لماذا ننسى كلَّ ما حلمنا به ليلاً بعد أن نستيقظ؟
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
يقول عالمُ السلوك في كلية يورك في جامعة (the City University) في مدينة نيويورك: على الرغم من أنّ معظمنا يؤمن بقدرته على تذكر الألوان أكثر من قدرته على تذكر الأصوات إلاّ أنّ قدرتنا على تحديد تواتر الضوء المرتبط بكل لون ليس حقيقةً أفضل من قدرتنا على تحديد طبقة الصوت!
إنّ إدراكَنا للضوء المرئي يعتمدُ على البيئة والوسط المحيط. فقد تذهب لتشتري لوناً لطلاء المنزل فتُفاجأ بأن الدرجةَ التي انتقيتَها من درجات اللون الأبيض في المحل قد تحولت في مطبخك إلى اللون الزهري! ربما حدث هذا لأنك قد اخترت الدرجة الخطأ من اللون، وذلك لأن الضوءَ المحيطَ بك في المخزن يختلف عنه في بيتك. ولو كنا حقيقةً -كما نزعم- دقيقين في تحديد الألوان وتذكرها لما اقترفنا هذا الخطأ. قد يظنُّ الناس خطأً أنهم أكثرُ خبرة في تحديد اللون حيث يميلون لربط لونه أو صبغته بأشياء ثابتة ومحددة لا تتغير. فرؤيتنا لتفاحةٍ بأنها حمراء تحدث لأن الضوء المنعكس عن سطحها يبقى متساوٍ وثابت من دقيقة لأخرى.
وعلى العكس، فإننا بالاستماع نحدّد ماهيّة الأشياء والبشر والكلام بتمييزنا لتغيّر التردد الحاصل. حيث يمكننا أن نميز إن كانت الجملة قد صدرت عن فتاة أو صبي، وذلك بتمييزنا للتغيرات في التردد في حالتنا هذه و الناجمة عن نطق الفتاة أو الرجل للكلمات نفسها. وفي الحقيقة فإن الكلامَ وغيرَه من الأصوات في البيئة في تغيرٍ دائمٍ مما جعلنا نتكيف ونتأقلم مع تمييز التغيرات في التردد أكثر من تمييزنا للنغمة منفردةً.
على الرغم من أن قلةً من الناس ينطقون نغمةً كاملةً ومثالية –القدرة على تسمية تردد الصوت بدقة- إلاّ أننا نملك قدرةً ملحوظة على التمييز بين الأصوات المختلفة. فنحن نميز صوت قطط المنازل عن صوت النمور وصوت الدراجات الهوائية عن النارية وكرة السلة عن كرة الطاولة حيث نستخدم الخواص اللحنية للحديث واللهجة لنميز جنس الشخص وهويته ومزاجه. ولدينا ذاكرةً موسيقيةً قابلة للتوسع تمكننا من استدعاء عشرات الآلاف من الألحان والأنغام بسهولة. وبتدريبٍ بسيط يستطيع معظمُ الموسيقيين تطوير طبقتهم الصوتية و قدرتهم على تحديد نبرةٍ أو نغمةٍ غير معروفة تبعاً لنغمة أخرى معروفة.
لماذا تتلاشى ذكرياتُنا عن الأحلام الواضحة حالما نستيقظ؟
يشرح Ernest Hartmann، أستاذ الطب النفسي في كلية الطب في جامعة Tufts University، ومدير مركز اضطرابات النوم في مشفى Newton-Wellesley:
"ننسى تقريباً كلَّ أحلامنا بعد الاستيقاظ، ونسيانُنا هذا يُعزى إلى الكيمياء العصبية للدماغ أثناء نوم "الريم" (REM) -مرحلة النوم المتصفة بحركة الأعين السريعة والحلم- لكن هذا لا يشرح مجمل القصة."
ربما التفسيرُ الأوضح هنَا هو غيابُ هرمون النورابنفرين في القشرة المخية، المنطقةُ من الدماغ التي تلعب الدورَ الرئيسي في الذاكرة والتفكير والفكر واللغة والوعي. وهناك دراسةٌ نُشرت في مجلة
(the American Journal of Psychiatry) تدعمُ النظريةَ التي تقول بأن هرمون النورابنفرين يحسّنُ الذاكرة لدى الانسان على الرغم من الجدل الحاصل حول دوره في عملية الاستذكار.
لا يفسّرُ عوز النورابنفرين، بشكل كامل، نسيانَنا لأحلامنا بسهولة. حيث يقترح بحثٌ جديد أنّ الحلمَ يقف في صفٍّ واحد ويرتبط بسلسلةٍ واحدة مع الوظائف العقلية الأُخرى والتي تتصف بنشاط في القشرة المخية حيث تشكلُ الأفكارُ المركّزة والمكثفة أحدَ أطراف هذه السلسلة، ويشكِّل كلٌّ من الحلم والشرود الذهني طرف السلسلة الآخر مع بعض التداخل بين الأنواع.
الحلم، وحلمُ اليقظة يتضمنُ بعضَ الأمور الإبداعية متّسعةَ الأفق، ويتصف تذكر هذه الأفكار اللاشعورية بالصعوبة. فهل تستطيعُ تذكُّرَ الآفاقِ التي شرَد إليها ذهنك عندما كنت تنظفُ أسنانَك هذا الصباح؟
على العموم، نحنُ بارعون في نسيان الأمور العرضية. في الحقيقة الكثير من أفكارنا -ليس فقط تلك التي تراودنا في أحلامنا- مفقودة. فنحن نميل لاستدعاء واستذكار الأشياء التي نفكر بها كثيراً أو الأفكار ذات الطابع العاطفي مثل مشكلة أو موعد أو لقاء. حيث ينشِّطُ تأمُلنا للأفكار المهمة الوجهَ الظهري للقشرة المخية لمقدمة الجبهة، المنطقة من الدماغ التي تُسهل عملية التذكر.
وعلى الرغم من أن معظمَ الأحلام تختفي إلاّ أن بعضها يبقى، تلك الأحلام الجميلة جداً أو العجيبة والمزعجة فهي تستقطبُ انتباهَنا وتزيدُ نشاطَ الوجه الظهري للقشرة المخية لمقدمة الجبهة DLPFC
(dorsolateral prefrontal cortex)
إذاً كلما كانت أحلامُكَ أو أفكارُكَ مؤثرةً تذكرتَها أكثر.
المصدر:
هنا