الآثار الاقتصادية لتغير المناخ
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> ورقو الأخضر شهر أيلول
لكن تُشير دراسة جديدة -شارك في تنفيذها باحثون من جامعة كامبريدج- إلى أنَّ جميع الدول تقريبًا سواء كانت غنية أم فقيرة، حارة أم باردة سوف تعاني اقتصاديًّا بحلول عام 2100 إذا ما احتُفظ على المسار الحالي لانبعاثات الكربون.
هذا وتقول الأبحاث التي نشرها مؤخرًا المكتبُ الوطني للأبحاث الاقتصادية إن الدول الأكثر ثراءً وأكثر برودة ستخسر قدرًا أكبر من الدخل بسبب تغير المناخ مقارنة بالدول الأكثر فقرًا والأكثر حرارة. وأضاف الباحثون أن متوسط درجات الحرارة العالمية سيرتفع بأكثر من أربع درجات مئوية بنهاية القرن، وهذا سيؤدي بدوره إلى خسارة الولايات المتحدة 10.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2100، وستكون ضربة اقتصادية كبيرة للولايات المتحدة. أما كندا -التي يعتقد البعضُ أنها ستستفيد اقتصاديًّا من زيادة درجات الحرارة- سوف تخسر أكثر من 13% من دخلها بحلول عام 2100، وهذا يعني أن قرابة 7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من المرجح أن يختفي بحلول نهاية القرن ما لم يُتَّخذ ''إجراء للحد من انبعاثات الكربون".
أضف إلى ذلك أنه من المرجح أن تخسر كلٌّ من اليابان والهند ونيوزيلندا 10%من دخلها، ثم إنه من المحتمل أن يتقلص الاقتصاد السويسري بنسبة 12% بحلول عام 2100. وسوف تتعثر روسيا بنسبة 9% من الناتج المحلي الإجمالي، مع انخفاض اقتصاد المملكة المتحدة بنسبة 4%.
ينبه الفريق الذي يقف وراء الدراسة بأن السبب ليس فقط الرقم الموجود على مقياس الحرارة، ولكن أيضًا انحراف درجة الحرارة عن الدرجات التاريخية أو المعيارية؛ أي انحرافها عن الظروف المناخية التي تعودت عليها البلدان، هي التي تُحدِّد حجم خسارة الدخل.
هذا وقد قال الدكتور كاميار مهاديس Kamiar Mohaddes من كلية الاقتصاد بجامعة كامبريدج، وهو مشارك في هذه الدراسة: "إن كل انحراف لظروف المناخ عن المعايير التاريخية له آثار اقتصادية سلبية على العالم أجمع. ومن المرجح أن تشهد العديد من الدول زيادات مستمرة في درجات الحرارة مقارنة بالمعايير التاريخية وستعاني خسائر كبيرة في الدخل نتيجة لذلك ما لم تُتَّخذ سياسات للتخفيف والتكيف، وهذا ينطبق على كل من البلدان الغنية والفقيرة وكذلك المناطق الساخنة والباردة".
وقال أيضًا: "ترتفع درجات الحرارة في كندا ضعفَي سرعة ارتفاعها في بقية أنحاء العالم، وهناك مخاطر على بنيتها التحتية المادية والمجتمعات الساحلية والشمالية وصحة الإنسان والنظم الإيكولوجية ومصائد الأسماك، وكل ذلك له تكلفة كبيرة. لقد شهدت المملكة المتحدة مؤخرًا أكثر أيامها حرارة على الإطلاق، وهي التي أثرت في خطوط السكك الحديدية وأذابت الطرق لأنها كانت أكبر من الدرجات المعيارية المتوقعة، وبالتأكيد لمثل هذه الأحداث خسائر اقتصادية، وستصبح أكثر شدة إذا لم تُعتمد سياسات لمعالجة تهديدات تغير المناخ".
عملت Mohaddes في هذه الدراسة مع مرشح دكتوراه كامبريدج Ryan Ng إضافة إلى زملاء من جامعة جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية وجامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأمريكية وجامعة Tsing Hua الوطنية وتايوان وصندوق النقد الدولي. وباستخدام بيانات من 174 دولة جُمعت بَدءًا من عام 1960؛ استطاع فريقُ البحث اختبارَ العلاقة بين درجات الحرارة المرتفعة (الفوق المعيارية) ومستويات الدخل، ثم صمموا أنموذجًا ليقيس تغير الدخل في ظل استمرار تزايد انبعاثات الكربون .
يقول الباحثون: "ستتكيف اقتصادات الدول مع تغير المناخ، لكن التكيف وحده لن يكون كافيًا لأن الإجماع العلمي يُشير إلى أن التكيف مع تغير المناخ يستغرق ما متوسطه 30 عامًا، وكل شيء من البنى التحتية يتكيف ببطء؛ أي حتى لو تسارع هذا التكيف إلى 20 عامًا فقط فإن الولايات المتحدة لا تزال تخسر 7% تقريبًا من اقتصادها، إضافة إلى انتهاء أكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول نهاية هذا القرن.
وركز الباحثون في هذه الدراسة أكثر على الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز قوة نتائجهم، وهي التي من الممكن أن تكون مهمة لفهم الصورة أكثر على حدِّ تعبيرهم؛ فقد تمكن الباحثون من مقارنة ما إذا كان النشاط الاقتصادي في المناطق الحارة أو الرطبة يستجيب لتقلبات درجات الحرارة بالطريقة نفسها التي يستجيب بها في المناطق الباردة أو الجافة. ضمَّت الدراسة عشرة قطاعات مختلفة من التصنيع والخدمات إلى تجارة التجزئة وتجارة الجملة في 48 ولاية أمريكية، ووجدوا أن كلَّ قطاع في كل ولاية يعاني اقتصاديًّا من جانب واحد على الأقل من تغير المناخ -سواء الحرارة المرتفعة، الفيضانات، الجفاف، التجمد-؛ وبذلك فإنه إذا كبَّرنا الصورة فإن هذه الآثار ستُحدِث خسائر اقتصادية كبيرة على الصعيدين المحلي والعالمي وحتى في الدول المتقدمة التي تزعم أنها أكثر مرونة.
وقال مهاديس: إن آثار التغير المناخي تمتد إلى ما هو أبعد من التأثير في زراعة المحاصيل؛ إذ تمنع الأمطار الغزيرة الوصولَ إلى الجبال من أجل الحصول على المعادن؛ وبذلك فإنها تؤثر في أسعار السلع عمومًا. ثم إن الموجات الباردة ترفع فواتير التدفئة وتخفض الإنفاق في الشوارع، في حين تُسبِّب موجات الحر إغلاقَ شبكات النقل.
في النهاية؛ فكرة أن الدول الغنية والمعتدلة محصنة اقتصاديًّا من تغير المناخ، أو أن ثروتها قد تتضاعف ثلاثة أضعاف نتيجة لذلك تبدو غير معقولة، وإذا كانت الدول المتقدمة ترغب في تجنب الأضرار الاقتصادية الكبيرة في العقود المقبلة؛ فإن اتفاقية باريس التي تضع خطة عالمية لتجنب آثار تغير المناخ تعدُّ بداية جيدة لذلك.
المصادر:
هنا