عندما يساعد جهازنا المناعي فيروس كورونا المستجد، النتائج
الطب >>>> فيروس كورونا COVID-19
سنبدأ كلامنا عن إمراضية الجهاز التنفسي مع أعراضه المرافقة من السعال والحمى والتنفس السريع الضحل.
يبدأ COVID-19 في الرئتين مثل نزلة البرد، ولكنَّه يؤدي إلى خسائر ناتجة عن رد فعل الجهاز المناعي لاحقًا قد تؤدي فيما بعد إلى تخرُّب مزمن في الرئتين أو الموت (1)؛ إذ مع دخول حمل فيروسيّ كافٍ (5) إلى خلايا الرئة من النمط الثاني -المسؤولة عن عدة وظائف حيوية في الرئة من تجديد الخلايا وتسهيل حركة الهواء عبر الشعب الهوائية- (6) وتكاثره، قد يتخلَّص المصاب في الأسبوع الأول من كميات وفيرةٍ منه (3, 5)، وتكون الأعراض غائبةً في هذه المرحلة أو قد تظهر أعراضٌ كالحمى، أو السعال الجاف، أو التهاب الحلق، أو فقدان حاسَّة الشم أو الذوق إضافةً إلى آلام الرأس والجسم (3).
ثم ينتقل بعدها إلى القصبة الهوائية لمهاجمة الرئتين، وعندها يمكن أن يتحول إلى مميت؛ إذ تنتهي الفروع الرقيقة والبعيدة للقصبات في الجهاز التنفسي للرئة بكيس هوائي صغير يُسمَّى الحويصلات الهوائية، وهي مبطنة بطبقة واحدة من الخلايا الغنية بمستقبلات (ACE2) أيضًا، والتي يعبُر الهواء من خلالها إلى الشعيرات الدموية في أعضاء الجسم كافةً (3).
وعلى أثره، يتفاقم (COVID-19) قرابة الشهر، ويزداد الضرر ازديادًا طفيفًا يومًا بعد يوم، على عكس حالة الإنفلونزا التي نتغلب عليها في أسبوع (1)، وقد يتعافى بعض المرضى بوجود المنافسة الصناعية، ولكنَّ البعض الآخر يتدهور تدهورًا مفاجئًا، ليطوِّر متلازمة ضيق التنفس الحادة (ARDS)؛ التي يُشاهَد فيها انخفاض مستويات الأكسجين في الدم، ويزداد التنفس؛ لامتلاء الحويصلات الرئوية بأكوام من السوائل وخلايا الدم البيضاء والمخاط وبقايا خلايا الرئة المدمَّرة الناجمة عن المعركة ما بين جهاز المناعة والفيروس، وعادةً ما ينتهي هؤلاء المرضى إلى أجهزة التنفس الصناعي ويموت كثيرٌ منهم بالفشل الرئوي (2, 3, 7).
وكما أسلفنا فإنَّ أضرار الرئتين كبيرة جدًا، كما هو حال عدد من أعضاء الجسم الأخرى، والتي تختلف حسب طبيعة استجابة الجسم الالتهابية.
وسنتطرق الآن لذكر أبرزها؛ والذي كان في القلب والأوعية الدموية، إذ يَعتقِد الباحثون أنَّ الفيروس يدخل إلى الخلايا المبطنة للأوعية الدموية -كما ذكرنا سابقًا- عبر مستقبلات (ACE2) الضرورية لضبط ضغط الدم، فيُفعِّل الفيروس الاستجابة الالتهابية بعدَّة طرق أهمها تفعيل البروتينات المتمِّمة وهي آلية دفاعية تسبب التخثُّر (9)، وهذا أحد الأسباب الذي يزيد من خطورة المرض لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم (1)، مؤديًا إلى تعزيز الجلطات الدموية والنوبات القلبية والتهاب القلب، وهذا الجانب على قدر كبير من الأهمية؛ إذ إنَّ جلطات الدم قد تتفتت وتتجه إلى الرئتين لتسدَّ الشرايين الحيوية مسببةً الصمة الرئوية (pulmonary embolism) والتي أودت بحياة عديد من المرضى، أو أنَّها قد تتخثر في الدماغ مسببةً السكتة الدماغية، وهذا ما زاد احتمال كون الجلطات الدموية مؤديًا رئيسًا في شدة المرض والوفيات الناجمة عن COVID-19. كما قد تؤدي العدوى إلى إقفار أيضًا؛ إذ كتبت تقارير عن نقص تروية في أصابع اليدين والقدمين، والتي تسبب تورم في الأطراف وتنخر في أنسجتها (3).
هذا وقد نشأت فرضيات لدى الباحثين بتغير التوازن الدقيق للهرمونات المساعدة في تنظيم ضغط الدم وتضيق الأوعية الدموية الذاهبة إلى الرئتين في بعض مراحل المرض، فهذا ما سيعيق امتصاص الأكسجين القادم إلى الرئتين وليس انسداد الحويصلات الهوائية.
وتفسِّر هذه الفرضية مواجهة المرضى أصحاب التلف السابق في الأوعية الدموية (السكري، وارتفاع ضغط الدم) لخطر أكبر من الفيروس (3).
علاوةً على ذلك، يشيع الفشل الكلوي في الحالات الشديدة؛ إذ قد يهاجم الفيروس الأوعية الدموية في الكلى مباشرةً لغناها بالمستقبل، أو قد يحدث نتيجةً لضرر عام في الجسم كله مثل انخفاض ضغط الدم، ويزيد من احتمالية الوفاة (3).
قد تصل الأفعال التدميرية إلى الجهاز العصبي وخصوصًا الدماغ؛ إذ يعاني بعض المرضى من السكتات الدماغية والنوبات والارتباك والتهاب الدماغ (2, 3)، بالإضافةً إلى أنَّ الفيروس قد يتحرك إلى النهايات العصبية للأنف فيتسبب بإتلاف الخلايا وفقدان حاسَّة الشم، وما زال الأطباء يحاولون فهم التأثير المباشر للفيروس (3).
أمَّا بالنسبة إلى العيون فقد تسبب بالتهاب الملتحمة عند المرضى ذوي الحالات الشديدة (3).
وكما ذكرنا آنفًا عن العدوى الهضمية (1)، تشير تقارير المرضى وبيانات الخزعات إلى أنَّ الفيروس يمكن أن يصيب الجهاز الهضمي السفلي، ويعاني قرابة 20٪ أو أكثر من المرضى من الإسهال.
وسجَّل البعض اضطرابًا في مستويات الأنزيمات الكبدية؛ ممَّا يدلُّ على أذية في الكبد أو القنوات الصفراوية إمَّا بسبب ردة فعل مفرطة للجهاز المناعي أو بسبب الأدوية المعطاة (3).
بالإضافة إلى أنَّ الأعضاء التناسلية الذكرية لم تغب عن الفيروس؛ إذ كُشِف وجوده في السائل المنوي لبعض المرضى، ولكن؛ لم تُفهَم آثاره في الخصيتين بعد (4).
وختامًا، ما تزال خريطة الدمار التي يمكن أن يسببها COVID-19 للجسم مجرد رسم تخطيطي، وسيستغرق الأمر سنوات من البحث الشاق لشحذ صورة انتشارها، وتسلسل التأثيرات القلبية الوعائية والمناعة التي قد تطلقها. بينما يتقدم العلم إلى الأمام انطلاقًا من فحص الأنسجة تحت المجاهر إلى اختبار الأدوية على المرضى، فإنَّ الأمل يكمن في العلاجات الأكثر دهاءً من الفيروس الذي أوقف العالم عن مساره.
المصادر: