اضطراب الهوية التفارقي (Dissociative Identity Disorder): عُرِف حتى عام (1994) باسم اضطراب تعدّد الشخصيات، ومن ثمَّ غُيِّرَ الاسم ليمثّلَ فهماً أفضل للحالة، فهو يتميّز بانشقاق الهوية بدلاً من نموِّ شخصياتٍ منفصلة، وهو حالةٌ نادرةٌ تتمثّل في وجود هُويّتين أو أكثر لدى الشخص ذاته، ويُعدُّ شكلاً حادّاً من أشكال الفصام، وهو عمليةٌ عقليةٌ تُنتِج نقصاً في الاتصال بأفكار الشخص أو ذكرياته أو مشاعره أو أفعاله أو إحساسه بالهُوية. يُعتَقد أن اضطراب الهُوية الانفصالية ينبع من مجموعةٍ من العوامل، منها الصدمة الشديدة أثناء الطفولة المبكّرة؛ كالاعتداء الجسدي أو الجنسي أو العاطفي الشديد. يتميّز اضطراب الهُوية التفارقي بما يأتي:
وجود اثنتين أو أكثر من الهُويّات المميزة أو المنفصلة أو أطياف الشخصية القادرة على التحكّم بسلوك الشخص.
فقدان الذاكرة والفشل في تذكّر معلوماتٍ شخصية أساسيةٍ من المستحيل نسيانها في الحالات الطبيعية، كاسم أحد أفراد العائلة المُقرّبين، بالإضافة إلى تقلّب الذاكرة مع تقلّب هويّات الفرد المنفصلة.
لكلِّ هُويةٍ من الهُويات العمر أو الجنس أو العرق الخاصُّ بها، ولكلِّ هُويّةٍ مواقفها الخاصّة وإيماءاتها وطريقتها المتميزة في الحديث. وقد تكون هذه الهُويّات تخيّليةً وقد تكون إحداها حيوانية.
يمكن أن يستغرق التحوّل من هُويّةٍ إلى أخرى من ثوانٍ إلى دقائقَ إلى أيام.
تبدّد الشخصية، وهو شعورٌ بالانفصال عن الجسد، وغالباً ما يُشار إليه على أنه تجربةٌ "خارج الجسد"، وتُعدُّ حالةً مرضيةً تحدث عندما تشعر باستمرارٍ وإلحاحٍ بأنك تُراقِب نفسك من خارج جسدك.
الغربة عن الواقع أو تبدّد الواقع والحقيقة؛ وهو الشعور بأن العالم ليس حقيقياً أو بأنه يبدو ضبابياً أو بعيداً.
قد تشمل أعراض اضطراب الهوية التفارقي أيضاً: الصداع، فقدان الإحساس بالزمن، الغشي، ويمكن أن يبدي بعضُ المصابين ميلاً إلى الاضطهاد الذاتي، إيذاء النفس، العنف. ولكن كشفت الأبحاث أن المصابين أكثرُ إيذاءً لأنفسهم من إيذائهم لغيرهم، وهو ما تخطئ وسائل الإعلام والأفلام في تصويره، وقد جنحت هذه الأخيرةُ باستمرارٍ إلى تصوير هذا الاضطراب لما فيه من أعراضٍ غريبةٍ على المُشاهد ما يفسح المجال لعروضٍ دراميةٍ واسعةٍ كمَشاهد استرجاع الذكريات، وتميل الأفلام إلى تصوير الجوانب الأكثر تطرّفاً من هذا الاضطراب، ما ينعكس سلباً على المصابين ويفاقُم أعراض الاضطراب لديهم.
قد يجد المصاب نفسه يأتي بأشياء غير معتادة، كالسرعة أو القيادة المتهوّرة أو سرقة المال من ربّ العمل أو الأصدقاء. ومع ذلك يشعر بأنه مُجبَرٌ على الإتيان بهذه الأفعال؛ أي أنّ المصابين يشعرون بأنهم رُكّابٌ في أجسادهم، لا متحكّمين بالدفّة.
يمكن أن تتسبّب بعضُ الظروف أو الضغوطات في ظهور هُويّةٍ معيّنةٍ من هذه الهُويات، وقد تنكر الهُويّات المختلفة معرفة بعضها ببعض، وقد تنتقد هُويةٌ أخرى، أو تبدو في صراعٍ مفتوح.
إضافةً إلى انفصال الهُوية، قد يواجه الأشخاص الذين يرزخون تحت وطأة هذا الاضطراب عدداً من المشكلات النفسية الأخرى، بما في ذلك الاكتئاب، تقلب المزاج، الميول الانتحارية، اضطرابات النوم (الأرق، الرعب الليلي والمشي أثناء النوم)، القلق، نوبات الهلع، الرهاب، تعاطي الكحول والمخدرات، اضطرابات الشهية، أعراضٌ شبيهةٌ بالذهان.
ما الذي يؤدّي إلى الإصابة بهذا الاضطراب؟ في حين لا تزال أسباب اضطراب الهوية التفارقي غامضة، تشير الأبحاث إلى أنه من المحتمل أن تكون الإصابة عبارةً عن استجابةٍ نفسيةٍ للضغوط الشخصية والبيئية، خاصّةً خلال سنوات الطفولة الباكرة عندما يتداخل الإهمال العاطفي أو سوء المعاملة مع تطوّر الشخصية، وقد أقرّ ما يصل إلى 99٪ من الأفراد الذين أُصيبوا بهذا الاضطراب معاناتهم اضطراباتٍ متكرّرة وغير مُتَغَلَّبٍ عليها، وهذه الاضطرابات قد تهدّد الحياة في كثيرٍ من الأحيان عند حدوثها في مرحلةٍ تطوّريةٍ حسّاسةٍ من الطفولة (عادة قبل سنِّ السادسة). وقد يشكو المصابون من أعراض ما بعد الصدمة (كالكوابيس) أو اضطراب ما بعد الصدمةهنا ، وقد تنفصل الهُوية أيضاً عند استمرار الإهمال أو الإيذاء العاطفي، حتى بغياب أية إساءاتٍ جسديةٍ أو جنسيةٍ صريحة، وتشير العديد من الدراسات إلى أن اضطراب الهوية التفارقي أكثرُ شيوعاً بين الأقارب البيولوجيين المُقرّبين للأشخاص الذين يعانون هذا الاضطراب أيضاً.
كيف يُشخّص اضطراب الهوية التفارقي؟ يستغرق تشخيص اضطراب الهوية التفارقي وقتاً طويلاً؛ إذ تشير التقديرات إلى أن الأفراد الذين يعانون اضطراب الهوية التفارقي أمضوا سبع سنواتٍ في نُظُم الصحّة العقلية قبل وضع التشخيص الدقيق، ذلك لأن قائمة الأعراض التي تدفع الشخص المصاب باضطراب الهوية التفارقي للبحث عن علاجٍ يشبه إلى حدٍّ كبير الأعراض الخاصّة بالكثير من التشخيصات النفسية الأخرى.
يقرُّ الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية المعايير الآتية لتشخيص اضطراب الهوية التفارقي: وجود هويتين أو أكثر لدى الشخص ذاته، ولكلٍّ منها نمطها الدائم نسبياً من الإدراك في ما يتعلّق بالبيئة والنفس والتفكير فيها.
فقدان الذاكرة، المتمثّل بفجواتٍ وصعوباتٍ في استعادة الأحداث اليومية والمعلومات الشخصية المهمّة و/ أو الأحداث المؤلمة.
أن يُصاب الشخص بالإجهاد بسبب هذا الاضطراب أو تتطوّر لديه مشكلةٌ في التعامل مع واحدةٍ أو أكثر من جوانب الحياة الرئيسية.
ألا تكون الأعراض جزءاً من الممارسات الثقافية أو الدينية الاعتيادية.
ألا تكون الأعراض ناتجةً عن الآثار الفيزيولوجية المباشرة لحدثٍ ما (مثل انقطاع التيار الكهربائي أو السلوك الفوضوي أثناء التسمّم بالكحول) أو حالةٍ طبّيةٍ عامّةٍ (مثل النوبات العصبية الجزئية).
ما خطة علاج اضطراب الهوية الانفصالية؟ على الرغم من عدم وجود شفاءٍ لاضطراب الهوية التفارقي، إلا أن العلاج الطويل الأمد يمكن أن يكون مفيداً في حال التزام المريض بالعلاج. العلاج الفعّال يشمل:
العلاج النفسي: هدفه المساعدة على دمج سمات الهويات المنفصلة في هُويّةٍ واحدةٍ موحّدة، ويتضمن هذا العلاج في كثير من الأحيان إشراك أفراد الأسرة في العلاج.
العلاج بالتنويم المغناطيسي: يُستخدَم بالتزامن مع العلاج النفسي، إذ يمكن استخدامه للمساعدة على الوصول إلى الذكريات المكبوتة، والسيطرة على بعض السلوكيات الإشكالية التي تصاحب هذا الاضطراب، وكذلك للمساعدة على دمج الهُويات في هويةٍ واحدة.
العلاجات المساعدة: لقد ثبت أن العلاجات المساعدة كالفنِِّ أو العلاج بالحركة تساعد الناس على التواصل مع أجزاءٍ من عقولهم كانوا قد كبتوها للتغلّب على الصدمات.
أما بالنسبة للعلاجات الدوائية فلا توجد علاجاتٌ دوائيةٌ مؤكّدةٌ لاضطراب الهوية التفارقي، ولكن نظراً لأن أعراض اضطراب الهوية التفارقي تحدث غالباً بالتزامن مع اضطراباتٍ نفسية أخرى كالقلق والاكتئاب، فإن الأدوية لعلاج تلك الاضطرابات- إن وُجدت- تُستخدم أحياناً إلى جانب العلاج النفسي.