مدخل إلى فلسفة القيم وأحكامها
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> علم الأخلاق وعلم الجمال
ينشأ مفهوم القيمة value من الاعتبار الذي نوليه إلى شيء ما أو شخص ما. ونُميِّز بين عدة أنواع من القيم كالقيم الجمالية والأخلاقية والاقتصادية والدينية وغيرها.[1]
وشاع استخدام هذا اللفظ منذ زمن -بفضل ذيوع علم الاقتصاد وزيادة الأعمال التجارية والصناعية- بوصفه خاصية تجعل الأشياء المعنوية أو المادية مرغوبًا فيها، وهذه الخاصية تقوم على ما يُباع ويُشترى من الأشياء فتجعلها قابلة للاستبدال بأشياء أكثر أو أقل منها بالنقد.
وشاع بمعنى روحي فلسفي عندما استخدمه اللاهوتي الألماني ألبرت ريتشل في مؤلفه الأشهر (الدفاع عن المسيحية) ليُفرِّق بين مجالات العلم والدين؛ فيتناول العلمُ الظواهرَ والقوانينَ الطبيعية والتاريخية، أما الدين فمجاله "القيم" التي لا تنالها النتائج التجريبية والقياسية.[2] في حين استعمله الفيلسوف الفرنسي لالاند في بحوثه عن المنطق.
ومفهوم القيمة مفهوم نشاط ذهني يتصور أمرًا ذا أهمية ويُسمِّيه قيمة، ويتصل هذا التصور الفكري بالفعل الواعي -الذي هو استبصار واختيار-؛ فعندما نتخذ قرارًا بتفضيل إمكان على إمكان؛ يُصنَع الفكر؛ أي يُصنَع اختيار القيمة وتحديدها.[3]
هي فرع من فروع الفلسفة تبحث في طبيعة القيم وأصنافها ومعاييرها، وترتبط بعلم الأخلاق وفلسفة الجمال والمنطق والإلهيات،[1] ويُطلق على هذه العلوم الثلاثة اسم "العلوم المعيارية"، وتُميِّز بين ثلاثة أنواع للقيم هي الخير والجميل والحق.[4]
ونظرًا إلى تاريخ الفلسفة؛ يتضح لنا أن كل فلسفة تنطوي على مسعى قيمي ولكن الإجابة عن مشكلة القيمة لم تُطرَح منفصلة عن سواها إلا في العصر الحديث، فالنشاط القيمي قديم قِدم الإرادة الإنسانية. وبدأ الإنسان في طرح مشكلة القيمة عندما تساءل عن غاية الوجود وقيمته وعن الغايات المختلفة الممكنة أو المرادة في حياتنا لمعرفة إذا ما كانت تستحق أن نمضي بها أو لا.
فإذا أنعمنا النظر في الفلسفة اليونانية أدركنا أن ثمة اهتمامًا قيميًّا يتصل بتصور مثل أعلى إنساني، ويقوم هذا المثل الأعلى على الاعتدال وضبط النفس وامتلاك زمامها. أما في العصر الوسيط في الغرب فقد جعل الفكر الديني في المسيحية المثل الأعلى متعاليًا على النفس البشرية، وبذلك انطوت الحكمة المسيحية على القيم المضمرة في الحكمة اليونانية القديمة وتجاوزتها، فغدت تتشوف إلى منزلة القداسة.
أدى ظهور العلم في العصر الحديث إلى تبديل تحديد القيمة من النظام الوجودي كما كان في العصر القديم، ومن النظام اللاهوتي الذي كان سائدًا في العصر الوسيط إلى نظام جديد قوامه المعرفة العلمية.
أحكام القيمة (الأحكام التقويمية) أو أحكام الوجوب هي الأحكام المتعلقة بالعلوم المعيارية؛[3] فنقيس بها صدق قضية ما أو جمالية أثر فني أو أخلاقية فعل من الأفعال. وتقابلها أحكام الواقع[1] (الأحكام التقريرية) أو أحكام الوجود وهي التي لا تمسُّ ما هو واجب أو خير، ولكن ما هو كائن، وهي خاصة بالعلوم الوضعية.[2]
تنقسم أحكام القيمة إلى ثلاث فئات:
أ. أوامر ونواهٍ: والنواهي أكثر من الأوامر، ومن أمثلتها "لا تكذب".
ب. فئة تعبِّر عن مجرد نصيحة، "لا تستمع إلى الأخبار إذا أردت أن يكون يومك بخير".
ت. فئة تُعبِّر عن تقدير حوادث أو حالات ليس للمرء عليها سلطان.
إن أحكام القيمة هي عادةً أحكام مقارنة، أنموذجها هو "هذا الشيء أفضل من ذاك".[3] ويُعرِّفها الفيلسوف الفرنسي بول موي بقوله: إنه الحكم الذي يعترف للأشياء بصفة القيمة، بصفة أنها جديرة بالتقدير، وقد يكون هذا الحكم سلبيًّا عندما ينفي عن الشيء القيمة التي كان ينبغي أن تكون له.[4]
وحين ترتبط المعرفة العلمية بقيمة يسمّى العلم علمًا معياريًّا، ويتمايز العلم المعياري عن العلم المألوف بأنه يتكون من أحكام قيم ويضع أسسَ هذه الأحكام عن طريق استخلاص معاييرها (الخير والحق والجميل)، ويصل هذا العلم إلى هدفه دون أن يستمدَّ أسباب تفصيلاته من شيء آخر سوى الموضوع ذاته.[3]
والخلاصة هي أن القيمة في الفلسفة هي أحكام معيارية تُوجِّه سلوك الإنسان وآراءه عن طريق تحديد ما هو مرغوب وغير مرغوب؛ فتضع معاييرًا لاختياراتنا المرتبطة بالمواقف الأخلاقية والجمالية والمنطقية.
المصادر:
1- الحفني، عبد المنعم. المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، مكتبة مدبولى، القاهرة، مصر، ط3، 2000. ص369 + ص370
2- لالاند، أندريه. محاضرات في الفلسفة، ترجمة أحمد.حسن الزيات ويوسف كرم، المركز القومي للترجمة، القاهرة، مصر، 2015. ص62 + ص63
3- العوا، عادل. العمدة في فلسفة القيم، دار طلاس للدراسات والنشر والترجمة، دمشق، سورية، ط1، 1986. من ص44 إلى ص60 + من ص271 إلى ص279
4- موي، بول. المنطق وفلسفة العلوم، ترجمة فؤاد زكريا، دار نهضة مصر، القاهرة، ص21