الحركات الاجتماعية (Social Movements)؛ تغييرٌ للمجتمع أم إخلالٌ به؟
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> علم الاجتماع
الحركات الاجتماعية (Social Movements) هي مجموعات منظمة تضع نصب أعينها هدفًا معينًا وتسعى إلى تحقيق هدفٍ مشترك، وربما تحاول هذه المجموعات أن تحدث تغييرًا، أو أن تقاوم التغيير (مثل حركة مناهضة العولمة anti-globalization movement) أو أن تمنح صوتًا سياسيًّا لأولئك الأشخاص المهمشين (حركات الحقوق المدنية civil rights movements) أو أي غرضٍ آخر مشترك، ما دام الناس يسلكون مسارين في الحياة؛ الأول: يستمرون بالحياة بهدوء مثلما وجدوها، والثاني: يحاولون جعل أنفسهم والعالم من حولهم أفضل، وتتقاطع الحركات الاجتماعية مع التغيرات البيئية والابتكارات التقنية وغيرها من العوامل الخارجية من أجل إحداث التغيير الاجتماعي (Social Change)، وتتنوع أسباب الانضمام إليها بتنوع المشاركين فيها أنفسهم، وتتباين مستويات الحركات الاجتماعية ما بين محلية أو إقليمية أو وطنية أو عالمية (2,3).
ومن أبرز سماتها أنها لا تقتصر الحركة على وجود حشد دائم العضوية فحسب؛ ذلك أن الحشد يفتقر لآلياتٍ تنظيميةٍ وتحفيزيةٍ قادرة على الحفاظ على العضوية خلال فترات الجمود والانتظار، فضلًا عن أنه لا يمكن لآليات الحشد تحقيق التواصل وتنسيق النشاط على مساحة واسعة؛ مثل دولة أو قارة؛ فالحركة الاجتماعية مزيجٌ ما بين التنظيم والتلقائية، وعادةً ما تعطي بعض المنظمات الهوية والقيادة والتنسيق لحركةٍ ما؛ لكن حدود الحركة لا تتناسب عموماً مع حدود المنظمات (1).
أنواع الحركات الاجتماعية:
ليس ثمّة تصنيفٌ موحّدٌ للحركات الاجتماعية، فمع تركيز عديد من العلماء على جوانب مختلفة من الحركات، تظهر تصنيفات مختلفة كل يوم، لكنَّ عديدًا من محاولات التصنيف وجهت الانتباه إلى هدف الحركة وقسمتها على هذا الأساس مثل عالم الاجتماع ديفيد أبيرل (David Aberle 1918-2004) الذي قسّم الحركات الاجتماعية بناءً على الأشياء التي تهدف لتغييرها ومقدار هذا التغيير إلى الفئات الآتية:
- الحركات الإصلاحية (Reform movements) وتسعى إلى تغيير شيء محدد في البنية الاجتماعية كالمجموعات المناهضة للأسلحة النووية، والحركة النسوية.
- الحركات الثورية (Revolutionary movements) وتسعى إلى إحداث تغيير شامل في كل جانب من جوانب المجتمع كحركة 26 تموز/ يوليو الكوبية بقيادة فيديل كاسترو.
- حركات الخلاص (Redemptive movements) وتحاول البحث عن معنى للحياة وتهدف إلى تحفيز التغيير الداخلي أو النمو الروحي لدى الأفراد.
- الحركات البديلة (Alternative movements) وتركز على تحسين الذات وإحداث تغييرات معينة ومحددة في سلوكيات الفرد ومعتقداته كحركة الطعام البطيء (Slow Food movement).
- الحركات المقاومة (Resistance movements) التي تقف حائلًا أمام التغيير الاجتماعي أو تطالب بالرجوع عنه إذا ما حدث، كمنظمة (Ku Klux Klan) كو كلوكس كلان (1,3).
ومن حيث ديناميكيّتها نجد أنَّ الحركات الاجتماعية بوصفها كيانًا جماعيًّا راسخًا ومستدامًا؛ تخضع لتغييرات جذرية في أثناء وجودها، وقد دفعت هذه السمة بعض العلماء إلى صياغة نظرية "دورة الحياة" أو "التاريخ الطبيعي" لتطبيقها على جميع الحركات الاجتماعية؛ في حين يشكك علماء آخرون في أثر نظرية "دورة الحياة" في الحركات الاجتماعية معتمدين في ذلك على إخفاق الدراسات التجريبية لعديد من الحركات في دعم فكرة خضوعها لمراحل تطور ثابتة، ويقترح عالم الاجتماع نيل سملزر (Neil Smelser 1930-2017) نظرية "القيمة المضافة" بديلًا لنظرية "دورة الحياة"، وتتفق نظرية القيمة المضافة مع سابقتها بفكرة وجود عددٍ من العوامل التي ترسم الحدود لحدوث أي حركة اجتماعية؛ فهي لا تشترط -على عكس سابقتها- حدوث تلك العوامل بترتيبٍ معين، ويمكن القول إنّ الحركة الاجتماعية كالحياة المهنية لأنها دائمًا ما تخضع لتغييرات في عديد من سماتها، على الرغم من أن تسلسل هذه التغييرات قد يختلف من حركةٍ إلى أخرى (1).
أسباب نشاط الحركات الاجتماعية
يمكن عدُّ كل من الحالات النفسية الفردية وسمات المجتمع في وقت محدد؛ من أسباب الحركات الاجتماعية.
العوامل النفسية:
العوامل الفردية هي الحالات النفسية التي تقنع الشخص بالانضمام إلى حركة ما أو تضعف التزامه تجاه المجموعات التقليدية لدرجةٍ يكون فيها مستعدًا للمخاطرة برفضهم له بسبب إيمانه بقضية لا تحظى بشعبية، وقد تكون المكانة والشعور بالانتماء اللذان قد يكتسبهما شخص ما بصفته عضوًا في أي حركة اجتماعية أكثر أهمية له من قيم الحركة نفسها، وغالبًا ما يُنظَر إلى الحرمان والسخط والإحباط من المجتمع على أنها أسباب منطقية لبدء حركة اجتماعية ما أو الانضمام إليها، وتشير بعض الأدلة إلى أن الفئات الأكثر حرمانًا هم الأكثر قابلية للمشاركة في الحركات الاجتماعية (1).
العوامل الاجتماعية:
في حين قد تبدو بعض العوامل كالفقر والمعاناة كافيةً لشحذ جهود الإصلاح؛ فإنه يجب التأكيد مرة أخرى على ضرورة وجود قاعدة من الأمل لتحفيز الناس على بذل مثل هذه الجهود، ويؤثر النظام العقائدي الموجود عمومًا في ثقافة المجتمع في احتمالية نشوء حركة اجتماعية وتحديد نوعها (1).
وترى النظريات الأكثر عمومية عن أصل الحركات الاجتماعية -مثل نظريات سملزر (Neil Smelser 1930-2017) وتيرنر (Ralph H. Turner 1919-2014) وكيليان (Lewis M. Killian 1919-2010)- بأن التغيير الاجتماعي قد يؤدي إلى توترات أو صراعات في جانب أو أكثر من الجوانب الأساسية للنظام الاجتماعي؛ إذ تنشأ هذه الضغوطات عندما تخلق الظروف المتغيرة وضعًا لم تعد فيه الأعراف الموضوعة تحقق قيمًا مهمة ومقبولة، وعندما تتصادم القيم ذاتها مع تلبية الاحتياجات المهمة لشريحة من شرائح المجتمع أيضًا، وغالبًا ما ينشأ هذا النوع من الضغط عندما تنشر مجموعات مختلفة -مثل المهاجرين والأقليات أو جيل الشباب- قيم تتعارض مع قيم المجموعات الأكثر رسوخًا (1).
عواقب الحركات الاجتماعية ونتائجها:
ضعف الاستقلالية الذاتية للأعضاء بخضوع المشارك للقادة وتسليمه للإيديولوجيا بصفته عضوًا مخلصًا؛ وبذلك تُقمَع شكوكه عن صحة الإيديولوجيا وعن وحكمة قرارات القائد، ومن ثمَّ يكرر حججهم نفسها بدوغمائية.
ولا يمكن ببساطة تحليل النتائج النهائية للحركات الاجتماعية بعدِّها ناجحة أو فاشلة، فقد تفشل نتيجة لقمعها بوحشية أو بتفشي شعور اللامبالاة على نطاق واسع، أو قد تتلاشى أي حركة لأنها لم تؤخذ على محمل الجد إلا من قلة قليلة ولأنها لم تستطع تطوير قوة كافية لفرض برنامجها على المجتمع.
ويكون النجاح أكثر وضوحًا عندما تتمكّن الحركة من إضفاء الشرعية على صلاحياتها وتقنينها لتصبح سلطة قائمة بذاتها؛ إذ في الثورات الناجحة؛ تصبح الحركة الاجتماعية المصدر الجديد للسلطة والاحترام، وتنظر إلى كل معارض لقيمها على أنه معادي للثورة. وفي حالات أخرى؛ تحقق الحركة القوة من خلال الانشقاق؛ إذ ينسحبون إلى نظام اجتماعي جديد -إذا فشلوا في إجبار مجتمعهم على قبول قيمهم- في محاولة لتنفيذ القيم باستقلالية عن ذلك المجتمع المعادي أو غير المبالي، ويجب على الحركات الاجتماعية تطوير القدرة التنظيمية لتعبئة الموارد (المال والأفراد والمهارات) والتنافس مع المنظمات الأخرى من أجل الوصول إلى أهدافها (1).
ترتبط الحركات الاجتماعية ارتباطًا جوهريًّا ووثيقًا بالتغيير الاجتماعي، ولكنها لا تشمل أنشطة الأشخاص بوصفهم أعضاء في مجموعات اجتماعية مستقرة ذات بنى ومعايير وقيم راسخة، ولا يعكس سلوك أعضاء الحركات الاجتماعية الافتراض بأن النظام الاجتماعي سيبقى على حاله؛ بل يعكس الاعتقاد بأنه يمكن للأشخاص جماعةً أن يحدثوا تغييرًا اجتماعيًّا أو يمنعوه في حال كرسوا أنفسهم لتحقيق هدف ما، وقد يرى المراقبون عن بعد هذه الأهداف بمنزلة أوهام، وأما الأعضاء فإنهم يأملون في امتلاكهم القدرة على تحقيقها (1).
وهكذا يبدو بأن الحركات الاجتماعية أمرٌ لا مفرّ منه، وإن لم تكن تنمّ في جوهرها عن الذكاء، فإنها تتمتع بالاحترام وإن لم يكن ذلك النوع من الاحترام الذي تستحقه، ولا بدّ لكل شخصٍ يبحث عن الحقيقة أن يدرس هذه الحركات (2).
للاطّلاع على دور الشباب في التغيير المجتمعي: هنا;
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا