زرع البنكرياس.. أفق جديد لعلاج داء السكري
الطب >>>> زراعة الأعضاء
عندما يفشل البنكرياس بإنتاج الأنسولين؛ يرتفع مستوى سكر الدم إلى حدٍّ غيرِ صحي؛ مما ينجم عنه داء السكري من النمط الأول؛ وينتج ذلك عن خسارة أو خلل في وظيفة الخلايا المنتجة للأنسولين تدعى بالخلايا بيتا -توجد بشكل جزر في نسيج البنكرياس وتكوّن 65 إلى 80% منها- وسبب خسارة هذه الخلايا هو مناعي ذاتي؛ إذ يُميز الجهاز المناعي خلايا بيتا على أنها خلايا غريبة ويُهاجمها مؤديًا إلى تدميرها.
يحتاج مرضى السكري من النمط الأول إلى أخذ الأنسولين يوميًّا للحفاظ على حياتهم، لكن على الرغم من ذلك تستمر مستويات سكر الدم لدى معظم المرضى بارتفاعها عن المعدل الطبيعي؛ مما يضعهم في خطر الإصابة بمضاعفات طويلة الأمد كاعتلال الشبكية السكري (مرض عيني يُسبِّب ضعفًا في الرؤية وينتهي بالعمى)، واعتلال الكلية السكري المؤدي إلى الإصابة بفشل كلوي.
أُجريت أول عملية زرع بنكرياس بأكمله في جامعة مينيسوتا في الولايات المتحدة عام 1966 مع تطور التقنيات الجراحية والمُعالجة الكابتة للمَناعة؛ ازداد عدد عمليات الزرع الناجحة لتصل إلى أكثر من 23,000 عملية ناجحة بحسب سجل زرع الأعضاء الدولي، وشهدت المملكة المتحدة تزايدًا ثابتًا في عدد عمليات زرع البنكرياس من 30 عملية ما بين عامَي 1998 و1999 إلى 209 عملية بين عامَي 2007 و2008.
تعدُّ عملية زرع البنكرياس علاجًا جراحيًّا للداء السكري، وتُقدِّم علاجًا محتملًا للمصابين به خاصةً النمط الأول، وتتضمن العملية نقلَ بنكرياس سليم إلى الشخص المصاب الذي يعاني نقصًا في الأنسولين نتيجةً لإصابة البنكرياس لديه، يُحصَل على البنكرياس السليم من متبرع متوفٍّ أو أجزاء من نسيج البنكرياس من متبرع حي، وتسهم عملية زرع البنكرياس الناجحة في إلغاء الحاجة إلى استخدام حقن الأنسولين أو الالتزام بحمية غذائية خاصة وتخفّض خطر حدوث انخفاض سكر الدم الشديد، ثم إن لها دورًا في تدبير أذيات أعضاء الجسم الأخرى الناجمة عن الداء السكري من النمط الأول مثل الكلية.
استطبابات زرع البنكرياس :
على الرغم من نتائج العملية الإيجابية باستعادة المستويات الطبيعية للأنسولين؛ إلا أن الإجراء يتضمن فقط مرضى السكري من النمط الأول الذين يعانون مضاعفات خطيرة بسببه؛ ذلك لأن الآثار الجانبية للأدوية الكابحة للمناعة يمكن أن تكون خطيرة جدًّا، ويُمكن القول بأن أفضل شرط لإجراء الزرع هو تغلُّب الآثار الإيجابية للزرع على خطر الآثار الجانبية له. إذًا؛ يؤخذ هذا الإجراء بعين النظر بوصفه علاجًا لمرضى السكري عند:
عدم إمكانية ضبط السكري من النمط الأول بالمعالجات التقليدية.
الأذى الكلوي الشديد.
الارتكاس الشديد المتكرر للأنسولين.
الضبط الضعيف جدًّا لمستوى سكر الدم.
عدم الوعي بنقص سكر الدم: ينخفض وعي مرضى السكري من النمط الأول مع مرور الزمن بالأعراض الأولية التي تُشير إلى انخفاض سكر الدم؛ مما يضعهم في خطر شديد للمضاعفات الناجمة عنه والمُهدِّدة للحياة، ولا يمكن معالجة هذه الحالة بسهولة بالأدوية التي تتميَّز بضعف أو علامات نقص سكر الدم أو غيابها.
لا تعدُّ الإصابة بالسكري من النمط الثاني استطبابًا لزرع البنكرياس؛ إذ تنجم عن مقاومة أنسجة الجسم للأنسولين وليس بسبب الخلل في إفرازه، لكن يوجد لدى بعض المرضى بداء السكري من النمط الثاني مقاومةٌ ضعيفةٌ للأنسولين إضافة إلى انخفاضٍ في إنتاجه؛ مما يجعل هذا النوع من السكري من النمط الثاني استطبابًا لعملية الزرع؛ إذ تشمل 10% من عمليات زرع البنكرياس المرضى المصابين بهذا النوع من السكري من النمط الثاني.
تُجرى عملية زرع البنكرياس نادرًا لدى المرضى المصابين بسرطان البنكرياس أو سرطان القناة المرارية أو غيرها من السرطانات.
أنماط عمليات زرع البنكرياس:
- عملية زرع البنكرياس فقط: يشمل هذا النمط المرضى المصابين بالسكري الذين لا يعانون مرضًا كلويًّا بسبب السكري؛ إذ تُجرى العملية دون أية عملية جراحية أخرى مرافقة لها.
- عملية زرع الكلية والبنكرياس في وقت واحد: تُجرى هذه العملية لمرضى السكري المعرضين لخطر الضرر الكلوي أو المصابين به؛ إذ يزرع الجراحون البنكرياسَ في وقت عملية زرع الكلية نفسه لدى مرضى السكري، وأكثر من ثلثي عمليات زرع البنكرياس متزامنة مع زرع الكلية.
- زرع البنكرياس بعد زرع الكلية: يُفضَّل إجراء عملية زرع الكلية أولًا عند المرضى الذين يواجهون انتظارًا مطولًا للحصول على متبرع موافق لهم؛ إذ تجرى عملية زرع الكلية عند إيجاد متبرع موافق للمريض سواء أكانت الكلية من متبرع متوفٍّ أم حي، وعند الحصول على البنكرياس المناسب للمريض؛ تجرى العملية بمجرد تعافيه من العملية السابقة.
- عملية زرع خلايا الجزر البنكرياسية: تُحقَن الخلايا البنكرياسية المأخوذة من نسيج البنكرياس لمتبرع متوفٍّ في وريد المريض الذي ينقل الدم إلى الكبد، تحتاج هذه العملية حقنًا أكثر من مرة لنجاحها، وتتطلب هذه العملية أيضًا استخدام الأدوية الكابحة للمناعة مدى الحياة؛ مما يضع المرضى في خطر الإنتانات، على الرغم من النجاح الواعد لهذا النمط من عمليات الزرع إلا أنها إلى الآن إجراء تجريبي لا يجرى إلا ضمن التجارب السريرية الموافق عليها من وكالة الغذاء والأدوية الأمريكية.
الإجراءات الجراحية لعملية زرع البنكرياس:
يُجرى التقييم الطبي الشامل من فريق الزرع للمريض ووضعه على لائحة الانتظار للزرع؛ يُحبُّ أن تجرى العملية في غضون 15 ساعة من وقت الحصول على البنكرياس الموافق للمريض من المتبرع؛ لذلك على المريض أن يحضِّر نفسَه في فترة الانتظار ويجب أن يستطيع فريق الزرع الوصول إليه في أي وقت.
باختصار؛ يضع مختصو التخدير المريضَ تحت التخدير العام -أي المريض غير واع في أثناء العملية- بواسطة غاز مخدر يعطى للمريض عن طريق قناع أو عن طريق حقن المادة المخدِّرة في الوريد؛ يُجري بعدها الجرّاحون شقًّا في منتصف البطن، يُوضع البنكرياس مع جزء من الأمعاء الدقيقة للمتبرع في القسم السفلي من البطن، يصل بعدها الجرّاحون البنكرياس إما مع الأمعاء الدقيقة للمريض وإما المثانة، وتُجرى تروية النسيج الجديد بوصله مع الأوعية الدموية التي تروي القدمين، يُترك البنكرياس القديم في مكانه ليساعد جسم المريض على عملية الهضم، إذا تمت العلمية بالتزامن مع زرع الكلية؛ يصل الجراحون الأوعية الدموية للكلية الجديدة مع الأوعية الدموية للقسم السفلي من البطن ويصل أيضًا الحالب للكلية الجديدة مع المثانة، عند كلية المريض القديمة؛ تبقى في مكانها إلا إذا سببت له مضاعفات خطيرة كارتفاع ضغط الدم، ويستدعي ذلك عندها إزالتها من جسم المريض.
يراقب الفريقُ الجراحيُّ معدلَ قلب الضغط الدموي ومستوى الأكسجة للمريض في أثناء العملية بواسطة كمّ قياس الضغط يوضع على ذراعه ومسارٍ لمراقبة القلب يوضع على صدره، تستغرق عملية زرع البنكرياس من ساعتين إلى 4 ساعات فقط، وتستغرق أكثر من ذلك ببضع ساعات إذا تمت بالتزامن مع زرع الكلية.
يبقى المريض بعد العملية في وحدة العناية المشددة مدة يومين، يُراقب فيها المختصون وضعَ المريض بعناية إذا حدثت أية مضاعفات خطيرة بعد العملية: جلطات دموية، نزيف، إنتان، ارتفاع مستوى سكر الدم أو أي اضطرابات استقلابية أخرى، مضاعفات بولية، فشل النسيج المزروع، رفض جسم المريض للبنكرياس المزروع.
يبدأ البنكرياس الجديد عملَه على الأغلب مباشرة بعد الزرع، ويتابع في الوقت نفسه البنكرياسُ القديم وظائفَه الأخرى، وإذا تلقى المريض أيضًا كلية جديدة؛ فمن المفترض أن تبدأ أيضًا مباشرة لكن في بعض الحالات قد يستغرق الوصول إلى إنتاج مستويات طبيعية من البول بضعة أسابيع.
يبقى المريض في المستشفى مدة أسبوع بعد العناية المشددة بمجرَّد تعافيه، ويجب أن يتوقع المريض الإحساس بالألم حول منطقة الزرع أو عند الشق الجراحي، ينصح بعدها المختصون المريضَ بالبقاء بالقرب من مركز الزرع لتحديد مواعيد دورية للمراقبة أو أي مركز زرع آخر بالقرب من سكن المريض في المدينة الأخرى التي يقطن فيها.
يجب على المريض بعد عملية زرع البنكرياس تناول بعض الأدوية مدى الحياة، تشمل هذه الأدوية كابحات مناعة تمنع الجهاز المناعي من مهاجمة العضو المزروع؛ أي الرفض المناعي للعضو، لكن أخذ هذه الأدوية يجعل المريض أكثر عرضة للإنتانات ويجب على المريض أخذ صادات حيوية توصف من الطبيب، إضافة إلى أدوية أخرى لحماية المريض من المضاعفات بعد العملية كالإنتانات وارتفاع الضغط الدموي.
أهم الآثار الجانبية للأدوية الكابحة للمناعة:
- تخلخل العظم.
- ارتفاع كولسترول الدم.
- ارتفاع ضغط الدم.
- غثيان أو إقياء أو إسهال.
- حساسية لأشعة الشمس.
- انتفاخ.
- زيادة في الوزن.
- تورم اللثة.
- العدّ.
- نمو زائد للشعر أو تساقطه.
لكن على الرغم من أخذ المريض لهذه الأدوية والتوافق النسيجي بينه وبين المتبرع؛ قد يرفض جسمه العضو المزروع، ويجب التواصل بأسرع وقت مع فريق الزرع عند ظهور العلامات أو الأعراض التي تدل على رفض العضو؛ أهمها:
- ألم بطني.
- حمّى.
- إيلام زائد في موقع الزرع.
- ارتفاع في مستويات سكر الدم.
- إقياء.
- انخفاض في الإنتاج البولي.
ليس من الغريب أن يختبر مرضى زرع البنكرياس أعراضَ رفض مناعيّة حادة في أول بضعة أشهر من العملية، وعند حدوث ذلك يجب نقل المريض إلى المستشفى ليخضع لمعالجة مكثفة من الأدوية الكابحة للمناعة وتُجرى عملية زرع أخرى إذا استمرَّت أعراض الرفض، ولوحظت معدلات أعلى للرفض المناعي لدى المرضى الذين خضعوا لعملية زرع بنكرياس فقط.
للتأقلم مع نمط الحياة الجديد؛ يصف المختصون للمريض حمية غذائية خاصة للمحافظة على سلامة البنكرياس الجديد، يجب أيضًا على المريض الحفاظ على وزن جسمه ضمن الحدود الصحية وممارسة التمارين الجسدية بانتظام؛ إذ تسهم التمارين بتحسين صحة المريض الجسدية والعقلية والوقاية من المضاعفات الخطيرة لعملية الزرع المذكورة آنفًا.
يُنصح المرضى بالمشي قدر الإمكان بمجرد استطاعتهم بعد العملية؛ إذ يعدّ المشي أهم تمرين جسدي لهم، وينصح أيضًا بممارسة تمارين جسدية معتدلة الشدة مدة 30 دقيقة خمس مرات أسبوعيًّا لضمان أسلوب حياة فعال لهم، وينصح أيضًا بركوب الدراجة أو السباحة أو أي نشاط جسدي يستمتع المرضى به، ويجب أن يتواصل المرضى مع مركز الزرع قبل أداء أي نشاط لتحديد أي نوع منها يناسب حالتهم الصحية.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا