تحدّثنا في الجزء الأول عن مستويات التكامل الاقتصادي، بدءاً من اتفاقيات التجارة التفضيلية وصولاً للاتحاد الاقتصادي والنقدي. وكلما كان مستوى التكامل الاقتصادي أعلى كان انسياب السلع والخدمات ورؤوس الأموال والعمالة والتكنولوجيا أسهل وأوسع. وذكرنا أن ذلك يكون عن طريق اتفاقيات تضمن على الأقل تعريفات جُمركية مُنخفضة وصولاً إلى فرض سياسات اقتصادية واجتماعية موحدة على مستوى عدة بُلدان، ذلك الانفتاح على الخارج يحمل العديد من الآثار منها الإيجابية والسلبية في الوقت ذاته.
فيما يلي نعرض باختصار إيجابيات التكامل الاقتصادي وسلبياته:
1- الأثار الإيجابية
زيادة معدلات النمو: مثلاً في تجربة دول الاتحاد الأوروبي التي بدأت تنظيم التعاون الاقتصادي بدءاً من عام 1950 وصولاً إلى إنشاء الاتحاد الأوروبي، في حال لم يكن التكامل الاقتصادي موجوداً آنذاك، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مع بداية الألفية الثانية سيكون خُمْسَ ما كان عليه فعلاً نتيجة التكامل الاقتصادي. (Badinger، 2001) وقد نمذجَ أيضاً (Dalimov R. T، 2009) أوّلَ مرّة الآثارَ الديناميكية للتكامل الاقتصادي في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المُتحدة، بالاعتماد على رؤية شبيهة بمبدأ الأواني المُستطرقة. تِلك الأواني تُمثل الدول، والحواجز ما بين الأواني تمثل القيود السابقة، وإزالة تلك الحواجز تؤدي إلى تدفق السوائل التي تُمثل القيمة المَضافة التي تتولد من تفاعل كلا الاقتصادين مع بعضهما.
أثر خلق التجارة: بمعنى أن التكامل الاقتصادي كلما اتسع نطاقه وعدد الدول الداخلة في تلك الاتفاقيات والترتيبات، زادت احتمالية الاستيراد من المُنتجين الأقل كلفةً مما يؤدي إلى تخفيض التكاليف، إضافة لإمكانية الحصول على مُنتجات وخدمات جديدة لم تكن متوفرة سابقاً وتوفير جوٍّ من المُنافسة. مثلاً قبل إنشاء التكامل الاقتصادي لم تكن تستطيع الدولة A استيراد مُنتج معين (أو ذي كلفة عالية) من الدولة B بسبب القيود الجمركية وغير الجمركية أو بسبب السياسات الحمائية الوطنية على الرغم من أن الدولة B هي أعلى كفاءة وتستطيع الإنتاج بأقل تكلفة في إنتاج ذلك المنتج المُعين. ويعرض (Mulabdic، Osnago and Ruta، 2017) آثار انضمام بريطانيا للاتحاد الأوروبي باستخدام نماذج الجاذبية؛ إذ إنَّ تجارة السلع والخدمات مع بريطانيا قد زادت بنسبة 42% خلال الأعوام 1995 و2012 والقيمة المُضافة بنسبة 14%.
تحقيق اقتصاديات الحجم والتخصص نتيجة تحرير التجارة الدولية: مثلاً نتيجة القيود السابقة، كانت تضطر الدولة A إلى إنتاج المُنتج x وy لتلبية حاجاتها من المُنتجين وستُخصص مواردها لذلك، على الرغم من أنها مُنخفضة الكفاءة في إنتاج y و تمتلك ميزة نسبية في إنتاج x، بينما الدولة B هي على العكس من A في كفاءة إنتاج المُنتجين. نتيجة تحرير التجارة وإزالة العوائق بين الأسواق تسطيع الدولتان التخصص في إنتاج المُنتجات الأكثر كفاءة وتخصيص موارد أكثر لذلك وصولاً لاقتصاديات الحجم واستيراد المنتج الذي لا تمتلك ميزة نسبية في إنتاجه.
زيادة فُرص العمل وانتقال التكنولوجيا: فتحرير التجارة وتدفق رؤوس الأموال يؤدي إلى توسيع السوق ودخول شركات وقطاعات جديدة إلى الاقتصاد، جالبةً التكنولوجيا من البلد الأم إضافةً لتشغيل العمالة المحلية.
الاستقرار السياسي: فكُلما ارتفع مستوى التكامل الاقتصادي، زادت اعتمادية الدول الداخلة ضمن منطقة التكامل على بعضها بمعنى توسيع المصالح المُشتركة، وعليه تسعى تلك الدول إلى تجنب الخلافات السياسية وحلها سلمياً، وذلك ما يزيد الاستقرار السياسي.
2- الآثار السلبية
تحويل التجارة: على العكس من الأثر الإيجابي لخلق التجارة. من الممكن أن الدولة A كانت تستورد المنتج من الدولة B الذي يمتلك ميزة نسبية في إنتاجه أي هو الأكفأ والأقل تكلفة، لكن على فرض تمت عملية التكامل الاقتصادي مع الدولة C التي تُنتج المُنتج x أيضاً لكن بكفاءة أقل وتكلفة أعلى، وفرضت رسوم جمركية عالية على الدول خارج منطقة التكامل أو فرضت إجراءات حمائية للمُنتجين داخل هذه المنطقة، في هذه الحالة قد يتحول الاستيراد من الدولة B ذات الكفاءة في الإنتاج إلى C الأقل كفاءة. وذات تلك العقبات قد تواجه تدفقات رؤوس الأموال من دول خارج منطقة التكامل الاقتصادي.
فُقدان السيادة الوطنية: تصلُ الدول الأعضاء عند المستويات العالية من التكامل إلى مرحلة فقدان السيادة على العديد من السياسات والقرارات كونها لا تستطيع التفرد باتخاذ القرار مثلَ الإصدار النقدي في حالة الاتحاد النقدي.
المُنافسة الشديدة والتحول الاقتصادي: مثلاً عند انضمام بريطانيا للاتحاد الأوروبي؛ عمِدت العديد من المنشآت والمصانع إلى نقل أعمالها باتجاه الجنوب البريطاني كونه أقرب إلى الأسواق الأوروبية مما يُخفض تكاليف النقل. هذا الانتقال أدى إلى انخفاض مستويات التوظيف في الشمال. من ناحية أُخرى أيضاً واجهت بريطانيا مُنافسة واسعة جراء دخول الموردين المُنافسين إلى اقتصادها ومُزاحمة أصحاب الأعمال الأصليين، هذا بدوره أيضاً أدى إلى انخفاض مستويات التوظيف. ذلك على الرغم من الإيجابيات التي تُحققها المُنافسة.(Overman، Henry & Winters، L، 2006)
مُزاحمة العمالة المحلية والهجرة: مثلما ذكرنا إن بعض مستويات التكامل الاقتصادي تشمل تحرير قيود تدفق العمالة عبر الحدود. وتعددت الدراسات التي تحاول قياس آثار التكامل الاقتصادي على مستويات الأجور والتوظيف نتيجة المزاحمة من العمالة الخارجية القادمة، منها ما يدُلُّ على آثار إيجابية ومنها السلبية. لكن في بريطانيا، حيث تحرير تدفق العمالة، بالإضافة إلى مرونة أسواق العمل هُناك واللغة الانكليزية؛ كان تدفق العمالة إليها كبيراً وغير متوقع، خصوصاً من الدول الأقل حظاً في العمل المُصدرة للعمالة التي تمتلك مهارات تفوق ما يملُكها سُكان بريطانيا الأصليين، ذلك أن العمالة القادمة من تلك البُلدان تسعى دائماً لاكتساب المهارات أكثر للحصول على فُرص عمل أكبر وبدورها ترضى بإجورٍ قليلةٍ في البداية، على عكس مُعظم سُكان بريطانيا، هذا بدوره أدى إلى مُزاحمة تلك العمالة للعمالة المحلية (وهو أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع البريطانيين للتصويت لخروج بلدهم من الاتحاد الأوروبي.(Altorjai، 2013; Parutis، 2014)
Badinger، Harald. (2019). Growth effects of economic integration. The case of the EU Member States (1950-2000). هنا
Dalimov، Ravshanbek. (2009). Oscillation Theory of International Economic Integration. African Journal of Marketing Management. 1(2). 50-61. هنا
Silagadze، Avtandil & Krugman، Paul & Obstfeld، Maurice & Melitz، Marc. (2018). International Economics THEORY AND POLICY TENTH EDITION. P.195
Osnago، Alberto & Ruta، Michele & Mulabdic، Alen. (2017). Deep Integration and UK-EU Trade Relations. SSRN Electronic Journal. 10.2139/ssrn.3209971. هنا
Overman، Henry & Winters، L.. (2006). Trade and Economic Geography: The Impact of EEC Accession on the UK. Manchester School. 79. 10.1111/j.1467-9957.2010.02171.x. هنا
B for Brexit: A Survey of the Economics Academic Literature هنا
Altorjai، Szilvia، (2013)، Over-qualification of immigrants in the UK، No 2013-11، ISER Working Paper Series، Institute for Social and Economic Research هنا
Parutis، Violetta. (2011). “Economic Migrants” or “Middling Transnationals”? East European Migrants’ Experiences of Work in the UK. International Migration. 52. 10.1111/j.1468-2435.2010.00677.x. هنا