أسواق المخدرات وأثرها في الاقتصاد.
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> اقتصاد
حجم الأموال غير المشروعة:
إنَّ كيفية تعاطي المخدرات والاتجار بها تتغير باستمرار، ثم إنَّ الطرائق التي تُتَّبعُ تزداد تعقيدًا من الناحية التقنية والتنظيمية. فربحية تجارة المخدرات لا تتغيّر؛ إذ تتولد من تجارة المخدرات مبالغُ ماليةٌ ضخمة يجب التعاملُ معها بطريقةٍ ما. لكن عادةً ما يكون الحصول على تقديراتٍ لحجم الأموال ومصادرها غير المشروعة أمرًا صعبًا، وتُعَدُّ تجارة المخدرات مساهمًا رئيسيًّا فيها؛ إذ يُقدَّرُ أنها تمثِّلُ قرابة خُمسِ الأموال غير المشروعة، وتمثِّلُ عائداتُ تجارة المخدرات أيضًا قرابة نصفِ عائدات الجرائم بحسب UNODC (مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة) عام 2011.
غسيلُ الأموال:
تحتاج الأموال المتولِّدةُ من تجارة المخدرات إلى "غسلها" لإضفاء الصّفة الشرعية عليها، وغالبًا ما تكون برامج غسيل الأموال معقدة؛ إذ تتضمن إيداعَ الأموالِ "القذرة" في النظام المالي، وتحويلها دوليًا لإعاقةِ أية محاولةٍ للكشف عن مصدر هذه الأموال، ثمَّ إعادة هذه الأموال ليد تاجر المخدرات بطريقةٍ لا تثير أي شبهة.
تميلُ الاستثمارات المستخدمة لغسيل الأموال لأن تكونَ كثيفة النقد، ومحددةً إقليميًا، ومنخفضةَ التقنية، وكثيفة العمالة. لذا فإنَّ قطاعات الأعمال القانونية الأكثر استهدافًا للاستثمار الإجرامي هي الحانات، والمطاعم، والبناء، والتجارة؛ وخاصةً الموادَ الغذائية والملابسَ والنقلَ والأنشطة العقارية والفنادق.
من جهةٍ أخرى تُعدُّ المقامرات والمراهنةُ في سباق الخيل واليانصيب من الطرائق المستخدمة لإضفاء الشرعية على الأموال. على سبيل المثال؛ يشتري تاجرُ المخدرات تذاكرَ يانصيبٍ رابحةً بمبالغ تفوق قيمة الجائزة ويحصل على شيكات مصرفية "نظيفة" عند استبدال التذاكر.
يُمثِّلُ التحقيق في جرائم غسل الأموال أولويةً رئيسيةً في دورة سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن الجريمة المنظمة؛ ومع ذلك نجد جهود المحققين في هذا المجال محبَطةً بسبب مزيجٍ من إبداع المجرمين، والتعاون الدولي البطيء أو غير الكافي، والتشريعات المحلية المحدودة في هذا المجال.
ومثالٌ على ذلك هو تحقيقٌ أجرتْه السلطات الفرنسية مؤخرًا عن شبكةٍ لتهريب المخدرات اكتشفت من خلاله أنَّ الأموال كانت تُجمَّعُ من بيع الحشيش في "فرنسا"، وتُنَفذُ عملية غسيل الأموال عن طريق نقل الأموال من "باريس" إلى "بلجيكا" حيث يُشترى الذهب. بعد ذلك يُنقَلُ الذهب إلى "دبي"، وفي "دبي" يُحَوَّلُ الذهب إلى مجوهرات، ثم تُرسَلُ هذه المجوهرات إلى "الهند" لبيعها في سوق الذهب؛ إذ اعترف المتهم الرئيسي أنَّهُ غسلَ 36 مليون يورو منذ عام 2010، وأرسلَ 200 كجم من الذهب من "بلجيكا" إلى "الهند"، وقد جمعت الشبكة قرابة 170 مليون يورو سنويًا.
الحاجة إلى تحويلات الأموال، وأهمية النقد:
عادةً ما تُحوَّلُ الأموالُ إلى الخارج سواءً لدفع ثمن المخدرات، أو خدمات الاتجار، أو الاستثمار، أو الإخفاء بطرائقَ متعددةً منها التحويلات الإلكترونية، أو إيداعُ مبالغَ صغيرة من النقد التي تسمّى (السنافر)، وفي بعض الأحيان تُنقلُ الأموال ببساطة على شكلٍ نقدي، وتَظْهَرُ أهميّة النقدُ (الكاش) في تجارة المخدّرات لسببين:
تأثير سوق تجارة المخدرات في الأعمال القانونية والاقتصاد:
لسوقِ تجارةِ المخدرات تأثيراتٌ مباشرةٌ وغيرُ مباشرةٍ في الشركات، على سبيل المثال؛ يمكنُ أن تؤثِّرَ أسواقُ تجارةِ المخدرات المفتوحة (أسواق الشوارع) سلبًا في الشركات المحلية في المنطقة عن طريق الحدِّ من جاذبية المنطقة للعملاء وعامة الناس وخفض قيم العقارات.
كذلك الكميات الكبيرة من الكهرباء اللازمة لمزارعِ القنب في الأماكن المغلقة التي قد تُحوَّلُ بطريقةٍ غير قانونيةٍ من شركات الكهرباء، مما يقلل من الإيرادات والمدفوعات الضريبية، ويُحتملُ أن تزيد التكاليف للعملاء الشرعيين لشركات الكهرباء نفسها.
من جهة أخرى يمتص سوق المخدرات غير المشروعة المواردَ من الاقتصاد القانوني، ثُمَّ إنَّ الأموال التي تُنفَقُ على المخدرات تحرمُ الحكومات من الضرائب، وتحرمُ منتجي السلع الاستهلاكية الأخرى من استخدام هذه الأموال.
يمكن أن يكون هناك تأثيرٌ سلبيٌ للنسبة الكبيرة من العائدات غير المشروعة من تجارة المخدرات التي لا يُعادُ استثمارها في أنشطةٍ غير مشروعة، ولكن تُوجَّهُ مرَّةً أخرى إلى الاقتصاد القانوني. على سبيل المثال؛ يمكنُ تشويه سوق المنتجات أو الخدمات عندما تُتَّخذُ القرارات التجارية والاستثمارية على أساسٍ غير تجاريٍ، وذلك لتقليل مخاطرِ الكشف أو تسهيل الأنشطة المتعلقة بالمخدرات؛ ومن ثمّ تقويض الشركات المشروعة العاملة في المجال نفسه واتّباع سياسة الإغراق في التسعير وإخراج المنافسين في الأعمال الشرعية من السوق.
علاوةً على ذلك؛ قد يشارك المتورطون في تجارة المخدرات عبر تكتيكهم الإجرامي في مجال الأعمال القانونية عن طريق تزوير عمليات المناقصات، أو استخدام العنف للحصول على ميزاتٍ تنافسية أو تثبيط المنافسة، والكثير من الآثار الأخرى.
وفي نهاية المطاف، تُعدُّ محاربةُ تجارة المخدرات أمرًا في غاية الصعوبة، فبينما يبتكر المجرمون طرائقَ أكثرَ إبداعًا لإخفاء المخدرات غير المشروعة من أجل النقل، يواجه تطبيق القانون تحدياتٍ في اكتشاف مثل هذه المواد المخفية. بالإضافة إلى ذلك؛ تُنتجُ عقاقير اصطناعية جديدة بانتظام. لذلك يجب أن تكون الشرطة دائمًا على درايةٍ بالاتجاهات والمنتجات الجديدة في السوق غير المشروعة، ويجب أن تكون مكافحة المخدرات مسؤوليةً جماعيةً يقع عبْئها على كلّ فرد من أفراد المجتمع.
المصدر:
هنا;