اليوم العالمي ضد رهاب المثلية 2019م
التوعية الجنسية >>>> أيام عالمية
يركِّز البيان العالمي لحقوق الإنسان على حماية الجميع -دون استثناء- بغضِّ النظر عن اللون أو العرق أو ميول الأفراد وهويَّتهم الجنسية.
ومع ذلك، لا نزال نشهد يوميًّا في جميع أنحاء العالم أشخاصًا يُعنَّفون ويتعرَّضون للتمييز بناءً على توجُّههم أو هويَّتهم الجنسية، ولا تزال خطابات الكراهية آخذة في الانتشار على الرغم من الجهود الدولية الحالية للحدِّ منها -بما في ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي- ولا تزال أعمال العنف تمرُّ دون عقاب أيضًا.
عندما وُصفَت أول مرة في الأدبيات الطبية الغربية؛ عُدَّت "المثلية الجنسية" مرضًا نفسيًّا! وإثرَ محاولات لاكتشاف أسبابه؛ صدر بحث أمريكي في أوائل خمسينيات القرن العشرين، يُعرف باسم تقرير كينزي "kinsey report" الذي يبحث في السلوك والتخيُّلات الجنسية لعددٍ كبير من الرجال والنساء، والذي كشف أنَّ السلوكيات الجنسية المثلية أكثر انتشارًا بين السكان البالغين في الولايات المتحدة ممَّا كان يُعتقد سابقًا.
صِيغَ مصطلح رهاب المثلية في أواخر الستينيات من القرن الماضي، واستخدمه عالم النفس الأمريكي "جورج وينبرج" في كتابه "المجتمع والمثلية الجنسية" في العام 1972م على أنَّه مجموعة من التصرُّفات وردود الفعل العدائية الناجمة عن كراهية المثلية الجنسية والأشخاص المنجذبين عاطفيًّا لأشخاص من الجنس ذاته.
ويقودنا الموضوع إلى العودة تاريخيًّا إلى تطوُّر مصطلح المثلية الجنسية؛ فمنذ القرن التاسع عشر، بدأ علماء النفس بالنظر إلى المثلية على أنَّها أكثر من مجرد شعور مؤقت لقضاء رغبة معينَّة؛ إذ صوَّره عالم النفس الألماني ريتشارد فون كرافت ايبينغ "Richard von Krafft-Ebing" في العام 1886م في كتابه "الاضطرابات النفسية والجنسية" بأنَّه رغبةٌ جنسية متأصِّلة وثابتة في النفس البشرية، ليصفه فرويد في العام 1905م بأنَّه خطأ ناجم عن سوء التربية وغياب السلطة الأبوية في المنزل.
ثمَّ تطوَّر المفهوم ليشمل تشعُّبات جديدة؛ خصوصًا مع دخول الكاتب الإيرلندي "أوسكار وايلد" في هذا المجال، والذي عمد من خلال كتاباته وأعماله الفنية إلى تصوير الشخصية الأنثوية التي يتمتَّع بها بعض الرجال المثليون؛ ممَّا ساهم -بطريقة أو بأخرى- في صياغة صورة نمطية جديدة جعلت من الرجال ذوي التصرُّفات الأنثوية مثليين في نظر المجتمع، وأخرجت أولئك الذين لا يتَّصفون بها من دائرة الشك.
وتُعَدُّ فترة الثمانينات من القرن الماضي فترةً مفصلية في تاريخ رهاب المثلية؛ إذ إنَّ انتشار مرض الإيدز بكثرة لدى المثليين قد عزَّز على نحو كبير ارتباطَه الكلِّي بهم، حتى سُمِّي بالسرطان المثلي في البداية!
وفي الوقت نفسه، ضمَّت تلك الفترة زيادةً في الوعي وانتشارًا كبيرًا للمنظَّمات الحقوقية المطالبة بالعمل على إلغاء تجريم المثلية وحمايتها عالميًّا، مرورًا بمرحلة الاعتراف العالمي لاحقًا؛ والتي غيَّرت نظرة المجتمع والأمم تجاه المثلية بكونها وصمةَ عار تلاحق أفرادها مزيلةً إياَّها من على قائمة الأمراض النفسية ومشدِّدة على بطلان علاجات التحويل المتَّبعة حتى اليوم في العديد من الدول.
وفي عام 1990م، عمدت منظمة الصحة العالمية في ال 17 من أيار (مايو) -بعد أن أحاطت علمًا بعدد أكبر من الأبحاث الطبية- إلى إزالة المثلية الجنسية من قائمة الأمراض العقلية الخاصة بها، وتعريفها بأنَّها سلوكٌ بشري طبيعي مثل غيره من السلوكيات.
لذلك، لم يعُد من الممكن عدُّ المثلية الجنسية مرضًا نفسيًّا؛ ومن ثمَّ فإنَّ ما يُعرف بالعلاجات التعويضية لا تُعَدُّ صحيحة أو دقيقة علميًّا، بل هي عبارة عن مجموعة من الممارسات العلاجية الزائفة القائمة على التحيُّز المعادي ضدَّ الأشخاص المثليين جنسيًّا.
وفي العام 2004م، حُدِّد يوم ال 17 من أيار (مايو) يومًا عالميًّا لمناهضة رهاب المثلية الجنسية، وثنائية الميول، والخوف من مغايري الهوية الجنسية "IDOHOIT"، بصفته معْلمًا سنويًّا لجذب انتباه صانعي السياسات، وقادة الرأي والحركات الاجتماعية، والجمهور، ووسائل الإعلام إلى الوضع المُقلق للعنف والتمييز الذي يواجهه كلٌّ من المثليات والمثليين، وثنائيي الميول الجنسية، ومغايري الهوية الجنسية، والمصحَّحين جنسيًّا، وجميعَ أولئك الذين لا يتوافقون مع الميول الغيرية أو لا يتَّبعون التصنيف الجنسي الثنائي.
إحصاءات وحقائق:
وفقًا للعديد من التقارير التي سُجِّلت في أنحاء العالم سنويًّا عن جرائم الكراهية المرتكَبة تجاه أفراد مجتمع الميم؛ برزت تقارير منظمة "Stonewall" البريطانية، التي نشرت -في العامين 2013-2017م على التوالي- تقريرَين شملا مجموعةً من جرائم الكراهية في المملكة المتحدة فقط، ولعلَّ أبرزها:
-1 من كلِّ 5 أشخاص من أفراد مجتمع الميم في المملكة قد عانى جرائمَ الكراهية والتعنيف الجسدي والإساءة اللفظية بسبب هويتهم أو توجُّههم الجنسي في أثناء العام 2016م.
-ارتفع عدد أفراد مجتمع الميم الذين عانوا جرائم الكراهية في العام 2016م بنسبة 78 % عن العام 2013م .
-4 من بين كلِّ 5 أشخاص تعرَّضوا لحادثة تحرُّش أو إساءة وتعنيف، لكنَّهم لم يخبروا به السلطات رسميًّا.
-في حين أنَّ 1 من بين كلِّ 10 أشخاص من المثليين والمثليات وثنائيي الميول قد تعرَّضوا للإساءة إلكترونيًّا على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، وسجَّل ما نسبته 1 من بين 4 من مغايري الهوية الجنسية إساءةً مباشرة إلكترونيًّا؛ وذلك في الشهر السابق فقط للاستبيان من العام 2017م.
وفي الوقت الذي تظلُّ فيه جرائم الكراهية والوصم في أنحاء العالم مستمرَّة؛ تدعو هيئة الأمم المتحدة إلى وضع حدٍّ للاستبعاد المُطبَّق والانتهاكات المُطبَّقة من قبل بعض الدول مطالبةً بحقوق متساوية للناس جميعهم، بغضِّ النظر عن ميولهم أو هوياتهم الجنسية.
لذلك يحتفل هذا اليوم بالتنوُّع والشمول والتداخل الثقافي والفكري، بحيث لا يُترَك أيُّ شخص دون حقوقه الأساسية في العيش واختيار شركائهم على حدِّ سواء.
لمزيد عن رهاب المثلية؛ يمكنكم قراءة مقالنا السابق: هنا
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
6- هنا
7- هنا