات والإتيان بأفكاره الرياضية دون أية مساعدة أو أية فكرة عن الرياضيات المتداولة حينها، إذ كان مصدره الوحيد كتاب جورج كار.
في عام 1908؛ كان يدرس الكسور المتسلسلة والمتسلسلات المتباعدة، وفي تلك الأثناء ازدادت حدة مرضه إلى أن خضع لعمل جراحي في نيسان (أبريل) عام 1909، ولم يُشفَ إلا بعد فترة طويلة. وبعد أشهر قليلة زوّجته أمه الفتاة جاناكي أمّال Janaki Ammal التي كانت تبلغ من العمر 10 سنين فقط، ولم يسكن رامانوجن مع زوجته إلا بعد عامين من زواجهما.
تابع دراسته وبدأ بنشر مسائل وحلول في صحيفة المجتمع الرياضي الهندي The Journal of the Indian Mathematical Society، وفي عام 1911؛ نشر ورقة بحثية متميزة عن أعداد برنولي في الصحيفة نفسها وبفضل هذه الورقة بدأت الأنظار تلتفت إلى عمله، وبدأ يذيع صيت عبقريته الرياضية في منطقة مادراس رغم أنه لم يحظَ بأي تعليم جامعي. وبعد عام تقريبًا حصل على فرصة عمل في أمانة ميناء مادراس Madras Port Trust بفضل رسالة توصية زوده بها خريج من كلية سينت جون St John's College في كامبردج كان يدرس الرياضيات في كلية الرئاسة The Presidency College في مادراس. ولحسن حظ رامانوجن كان محاطًا في مكان عمله الجديد بعدة أشخاص حاصلين على تدريب في الرياضيات ومهتمين بعمله. وفي نهاية عام 1912؛ أرسل أستاذ هندسة مدنية في كلية مادراس للهندسة Madras Engineering College مهتم بقدرات رامانوجن شيئًا من أعماله وورقته البحثية عن أعداد برنولي إلى أستاذ الرياضيات إم جي إم هيل M J M Hill الذي تعرّف به عندما كان يدرس في كلية لندن الجامعية University College London. كان رد هيل إيجابيًّا، لكنه قال إنه لم يفهم النتائج التي توصل إليها رامانوجن، ولذلك نصحه بقراءة نظرية المتسلسلات غير المنتهية لمؤلفها برومويتش Bromwich، لكن رامانوجن امتعض لدى قراءة هذا الرد، ورد عليه محاولًا شرح نتائجه، ولكنه لم يتلقَّ أي رد بعد ذلك.
وفي بداية عام 1913؛ أرسل رامانوجن رسالة إلى جي إتش هاردي G H Hardy بعد أن قرأ كتابه مراتب اللانهاية Orders of infinity المنشور عام 1910. عرّف رامانوجن بنفسه وعمله في هذه الرسالة، وأرفق معها قائمة من نظرياته دون أية براهين. وبعد أن درس هاردي وزميله لتلوود Littlewood هذه النظريات، أرسل إلى رامانوجن ردًّا مفاده أن نظرياته منها ما هو خاطئ، ومنها ما هو صحيح إلا إنه غير ذي أهمية، ومنها ما هو صحيح ومهم جدًّا. سُرّ رامانوجن بردّه وبقي على صلة به. وفي عام 1914؛ أحضره هاردي إلى كلية ترينيتي Trinity College في كامبردج وبدأا بالعمل معًا.
ساءت حالته الصحية إثر بدء الحرب العالمية الأولى، ومع ذلك نال عام 1916 درجة بكالوريوس العلوم بالبحث التي تعادل ما أصبح يعرف بشهادة الدكتوراه بعد عام 1920، وذلك بعد عامين من قبوله في الجامعة رغم عدم حيازته المؤهلات اللازمة؛ كان مفتاحه للحصول على القبول سبع أوراق بحثية نشرها في إنكلترا.
في عام 1918؛ انتُخب زميلًا في كل من مجتمع كامبردج الفلسفي Cambridge Philosophical Society، ومجتمع لندن الملكي Royal Society of London، وكلية ترينيتي في كامبردج Trinity College Cambridge.
وقد يكون أهم أعماله تجزئة الأعداد الصحيحة، أي معرفة عدد الطرائق التي يمكن أن يُكتب بها عدد طبيعي على شكل مجموع أعداد طبيعية دون تكرار (عملية الجمع تبديلية). فمثلًا يكتب العدد 3 على شكل مجموع أعداد طبيعية بثلاث طرائق وهي 1+1+1، و2+1، و3+0، ولهذا نقول إن p(3)=3، ويزداد عدد هذه الأجزاء بازدياد العدد المدروس فمثلًا p(5)=7 وp(10)=42. استنتج رامانوجن خصائص عدة لهذه الأجزاء اعتمادًا على بيانات عددية قليلة، وأثبت بعض هذه الخصائص باستخدام الدوال الناقصية، وأُثبت بقيتها بعد موته. وفي ورقة مشتركة مع هاردي، توصلا إلى صيغة مقاربة لحساب قيمة p(n). وترك عددًا من الدفاتر الملأى بنظريات تابع الرياضيون دراستها بعد موته.
بعد تدهور حالته الصحية عاد إلى الهند عام 1919 وتوفي فيها بعد عام في السادس والعشرين من نيسان (أبريل) عن عمر يناهز 33 عامًا. واعترافًا بإسهاماته في الرياضيات قررت حكومة الهند الاحتفال بميلاد رامانوجن بجعله يوم الرياضيات الوطني من كل عام. وفي عام 2015؛ أُنتج فيلم سينمائي عن حياة رامانوجن بعنوان الرجل الذي عرف اللانهاية The Man Who Knew Infinity.
لا ندري ما الذي كان رامانوجن ليحققه لولا وفاته في مقتبل العمر، لكن ما أنجزه في حياته القصيرة ترك بصمةً في عالَم الرياضيات سيخلدها التاريخ.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا