نظرية الحرب العادلة
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة السياسية
مفهوم الحرب: النظرية الواقعية ونظرية السلمية
يمكن تعريف الحرب بأنها عراكٌ مسلح حقيقيٌ عالميٌ ومنتشرٌ بين مجموعاتٍ سياسيةٍ يمكن التعريف بها على أنها مجموعاتٍ متمثلةٍ كدول أو ما شابه ذلك.
تعتبرالحرب مشروعاً بشعاً ووحشياً! ومع ذلك تبقى رئيسيةً للتاريخ الإنساني والتغير الاجتماعي. تبدو هاتان الحقيقتان متناقضتين فيما بينهما وقد يتعذر تفسيرهما، أو لربما توحيان بجوانب مقلقةٍ في الشخصية الإنسانية بشكل عميق. ماهو صحيح بشكل قاطع أن الحرب والخطر الذي يتبعها يبقيان عبارة عن قوى في حياتنا. وهناك حوادث عصرية تستعرض هذا الموضوع بشكل حي.
أخلاقيات السلم والحرب:
هناك ثلاث اصطلاحات تسيطر على أخلاقيات السلم والحرب، وهم: الواقعية والسلمية ونظرية الحرب العادلة.
سنعرض الآن الاختلافات الرئيسية من حيث المفهوم بين "النظريات الثلاثة الكبرى". فموضوع "نظرية الحرب العادلة" الرئيسيُ يتحدث عن أن الدول أحياناً تتخذ تبريراً أخلاقياً للجوء إلى القوة المسلحة. على عكس ذلك، فالواقعية تحوذ على شكيةٍ عميقةٍ لتطبيق المفاهيم الأخلاقية،. أما بالنسبة للسلمية، فيمكن فعلاً تطبيق المفاهيم الأخلاقية على الشؤون العالمية بشكل مثمر، ويجادلون بأن الحرب دائماً على خطأ، فلا بد دائماً من وجود حلٍّ للمشكلة أفضل من الاقتتال.
1) نظرية الحرب العادلة:
يمكننا أن نعتبر أن مؤسسي هذه النظرية هم الثلاثي المتضمن: أرسطو وسيسيرو وأوغستن.
يمكن تقسيم هذه النظرية إلى ثلاثة أقسام، وهم:
1- العدالة في الاحتكام للحرب
2- العدالة في الحرب
3- عدالة مابعد الحرب
1- العدالة في الاحتكام إلى الحرب:
وتتعلق العدالة في الاحتكام إلى الحرب بالدرجة الأولى، فنظرية الحرب العادلة تؤكد أن أي مجموعة سياسية أو دولة لتبرير احتكامها إلى الحرب عليها أن تطبق كلاً من المتطلبات الست التالية:
أ. القضية العادلة: وتتضمن: حق الدفاع عن النفس والدفاع عن الآخرين من العدوان الخارجي وحماية الأبرياء من الحملات الهمجية العدوانية ومعاقبة من يرتكب خطأ جسيماً لم يتم تصحيحه بعد. ويتضمن الدفاع عن الحقوق الأساسية لنوعين من الكينونات: حقوق الدول وحقوق مواطنيها.
لكن على ماذا تمتلك الدول حقوقاً؟
تحتاج الدول هذه الحقوق لحماية مواطنيها والمساعدة في تأمين الحاجات التي تشمل حقوقهم الإنسانية.وبالارتكاز على القانون الدولي فعلى مايبدو هناك ثلاث معايير أساسية للحكومة الشرعية:
• تمتلك الحكومة شرعيتها من مواطنيها ومن المجموعة الدولية.
• تتجنب الدولة خرق حقوق الدول الشرعية الأخرى.
• تبذل الدول الشرعية ما بوسعها من جهود معقولة لتلبية حقوق مواطنيها الإنسانية، إشارة إلى حق الحياة والحرية والبقاء.
لماذا نحتاج أن نتحدث عن هذه الحقوق؟
1) لنضفي لحقوق الدولة شرعيةً أخلاقيةً ولتجنب الهوس بتلك الحقوق لأجلها فقط.
2) لنبين ماهو خطأ بالنسبة للعدوانية وما السبب حين تبرر الحرب بالمقابل.
3) للتحدث عن أن الشرعية أساسية لتفسير العدالة في الحرب الأهلية حيث لامكان للعدوان المعتاد عبر الحدود الدولية بين بلدان متنافسة. بل بالأحرى حيث الاقتتال العنيف على دولة واحدة بين جماعاتٍ نديةٍ داخل مجتمعٍ متحدٍ آنفاً.
كيف يؤثر مفهوم القضية العادلة على فكرة التدخل الإنساني المسلح؟
يتم ذلك حين لاترتكب دولةٌ ما عدواناً عبرالحدود الدولية بل تنهال وحشياً على مواطنيها موظِّفةً القوة المسلحة في سلسلة من المجازر ضد أعداد كبيرة منهم.
ب. النية الحسنة: على الدولة أن تنوي الحرب فقط من أجل قضيتها العادلة، فلا يكفي أن تمتلك الدولة السبب الصحيح لاستهلال حربٍ، فلابد من أن يكون التحفيز الحقيقيُّ وراء اللجوء للحرب مناسباً أخلاقياً.
ج. الحل الأخير: يمكن أن تلجأ الدولة إلى الحرب فقط إن كانت قد استهلكت كل البدائل المقبولة ظاهرياً والسلمية لحل هذا النزاع، وخاصةً في المفاوضات الدبلوماسية.
د. إمكانية النجاح: على الدولة ألا تلجأ للحرب إن كان بوسعها أن تتنبأ بأن فعل ذلك لن يؤدي إلى النتيجة المطلوبة.
ه. النسبية: قبل الابتداء بالحرب، على الدولة أن تزن المحاسن المتوقع أن تنتج عنها، كحماية القضية العادلة، بمقابل المفاسد المتوقع أن تنتج وبالذات الضحايا.
تؤكد "نظرية الحرب العادلة" على ضرورة تحقيق كل المعايير الستة للإعلان عن حرب ما، بمعنى آخر: إما كل المعايير أو لا شرعية للحرب.
2- العدالة في الحرب:
وتتعلق هذه بالعدالة أثناء الحرب، وبالتصرف بشكل صحيح في لب المعركة. تقع مسؤولية الدولة في الالتزام بمفاهيم "العدالة في الحرب" بشكل أولي على عاتق القادة العسكريين والضباط والجنود الذين يصوغون وينفذون سياسة دولة معينة في الحرب، فهم مسؤولون عن أي خرق للمبادئ أدناه.
سنفرق الآن بين نوعين من هذا المبدأ: الداخلي منهما والخارجي:
أما القواعد الخارجية لـ "العدالة في الحرب"، التي تأخذ في اعتبارها القواعد التي على الدولة مراقبتها بالنسبة للعدو وقواه المسلحة:
1. تنفيذ كل القوانين العالمية في تحريم الأسلحة: وهي الأسلحة الكيماوية والبيولوجية.
2. التمييز والحصانة المدنية في الحرب: يتم تفويض الجنود باستخدام الأسلحة غير المحرمة فقط لاستهداف هؤلاء "المتورطين بالإيذاء"، كمايقول والزر.
3. النسبية: من الممكن أن يستخدم الجنود القوة بشكل نسبي (النتائج الإيجابية الناتجة عن استخدام هذه القوة مع المساوئ المتوقعة) للوصول إلى الهدف الذي يسعون إليه.
4. مكان مناسب للعناية الطبية بأسرى الحرب (POWs): فحينما يستسلم الأعداء ويقعون أسرى لن يعتبروا بعد ذلك تهديداً قاتلاً للحقوق الأساسية.
5. ليست الوسائل سيئة بحد ذاتها: لا يمكن أن يستخدم الجنود أسلحة أو أساليب "شريرة بحد ذاتها."
6. لا استيلاء: وهو حين تخرق الدولة (أ) مبدأ "العدالة في الحرب" مع الدولة (ب)، فتقابل الأخيرة الأولى بنفس الفعل، ساعية إلى إجبار الدولة (أ) لتنفيذ القواعد.
وأما بالنسبة لقواعدها الداخلية التي تعنى بما يجب على الدولة اتباعه من قواعد لاستمرار الارتباط مع شعبها أثناء قيامها بالقتال ضد عدوٍّ خارجي، ويمكن رغم ذلك اختصارها إلى الحاجة لوجود الدولة رغم انخراطها بالحرب، لاحترام حقوق مواطنيها الإنسانية بأفضل ما تستطيع خلال الأزمة.
3- عدالة مابعد الحرب:
وتتعلق هذه بالعدالة أثناء إنهاء الحرب، وتسعى لإنهاء الحروب وتسهيل العودة من الحرب إلى السلم.
فيما يلي مبادئ تتعلق بـ"عدالة مابعد الحرب":
1. النسبية والعمومية: يجب أن يكون الاستقرار المرتبط بالسلم واقعياً وقابلاً للقياس، ومصرحاً به.
2. الدفاع عن الحقوق: يجب أن يحمي الاستقرار تلك الحقوق الاساسية التي تتضمن حقوق الإنسان في الحياة والحرية وتفويض الجماعات بالإقليم والسلطة، والتي أثار خرقها الحرب المشروعة.
3. التمييز: لابد أن يتم التمييز بين القادة والجنود والمدنيين في الدولة المهزومة التي يتم التفاوض معها من دولة أخرى.
4. العقاب#1: حين تصبح الدولة المهزومة معتدية بشكلٍ يخرق الحقوق، لا بد من تحقيق العقاب.
5. العقاب #2: تتطلب عدالة مابعد الحرب تحميل الجنود الذين ارتكبوا جرائم حرب المسؤوليةَ أمام التحقيق والمحاكمة الممكنة.
6. التعويض: يمكن وضع التعويض المالي، بالخضوع للنسبية والتمييز.
7. الترميم: تؤمن بيئة ما بعد الحرب فرصة واعدة لإصلاح المؤسسات العاجزة في حكمٍ متعدٍّ، بحيث يمكن أن تتمضن: التجريد من الصفة العسكرية ومن السلاح، وإعادة التدريب القضائي والسياسي، وتعليم ثقافة حقوق الإنسان، وحتى التحول الهيكلي العميق تجاه مجتمع مصغرٍ عادل يُحكَمُ بحكمٍ شرعي.