الأنا ووعي الذات
علم النفس >>>> القاعدة المعرفية
التقى علم النفس في الفلسفات الشرقية (البوذية) والعلاج النفسي في الغرب بخيط رفيع ودقيق هو فكرة الأنا. ومن هنا انطلقت أهمية موضوع المقال؛ ففي كثير من الأحيان نحدد أنفسنا باعتقادنا أنّ طاقاتنا الفكرية كلها وما نحمل من إرادة هما الغرور Ego فقط، على الرغم من أنه قد يحدّ من أنفسنا ويقلل مقدراتنا؛ إذ يأتي الانغماس الدائم بالنفس (الغرور) من مصدر واحد هو الخوف والانفصال عن طبيعتنا؛ أي يمكننا القول إنّ الخوف رحمُ الأنا.
ولكن؛ لا يمكننا أبدًا أن ننفي دور الأنا، فتُعدّ مرحلة الوعي (من نحن؟) في طفولتنا الشعلةَ التي تقدح زناد تفكير الطفل في نفسه فيبدأ يسأل: من أنا؟ ومن أكون؟
ويحتاج جميعنا إلى تقدير كافٍ وإلى احترام الذات، فلا يمكننا إتمام أي عمل دون قناعتنا بأننا نملك الكفاءة الكاملة، وإن لازمنا وعينا واستطعنا وضع الفكر (الأنا) في موضعه الصحيح وسيطرنا على تشتته نكون قد وصلنا إلى نعيم الأنا. علمًا أننا لا نهدف إلى التخلص منها، بل بناء علاقة بينها وبين إرادتنا من أجل أن تتنحى الأنا عن السيادة وتكون جاهزة لمطلب الإرادة الواعية.
وقد أثبتت الدراسات أن الشخص الذي قرر ألا يكون تابعًا لسيادة "أناه" تحكم بعواطفه وأفكاره ونظّم مَهماته وقراراته يوميًّا؛ أي إنّه اتخذ من تفعيل إرادته نمطًا حياتيًّا اعتاده.
وعلى الرغم من أنّ ضبط النفس ومراقبة الفكر -بوصفهما تجربة أولية جديدة- يتطلبان جهدًا وتركيزًا؛ ولكنهما يصبحان عادة سهلة عند تكرارهما مرارًا.
وقد دعم ذلك دراسات عديدة أُجريت عن تأثير انعدام الأنا والقدرة على التحكم الذاتي؛ فكلما قلَّ الإحساس بالأنا قلّت الطاقة المبذولة للتحكم بالنفس، وذلك نتيجة الأثر الكبير للأنا في الجهد المبذول والتعب النفسي ومجالات التفكير وحتى في مستويات الغلوكوز بالدم (لكونه وقودًا للدماغ).
وكان هدف الدراسات دومًا تفعيل الإرادة الواعية -بعد أن طالت رقدتُها- بأعمال وإن كانت بسيطة وعشوائية في البداية كفتح الباب باليد اليسرى بدلًا من اليمنى، فالهدف هو التغلب على ممارسات معتادة.
وهناك نظريتان بارزتان في هذا المجال:
النظرية الأولى مثالٌ نموذجي على ضبط الفكر وإخضاعه للإرادة، وقد اقترحت تشبيه العقل بأية عضلة بذلت جهدًا كبيرًا بعد تمرين رياضي مُجهِد؛ إذ حتمًا سيصبح من الصعب على العضلة بذل أي مجهود إلا بعد أخذ ما يكفيها من الراحة. وهذا ما يحدث تمامًا مع عقولنا، فهي تحتاج إلى وقت راحة بعد ما حققته من ممارسات مراقبة الفكر وضبط النفس.
أما النظرية الثانية، فقدمها Inzlicht & schmeichel وشرحت استثمار الجهد المبذول -الناتج من تحفيز العقل- عن طريق تنفيذه؛ أي نجعله سلوكًا تحت التطبيق.
ولا بُدّ من التأكيد على امتلاك القدرة على ضبط النفس أهمية عملية كبيرة؛ إذ يُعدّ الفشل في السيطرة على النفس السببَ الأساسي لمعظم المشكلات التي تواجهنا في مجتمعاتنا (الإدمان، والإفراط في تناول الطعام، والجريمة، والعنف المنزلي، والفشل التعليمي، وضعف الأداء في المدرسة والعمل).
وانطلاقًا من هذه المشكلات، توجّه علم النفس إلى إيجاد الحل الذي يكمن في اتسام الفرد بصفتي الذكاء والتحكم الذاتي (القدرة على ضبط النفس)، علمًا أنّ الداعم الأول للذكاء هو الإرادة الواعية لضبط النفس، ولذلك؛ كان التحكم بالأنا بمثابة فرصة نادرة وجّهت علم النفس وأحدثت فيه فرقًا واضحًا.
وفي الختام؛ إن لم نكن ممن استطاعوا ضبط النفس، فلنكن ممن نالوا شرف التجربة وقرروا الشروع بمراقبة أفكارهم بوصفها الخطوة الأولى.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا