الانعزال الاجتماعي: مرض العصر
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
لابد من التنويه الى أن هذه الحالة لا تعني ابتعاد الانسان عن محيطه ومجتمعه فقط، بل هي حالة نفسية للدماغ فيها دور أساسيّ، ولفهم آلية المرض يجب البحث عن تأثير الدماغ في العمليات الحيوية التي تسبب هذه الاعراض في النهاية. كما أنه لا يمكننا ان نفسر الانتشار الواسع للعزلة بسبب واحد كإرجاعه الى اهمال الذات فقط. فإن تتبع الجماعات يبين أان ارتفاع الانعزالية فيها تؤثر على ارتفاع مستوى الإصابة بالأمراض، وعلى ازدياد معدل الوفيات فيها.
وهنا نضطر الى طرح هذا السؤال؛ ماهي المشكلة بالضبط؟ وما هو السبب الأساسي الذي يجعلنا نصل الى هذه النتيجة المفاجئة؟
- لابد من أن ندرك أولاً أنّ الانعزال الاجتماعي لايتوقف على عدم سعادة الشخص في مجتمعه فحسب، وإنما يُعَدُّ دليلاً على خطرٍ محتملٍ على حياته؛ فالفئران التي تعيش بمعزل عن مجتمعاتها، على سبيل المثال، تظهرُ عليها أعراض الانعزال بشكل واضح، حيث سُجِلت اضطرابات وببطء في الأمواج الدماغية أثناء النوم لديها، ومن الناحية السلوكية فقد توقفت عن استكشاف البيئة المحيطة بها وتركّز اهتمامها على تجنب الاخطار المحيطة وتلافي هجمات الحيوانات التي تتغذى عليها.
وهو مايعطينا اجابتنا على السؤال، أن الكائن الذي يعيش منعزلاً عن بيئته ومجاله الحيوي أو المجتمعي الطبيعي، يكون اهتمامه منصباً على حماية ذاته من الاخطار المحيطة عبر سلوكيات غير طبيعية. فمن الأمثلة على ذلك أيضاً في جماعات الأسماك، حيث أن الأسماك التي تكون على أطراف القطيع المائي، تكون أشدّ عُرضةً لهجمات ومحاولات الاعتداء وفي خطر أكبر.
ملاحظات كهذه تمكننا من استخلاص قاعدة عامة عن الكائنات الحية، وهي أن الانعزال الاجتماعي يحرض ردات فعلٍ عصبية، وهرمونية، كما و يحرّض استجاباتٍ سلوكية هدفها توفير حماية قصيرة الأمد لنفس الكائن الحي، إلا أن الإجراءات هذه لها آثارٌ سلبية على المدى الطويل. حيث يمكن تلخيص الاعراض الملازمة للانعزال الاجتماعي عند البالغين بالقلق، العدوان، الانسحاب من المجتمع والابتعاد عنه، التعب اثناء النهار والنوم المتقطع غالباً، ارتفاع الضغط الشرياني، تغيير في الصفات الجينية والمناعية على المدى البعيد، زيادة الانفعالات، وظهور اعراض الاكتئاب وازدياد شدتها، بالإضافة الى زيادة التدهور المعرفي مع ظهور أعراض الخرف في الاعمار المتقدمة.
- حتى الآن، وللأسف، فإنّ جميع محاولات إخراج الاشخاص المنعزلين من وحدتهم عادت بنتائج محدود وقليلة النجاح، فالدراسات النفسية التي تضمنت هؤلاء أظهرت تاثيراً قليلاً جداً عليهم من هذه الناحية. حيث حاول المختصون التأثير على الأفراد المنعزلين بجعلهم يدركون أهميتهم بشكل صحيح، بعيداً عن الإدراك المغلوط والأفكار غير الملائمة التي تسبب انعدام الثقة والابتعاد عن المجتمع، وقد كان لهذه الطريقة الاثر الأكبر على المنعزلين المشمولين بالدراسة، أما تدريبهم على المهارات الاجتماعية والدعم المجتمعي الذي يهدف الى زيادة فرص انخراطهم في المجتمع، كان له تاثير ايجابي الى حد ما، لكنه أقل من أسلوب إعادة الثقة بالمجتمع.
إذاً، الانعزال الاجتماعي يضعنا في حالة دفاع مستمر، وبالتالي أكبر قدر ممكن من الحماية التي يؤمنها الشخص لنفسه، تماماً كما كانت حالة الإنسان القديم في العصور البدائية، عندما كان بقاء الفرد وحيدا يجعله في عرضة دائمة للخطر والهجوم المستمر من الحيوانات المفترسة في المحيط.
في النهاية، يحاول الباحثون الآن إيجاد افضل اسلوب ممكن لحل مشكلة الانعزال الاجتماعي، فلا علاج دوائي له حتى الآن، ،والتركيز على المشكلة وإيجاد الطريقة الصحيحة للشفاء له الاهمية الاكبر حالياً بالنسبة للباحثين في المجال.
المصادر
هنا
هنا
هنا
مصدر الصورة
هنا