ما بين التمرُّد والإبداع كارافاجيو ولوحة الدفن
الفنون البصرية >>>> أيقونات فنية خالدة
اسم كارافاجيو الحقيقي هو مايكل أنجلو مريسي (Michelangelo Merisi)، ولد عام 1571م في مدينة ميلان في إيطاليا، حيث عاش قرابة 39 عامًا، وعاش طفولته في مدينة إيطالية تدعى كارافاجيو (Caravaggio)، وقد أخذ عنها اسمه الذي عرف به لاحقًا، وعلى الرغم من قصر فترة حياته إلا أنه ترك أثرًا كبيرًا في فن الباروك بأسلوبه الخاص والمبتكر الذي يتميز بالإضاءة والحركة والدراما في معالجة المشهد، ثم إنه كان له أثر كبير في من تلاه من الفنانين مثل رامبرانت (Rembrandt) في هولندا ودييغو فيلازكيز (Diego Velázquez) في إسبانيا وصولًا إلى تيودور جيريكو (Théodore Géricault) في فرنسا، وكان إحساسه الدرامي في التكوينات وأسلوبه في معالجة الإضاءة والظلال متأثرًا بالعديد من الشخصيات البارزة في أوساط السينما آنذاك مثل بيير باولو باسوليني (Pier Paolo Pasolini) ومارتن سكورسيزي (Martin Scorsese).
Image: https://news.artnet.com/app/news-upload/2016/09/Bild-Ottavio_Leoni_Caravaggio-771x1024.jpg
تجاوز الفنان المتمرد بأسلوبه كافة قواعد عصر النهضة، وأصرَّ على أن يتعامل مع القصص الدينية على نحو مختلف؛ وذلك بتركيزه على الواقع والجسد والانفعالات، فتحول من المنظور الروحي إلى نهج أكثر واقعية في اللوحات؛ فصور الفقراء والمشردين بتكوينات درامية أشبه ما تكون بمشهد من مسرحية، بعد أن كانت قبله الشخوص متكلفة متأنقة ومقيدة بمقاييس الجمال السائدة في ذلك العصر.
طور كارافاجيو أسلوبَه الخاص في الإضاءة الذي يعتمد على التضاد الشديد بين الإضاءة الساطعة والظلام الداكن في الخلفية وقلة استخدام الدرجات اللونية الوسطى؛ وهو ما سمي بـ الأسلوب المظلم (tenebrous).
رسم كارافاجيو كثيرًا من اللوحات، وإحدى أبرز لوحاته هي لوحة الدفن (Deposition أو Entombment) التي رسمها عام 1600م، يظهر فيها بعض أتباع المسيح وهم نيقوديموس ويوسف الرامي ومريم المجدلية ووالدته مريم العذراء، وهم يزيلون جسد المسيح عن الصليب -بعد الصلب-، ويضعونه في القبر.
إن أول ما يلفت انتباه الناظر في اللوحة هو اللون الأسود المسيطر في الخلفية وغياب أي بُعد هندسي فيها والتباينات الضوئية الشديدة، بهدف إبراز الشخصيات في مقدمة اللوحة من الظلام بإضاءة جانبية تظهر تفاصيل الحركة وتعابير الوجه، فتجتمع هذه العناصر كافة لتضفي على اللوحة جوًّا دراميًّا مؤثرًا.
يستمر تأثير لوحة كارافاجيو في المُشاهد عن طريق كسر الحاجز بين فضاء اللوحة وفضاء المُشاهد، بتوضع جميع الشخصيات في مقدمة اللوحة؛ إذ صوّر جسد المسيح ليبدو قريبًا منا كأننا نكاد نلمسه، وتعدُّ هذه الخاصية إحدى خصائص فن عصر الباروك.
Image: https://cdn.kastatic.org/ka-perseus-images/71c83dd3fb4cc0cf3d7669127aaae45fdf7c99cc.png
وأيضًا صوّر ببراعة استمرارية الحركة في المشهد؛ إذ جعلنا نعيش لحظة إنزال جسد المسيح إلى قبره وكأن المشهد يحدث أمامنا، وإشراكنا في اللوحة؛ فيبدو جسد المسيح يتجاوز أبعاد اللوحة ويُنقل محمولًا خارجها.
أصر كارافاجيو على الواقعية في تصوير الشخوص في لوحاته؛ إذ تبدو الأجساد في لوحة الدفن تعاني وتناضل في حمل جسد المسيح من تأثير ثقله، ثم إنه لم يتردد أبدًا في تصوير الشخوص في اللوحة من الفقراء والبؤساء، نلاحظ ذلك في الأرجل المتسخة للشخص الذي يحمل جسد المسيح على يمين اللوحة، وملامح الوجوه التي تبدو مألوفة من عامة الناس غير مثالية وخالية من أي تكلف؛ مما يضفي تأثيرًا وسحرًا خاصًّا على اللوحة.
Image: https://cdn.kastatic.org/ka-perseus-images/5a3297c23f6b1270dc8af2a6bd3b0496af1e40d8.jpg
أمضى كارافاجيو السنوات القليلة الأخيرة من حياته هربًا من الشرطة بسبب قتله لرجل، وتوفي عام 1610م بعد أن أسس أسلوبه الفني الواقعي المتمرد الخاص بعيدًا عن كلاسيكيات المدارس الفنية السابقة تاركًا لنا إرثًا فنيًّا كبيرًا يشهد على عبقريته.
المصادر:
هنا
هنا