هل يمكن للبدانة أن تقود إلى الإصابة بالسرطان؟ وما دور الجراحة في ذلك؟
الطب >>>> السرطان
غدَت السمنة في يومنا هذا وباءً عالميًّا ترتَّب عليه زيادة في التكاليف الطبية وانخفاض في نوعية حياة الأفراد، وقد عرَّفها الاتحاد العالمي للبدانة بأنَّها مرض مزمن ناكس يترقى تدريجًا، وينشأ من اجتماع عدة عوامل بيئيِّة وجينيَّة.
إنَّ 65% من سكان العالم يعيشون في بلدان تتسببَّ فيها السمنةُ بحدوث وفيَّات أكثر مما يفعله نقص الوزن؛ وذلك بحسب منظمة الصحة العالمية (WHO)، وأنَّ 500 مليون بالغ في أنحاء العالم مصابون بالسمنة، ويعاني مليار شخص الوزن الزائد إلى جانب 48 مليون طفل.
ويعدُّ الأشخاص البدينون عُرضةً لتطوير أمراض عديدة وخطيرة تُصيب كل أجزاء الجسم، فهي تزيد من خطورة السكتة الدماغية، وتؤثر في الصحة العقلية، فتزيد من خطورة الاكتئاب وسوء تقدير الذات، وتُسبِّب تضيُّقًا في الطرق الهوائية الناجمة عن تراكم الشحم حول العنق، والإصابة بالقلس المعدي المريئي والحصيات المرارية والفشل الكبدي، فضلًا عن ارتفاع الضغط الشرياني وتصلب الشرايين وزيادة خطورة الإصابة بالنمط الثاني من داء السكري.
ولسوء الحظ تُعد السمنة مسؤولة عن 20% تقريبًا من مجمل السرطانات متضمنةً سرطانات المريء والقولون والكلية والكبد والورم النقوي المتعدد* والمستقيم والبروستات عند الرجال وسرطان الثدي وباطن الرحم عند النساء بعد سن الضهي** وغيرها، وتحدث هذه السرطانات بآليات مختلفة، لكنها تجتمع في علاقتها بالسمنة، وقد لُوحظ أنَّ خسارة الوزن عند النساء قلَّل من خطورة الإصابة بسرطان الثدي لديهنَّ، في حين كانت نتائجه أسوأ في حال إصابة النساء البدينات به، وتزداد سميِّة المعالجات الكيميائية والشعاعية للسرطان عند تطبيقها على المرضى البدينين. وثمَّة أربعة عناصر متهمة بكونها تربط بين البدانة والإصابة بالسرطان: الأنسولين، وعامل النمو الشبيه بالأنسولين Insulin-like Growth Factor، والستيروئيدات الجنسية، والأديبونكتين، وقد وُضعت عدة فرضيات عن الآلية التي تعمل بها هذه العوامل، وهي التي تقود إلى إصابة البدينين بالسرطان، كالالتهاب المزمن، والأكسدة الشديدة، والتبادل بين الخلايا السرطانية والخلايا الدهنية المحيطة، ونقص الأكسجة الناجم عن السمنة، والتأهب الوراثي المشترك بين السمنة والبدانة، وهزيمة المناعة في أداء وظيفتها.
وثمَّة إجماع في الوقت الراهن بأنَّ جراحة البدانة هي الحل الأمثل للأفراد البدينين الذين فشلت لديهم المعالجة المحافظة؛ فقد أثبتت الجراحة فعاليتها في الحفاظ على فقدان الوزن وتحسين نوعية الحياة وإطالة متوسط العمر المتوقع، وقد ازداد تدريجًا عدد عمليات جراحة السمنة في خلال السنوات السابقة، وهذا لا يُعزى إلى تفاقم انتشار البدانة فحسب، بل يعود أيضًا إلى الاعتراف العالمي بالفوائد الاستقلابية المرتبطة بالجراحة. وفي السنوات الأخيرة أصبحت جراحة البدانة تُجرى بواسطة المنظار، وقللت هذه الوسيلة من خطورة الجراحة واختلاطاتها، وخففت من الألم بعد الجراحة، وساعدت على التعافي بسرعة، ومن ثمَّ قللت من مدة الإقامة في المشفى. وفي الوقت الحالي يُجري تقريبًا 1% من الأشخاص البدينين تلك الجراحة، ولا شك في أنَّ الفهم العميق لتقنيات الجراحة وتأثيراتها سيُمكِّن الأطباء من اختيار الإجراء الجراحي الأمثل لكل مريض على حدة.
وقد تناولت دراستان حديثتان الدورَ المحتَمَل لجراحة البدانة في تقليل خطورة الإصابة بهذه السرطانات؛ فقد ذكرت الباحثة الطبيبة (Camila Ortiz Gomes, MD) أنّ المرضى البدينين الذين لم تُجرى لهم جراحة البدانة كانوا أكثر عرضةً للسرطانات المرتبطة بالسمنة بنسبة 20% من أولئك الذين خضعوا لها، وأنّ على المريض أن يخسر 20% من وزنه بعد الجراحة أو أن يبلغ بعدها مشعر كتلة الجسم*** (Body Mass Index (BMI أقل من 30 كغ/م² لخفض هذا الخطر. وقد أُجريت الدراسة على أكثر من 7 ملايين مريض مصاب بسرطان مرتبط بالسمنة في الولايات المتحدة، فكان الأشخاص المصابون بالسمنة ولم يخضعوا لعمليات خفض الوزن أكثر عرضةً للإصابة بالسرطان مقارنةً بأولئك الذين خضعوا للجراحة. ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الأثر الواقي للجراحة يختلف من مريض إلى آخر، ويعتمد هذا الاختلاف بالدرجة الأولى على مقدار الوزن المفقود.
*الورم النقوي المتعدد هو سرطان يتشكل في نوع من خلايا الدم البيضاء يُسمّى خلايا البلازما، وتكافح خلايا البلازما العدوى عن طريق صنع أجسام مضادة تتعرَّف الجراثيم وتهاجمها.
**سن الضهي هو السن الذي يحدد انتهاء الدورات الطمثية عند المرأة، ويُشخّص بمرور 12 شهرًا على آخر دورة طمثية، وتحدث عادةً في العقد الرابع أو الخامس من الحياة.
***مشعر كتلة الجسم هو مقياس يحدد فيما إذا كان وزن الشخص صحيًّا نسبةً إلى طوله، أو ناقصًا أو زائدًا، وتُحسب بتقسيم الوزن (بالكيلوغرام) على مربع الطول (متر²).
المصادر:
1-هنا
2-هنا
3-هنا
4-هنا
5-هنا
مصدر الحاشية:
1- هنا
2- هنا
3- هنا