أثر الموسيقا في تطور الطفل
علم النفس >>>> الأطفال والمراهقين
أُجري كثير من الأبحاث لدراسة تأثير الاستماع إلى الموسيقا أو تعلمها في التطور العقلي والنمو للأطفال، وفي مهارات التواصل لديهم؛ لذلك سنسلط الضوء اليوم على مجموعة من المهارات لدى الأطفال وكيف أثرت الموسيقا في تغييرها.
القدرات الحركية واللغوية:
في دراسة أُجريت على مجموعة من الأطفال -بعضهم متدرب على آلات موسيقية وبعضهم ليس متدرباً- عن التأثير المفيد للنشاط الموسيقي على مهارات حركية محددة، تركز على الأغاني المرفقة بالتصفيق (الحركة التي نُريد قياسها هنا)، وقُيِّم الارتباط بين الأغاني ونجاح الأطفال بالتصفيق دون أخطاء؛ إذ أشارت النتائج إلى أن الأطفال الأكثر مهارة في أداء أغاني التصفيق كانوا الأطفال المتعلمين على آلات موسيقية مسبقاً، وكان لهم ميزة في الأداء الصوتي والحركي، وكان أداؤهم مرتبطاً على نحو وثيق بسنوات تدريبهم على آلة موسيقية معينة؛ إذ كانوا أكثر دقة في أداء الحركات والتماشي مع الإيقاع.
أيضاً أظهرت النتائج أن الموسيقا قد عززت لديهم اكتساب مهارة القراءة المبكرة، وأنّ هؤلاء الأطفال أفضل بكثير في قدرات المعالجة السمعية، ومهارة اللفظ، ممن لم يمارسوا العزف على آلة معينة.
القدرات الاجتماعية:
وانتقالاً إلى الحديث عن العلاقة بين المشاركة في الأنشطة الموسيقية وتحسين مهارة التواصل الاجتماعي؛ فإن أثر هذه العلاقة يظهر واضحاً عند الأطفال الذين يعانون ضعفاً في التواصل الاجتماعي.
ووفقاً للباحثين في جامعة مونتريال، فإن المشاركة في نشاط كالعزف أو الغناء يعزز القدرات العقلية وخاصة عند الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، ويحسن نوعية حياة أسرهم.
فعلى الرغم من عدم وجود دليل قوي على فائدة الموسيقا العلاجية للأطفال السابق ذكرهم، إلا أن الموسيقا أثبتت أثرها العميق في تحسين مهارات التواصل لهؤلاء الأطفال؛ وذلك نتيجة زيادة الاتصال بين المناطق السمعية والحركية في الدماغ، وانخفاض الاتصال بين المناطق السمعية والبصرية للأطفال المصابين بالتوحد.
القدرات الإدراكية (الذاكرة):
وفقاً لدراسة حديثة نشرت في مجلة علم النفس العصبي؛ فإن الأطفال الذين يتلقون تدريباً موسيقياً منتظماً لديهم ذاكرة لفظية (verbal memory)، أفضل ممن لا يتدربون على العزف مطلقاً، وهذه الميزة تستمر حتى بعد توقف التدريب؛ والسبب في ذلك هو أن هذه العلاقة تعود إلى أن الموسيقا والذاكرة اللفظية تتركزان في الدماغ الأيسر؛ إذ يكون التدريب على الموسيقا بمثابة نوع من التمرينات للعقل؛ مما يتيح له أداء أفضل في مهام أخرى ذات صلة.
بناء على ما سبق اكتُشف أثر الموسيقا في الأداء الأكاديمي للطفل مثل الاستعداد للمدرسة، وتطور اللغة والرياضيات حتى قبل سن المدرسة.
أثر الموسيقا في تطور سلوك الطفل ومشاعره:
أما عن ممارسة العزف على آلة وأثرها في سلوكيات الطفل؛ فقد أثبتت الدراسات أنها تؤدي إلى تحسين سلوك التعامل مع المجتمع، وتطور مهارات حل المشكلات لدى الأطفال؛ إذ أجريت دراسة على مجموعتين من الأطفال في سن الرابعة، المجموعة الأولى اهتموا بتدريبها موسيقياً، والثانية لم تتدرب على الموسيقا.
فقد غنى الأطفال في المجموعة الأولى وأنصت رفاقهم في الثانية، ولوحظتْ ردود أفعال الأطفال من خلال هذه الدراسة؛ إذ لوحظ تحسن في التعاون بين أفراد المجموعة الأولى أكثر ثلاثين مرة من أقرانهم في المجموعة الثانية، وأظهروا زيادة في درجات التعاطف؛ فقد تشكل ارتباط بين تنظيم العاطفة في مراحل الطفولة المبكرة وممارسة الأنشطة الموسيقية، فالموسيقا تساعد الطفل على تجاوز المهام اليومية، وتخفف عبء تحملها، وتشعره بالهدوء، وتعيد توجيه تركيزه.
أثر الموسيقا الممتد إلى سن الشيخوخة:
بحسب دراسة نشرتها الرابطة الأمريكية لعلم النفس؛ فإن دروس الموسيقا في أثناء الطفولة تؤدي ثمارها حتى لدى الأشخاص الذين لم يستمروا بالعزف؛ إذ على الرغم من كون النشاط الموسيقي بمثابة تمرين إدراكي صعب، إلا أنه يجعل العقل أكثر قدرة على التكيف مع تحديات الشيخوخة.
إذ إن دراسة أداة موسيقية يتطلب سنوات من الممارسة والتعلم، وهذا يخلق روابط بديلة في المخ تعوض عن الانخفاضات المعرفية مع التقدم في السن، وتقلل من الإصابة بمرض ألزهايمر. ومن الأسهل تعلم آلة موسيقية في عمر مبكر لأن هناك فترات حاسمة تعزز مرونة المخ وسهولة الأداء فيما بعد.
يوماً عن يوم لا تُبهرنا الموسيقا بذائقتها الجمالية فقط، بل أيضاً بآثارها التي قد تتركها فينا، لكنَّ الأبحاث السابقة ما تزال بحاجة إلى وقت إضافي للدراسة من عدة جوانب لإثبات الأثر الوثيق للموسيقا في نمو الطفل، وتطور قدراته ومهاراته على نحو معمق أكثر، إلا أن التعلم الموسيقي يجب أن يكون متاحاً لكل الأطفال انطلاقاً من تشجيعهم على اختيار الآلة المناسبة للخوض في جمالية هذه التجربة والاستمتاع بالموسيقا.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5-هنا
6- هنا