تأثير الجنس والعادة السرية قبل التمارين الرياضية
الغذاء والتغذية >>>> الرياضة وتغذية الرياضيين
منذ آلاف السنين، ساد اعتقادٌ يقول أن الامتناع عن ممارسة الجنس، والإحباط الناتج عن ذلك، يعززان الأداء الرياضي ويزيدان عنف الشخص، ولا يزال هذا الاعتقاد مستمرًا حتى العصر الحديث، ومن المعروف حسب التصريحات الصحفية أنّ كلًا من محمد علي كلاي Muhammed Ali ومايك تايسون Mike Tyson كان يمتنع عن ممارسة الجنس مدة أسابيع قبل المنافسة في مباريات الملاكمة، بل وقد تتجاوز فترة الانقطاع عامًا كاملًا أحيانًا [1]. وقد انتشرت هذه الفكرة في الأفلام السينمائية مثل فيلم Rocky الذي يحوي مشهدًا يخبر فيه ميك روكي أن "يبتعد عن سيدة متجر الحيوانات الأليفة" لأن "النساء يضعفن الأرجل" [2].
وعلى الرغم من وجود داعمين لهذه الفكرة في الوسط الرياضي، لكن لها منتقدين أيضًا؛ منهم روندا راوزي Ronda Rousey؛ وهي مصارِعة أمريكية محترفة تمارس فنون الدفاع عن النفس والجودو، إذ تقول راوزي أنها "تمارس أكبر قدر ممكن من الجنس" قبل القتال [3].
إذًا، أي الجانبين هو صاحب الرأي الصائب، وهل للجنس تأثيرٌ سلبي حقيقي في الأداء الرياضي؟ لندع العلم يجيب:
أجريت عام 2018 دراسةٌ تقف إلى جانب رأي راوزي في هذا الجدل؛ إذ تبين فيها أن ممارسة الجنس قبل التمرينات الرياضية أو المنافسة ليس له أي أثر سلبي، وذلك إثر قياس الطاقة الحركية وعزم الدوران المتولدرين في أثناء إجراء 12 رجلاً تمارينًا رياضيةً للجزء السفلي من الجسم في الصباح إما بعد ممارسة الجنس، أو بعد إمضاء ليلة دون أي نشاط جنسي، وقد أظهرت النتائج عدم وجود تأثير لممارسة الجنس في قوة العضلات السفلية لدى المشاركين، بل بقي كل من ذروة التمرين ومتوسطُهُ ثابتين بغض النظر عن ممارسة الجنس، وبذلك أشارت البيانات إلى أن ممارسة الجنس خلال 12 ساعة قبل التمرين الرياضي لا تضعف قوة العضلات [4].
من جهةٍ أخرى، نشرت عام 2016 مراجعة شاملة لجميع الدراسات السابقة عن ممارسة الجنس والأداء الرياضي ضمَّت الكثير من البيانات المتضاربة، علمًأ أن مؤلفي تلك المراجعة صرحوا أن التعميم غير ممكن في ظل تنوع الألعاب الرياضية واختلافاتها الأيضية والوضعية المختلفة.
وقد تتبعت تلك المراجعة الأصول القديمة للفكرة القائلة أن السائل المنوي يحمل هرمون التستوستيرون معه إلى خارج الجسم، فوجدوا أن أول دراسة فعلية تطرقت إليها كانت عام 1968، حين شرع وارن جونسون Warren Johnson في اختبار النظرة التقليدية للمدربين والرياضيين والتي تقول أن ممارسة الجنس تؤثر سلبًا في الأداء الحركي، فاستخدم حينها مقياسًا لقياس قوة قبضة 10 رجال متزوجين بهدف تقييم قوة عضلات اليد وتحملها، وأجريت القياسات صباحًا دون أن يتبين أي فرق معنوي بين الاختبارات المجراة بعد ممارسة الجنس أو الامتناع عنه. ثم أُهملت تلك الفكرة عقودًا طويلة على الرغم من استمرار تكرارِها وتطبيقها حتى عُثر على عدد قليل من الدراسات الصغيرة التي أجريت في التسعينات والتي لم تجد أي تأثير لممارسةِ الجنس في الأداء الرياضي اللاحق. وعمومًا، أشارت تلك المراجعة إلى كون الدراسات السابقة ضعيفةً عالميًا مع وجود نقصٍ عام في الأدلة على تأثُّر الأداء في أنواع مختلفة من المنافسة، وأكدت على ضرورة إجراء دراسات عشوائية مضبوطة [5].
نُشرت في حزيران دراسةٌ أخرى تضمنت مجموعةً واسعة من الاختبارات لتقييم المشاركين في ثلاث حالات منفصلة بعد أن استوفوا واحدٍ من ثلاثة شروط هي: ممارسة الجنس، أو الامتناع عن ممارسة أي نشاط بدني مهما كان، أو الامتناع عن ممارسة الجنس لكن مع ممارسة نشاط بدني ممثلٍ بجلسة تمارينٍ لليوغا مدتها 15 دقيقة لمحاكاة الجهد المصروف في أثناء النشاط الجنسي، وتهدف الحالة الأخيرة إلى استبعاد احتمال تأثير النشاط البدني الناتج عن ممارسة الجنس في النتائج، وحصره في تأثير العملية الجنسية فقط. وتضمنت الاختبارات القفز العمودي، واختبار قبضة اليد، وزمن رد الفعل وعدة الأمور الأخرى. تبين في النتائج عدم تأثُّر أي من تلك الاختبارات بممارسة الجنس قبلها.
وبذلك أوضح مؤلف الدراسة أن البيانات تنفي وجود أي سبب يدعو إلى تجنب ممارسة الجنس قبل الألعاب الرياضية، وأن معظم الناس يصرفون القليل من السعرات الحرارية أثناء ممارسة الجنس، ولا يصرفون جهدًا يسبِّب نفاد مخازن الوقود في العضلات (الغليكوجين العضلي). فماذا كان تفسيره للنصيحة القديمة التي ورثناها عن الرومان؟
فسَّر كاتب الدراسة ذلك بفرضية الإحباط والعنف (الشراسة)، والتي تقوم على أ، الإحباط الجنسي يمكن أن يُوجَّه نحو الإصرار على هزيمة الخصم، وكما قال العداء الأولمبي مارتي ليكوري Marty Liquori ذات مرة: "الجنس يجعلك سعيدًا، والناس السعداء لا يركضون مسافة 3:47 ميلًا" [6].
وليصبح الجواب أكثر تعقيدًا، أشار الخبراء إلى أن هذه النقطة تختلف من رياضةٍ لأخرى.
حسنًا، إن كلَّ ما سبق كان عن تأثير ممارسة الجنس الذي يتضمن نشاطًا بدنيًا في الرياضة، لكن ماذا تأثير العادة السرية (الاستمناء) في الأداء الرياضي؟
تشير الأبحاث إلى أن الاستمناء لا يؤثر في مستويات هرمون التستوستيرون، ويبدو بذلك أن مناقشة تأثير العادة السرية قبل التمرين يركز على كيفية تأثير الاستمناء في هرمون التستوستيرون؛ أي إن التساؤل المناسب سيكون عما إذا كان الاستمناء يؤثر على نحو كبير في مستويات التستوستيرون أم لا..
وللتذكير، يُعرف هرمون التستوستيرون بكونه الهرمون التناسلي الذكري الأساسي، لكن أجسام الإناث تنتجه أيضًا، ويؤدي دورًا مهمًا في تعزيز اللياقة البدنية عند الذكور والإناث على حد سواء، وتشير بعض الدراسات إلى دوره في تكوين العظام أيضًا.
تزداد مستويات التستوستيرون طبيعيًا في أثناء الإثارة الجنسية، وتنخفض بعد النشوة الجنسية، لكن يبدو أن العادة السرية لا تؤثر على نحو كبير في مستويات التستوستيرون. فقد أظهرت نتائج دراسة أجريت عام 2001 أن النشوة الجنسية الناتجة عن العادة السرية لم تؤثر في مستويات تستوستيرون البلازما، وعلى الرغم من ذلك لاحظ الباحثون تركيزات أعلى من هرمون التستوستيرون لدى الرجال الذين امتنعوا عن ممارسة النشاط الجنسي مدة 3 أسابيع، لكن ذلك كان بنتيجة دراسة صغيرة ضمت 10 مشاركين فقط [7،8].
تبعت تلك الدراسة عام 2003 دراسةٌ صينية كشفت أن مستويات التستوستيرون لدى الرجل تظل ثابتة نسبيًا في الأيام التي تلي القذف، لكنَّ الامتناع عن الجنس مدة أسبوع كامل قد يسبب ارتفاع مستوياته بنسبة تقارب 45٪ في اليوم السابع لتتوقف بعد ذلك عن الارتفاع، وبحسب مؤلفي تلك الدراسة فإن فترات الامتناع القصيرة قد تؤدي إلى تقلباتٍ مؤقتةٍ في مستويات التستوستيرون [9].
في الوقت نفسه، وجدت دراسةٌ مماثلةٌ ألا وجود لمثل تلك القفزة في مستويات التستوستيرون بين الرجال الذين امتنعوا عن ممارسة الجنس، بل لوحظ أن مستوياته تميل إلى أن تكون مرتفعة قليلًا بعد ممارسة الجنس [10].
قبل تلخيص النتيجة لا بد من ذكر بعض نقاط الضعف التي لوحظت في أغلب تلك الدراسات:
- معظم تلك الدراسات كانت صغيرة العينات، ويفضل زيادة حجم العينة إن أمكن.
- حُدِّد النشاط الجنسي وشدته ووضعيته ومدته حسب وجهة نظر المشاركين، أي إن الخطأ الشخصي مرتفع.
- جميع المشاركين تقريبًا كانوا ذكورًا، وبذلك فإن التأثير في النساء مجهول.
- قيَّمت تلك الدراسات الأداء البدني وفق اختباراتٍ المختبرية؛ أي إنها لا تعبر عن مقاييس الأداء الرياضي الفعلية، لذا لا بد من إجراء دراساتٍ تقيس الأداء الرياضي الفعلي مثل الزمن اللازم للركض أو السباحة مسافةً معينة.
- لم يحدَّد تأثير النشاط الجنسي قبل التمرين مباشرةً في الأداء؛ أي خلال 30 دقيقةً قبل التمرين، بل تضمنت فقد معظم الدراسات المنشورة النوم مدة 8 ساعات قبل تقييم الأداء [11].
ويمكننا القول أن هناك شكوكًا تحيط بالتأثير السلبي المحتمل للنشاط الجنسي في الليلة التي تسبق للمنافسة نتيجة عدم وجود دليل كافٍ على ذلك التأثير. كذلك لا تتوفر بيانات شاملة عن تأثيره المحتمل في القدرة على التحمل والمقاومة باختلاف الألعاب الرياضية أو عند مقارنة ألعاب الفرق والألعاب الفردية. أما الاستمناء، فقد كانت البيانات السليمة علميًا بخصوصه قليلةً جدًا.
وعمومًا، وعلى الرغم من افتقار الدراسات لكثير من البيانات اللازمة، لكن البيانات المتوفرة لا تدعم أبدًا الاعتقاد الخاطئ بأن النشاط الجنسي يمكن أن يؤدي إلى تأثير سلبي في الأداء الرياضي، بل على العكس، أشارت التجارب المتناقلة إلى وجود تأثير إيجابي في الأداء الرياضي إذا سبق النشاطُ الجنسي المنافسةَ الرياضية بـ 10 ساعات على الأقل خصوصًا عند عدم ترافقه بالعادات الضارة مثل تعاطي الكحول والمخدرات والتدخين [5].
ختامًا، ماذا نستنتج من كل ما سبق؟
في الحقيقة يمكننا القول أن كل شخص يمتلك حرية التصرف فيما يخص ممارسة أي نشاطٍ جنسي قبل المنافسات الرياضية، إذ لم يتبين وجود تأثير في الأداء الرياضي طالما أنه لا ليس شاقًّا للغاية قبل المنافسة مباشرةً.
وبمعنى آخر، فإن الأمر عائد لحرية الشخص، فإن كان يساعده على الاسترخاء والتركيز في أثناء المنافسة، فلا مانع من ممارسته قبل المنافسات الرياضية، وينطبق الأمر نفسه إن كان الامتناع عنه يساعد على البقاء في قمة الاستعداد والتركيز. لكن علميًا، لا توجد أدلة كافية تشير إلى تأثير ممارسة الجنس أو الامتناع عنه قبل التمرين أو المنافسة حتى عند مقارنته بأي نشاط محتمل آخر.
المصادر الإخبارية:
هنا
هنا;
هنا
المصادر العلمية والدراسات المرجعية:
هنا
هنا;
هنا
هنا
هنا
هنا;
هنا
هنا