ثلاثي المرح: اللعب - الألعاب - الرياضة ١- اللعب: ما هو؟
منوعات علمية >>>> منوعات
من منا لا يعرف اللعب؟ جميعنا نعرف اللعب وجميعنا جربناه، ومع ذلك ظل فهم اللعب ووضع تعريفات له مسألة معقدة بالنسبة للذين يدرسونه، فما النشاط الذي يعدُّ لعبًا؟ أو متى يعدُّ النشاط نفسه لعبًا ومتى لا يعد؟
نستعرض في هذا المقال أبرز المحاولات للإحاطة بمفهوم اللعب.
سنبدأ بما وضعه البروفيسور الباحث في التاريخ الهولندي Johan Huizinga يوهان هيزينغا في كتابه Homo Ludens، إذ أشار إلى أن اللعب هو نشاط يُمارس بحرِّية ويُجرى بمعزل عن الواقع والحياة الاعتيادية كونه غير جادٍّ، ولكن في الوقت ذاته يستمتع به اللاعب ويندمج معه كليًّا، ولا يهدف لتحقيق مكسب مادي أو منفعة، ويجري اللعب في نطاقه الخاص ووفق قواعده الخاصة بطريقة منتظمة (1).
إن كون اللعب منفصل وبعيد عن الحياة الاعتيادية هو بالنسبة لـ هيزينغا غير معني بالإشباع العاجل للرغبات، بل على العكس قد يتعارض معها (1). على سبيل المثال؛ عندما يشعر الفرد بالتعب في أثناء اللعب قد يرغب في الراحة الجسدية ومع ذلك يستمر باللعب خلافًا لرغبته، أو قد يستمر في اللعب إذا شعر بالعطش بالرغم من وعيه بأنه سيشعر بالعطش أكثر إذا استمر.
وفي مقالة علمية Words on Play للبروفيسور والفيلسوف الأمريكي بيرنارد سوتس Bernard Suits، عرف سوتس اللعب بتحقيق شرطين، حيث يكون النشاط لعبًا بالنسبة له إذا وفقط إذا: وظف موارد -تستخدم أساسًا لتحقيق غايات مفيدة- في استخدامها مؤقتًا في نشاط غايته في ذاته. فالشرط الأول هو استهلاك موارد ذات فائدة والثاني توظيفها في نشاط لا غاية أو فائدة تالية له، كالطفل الذي يستهلك طاقته في نشاط لا غاية منه سوى المرح، وقد تكون الموارد طعامًا كما في مهرجان الطماطم أو مالًا كما هو الحال في المراهنات وألعاب القمار (2).
هذا يوافق إلى حد ما قول المفكر الفرنسي روجيه كايوا Roger Caillois في كتابه Man, Play and Games، إن اللعب هو مناسبة يُضاعُ فيها كل من الوقت والطاقة والبراعة وغالبًا المال أيضًا. وقد أشار روجيه في كتابه أيضًا إلى أن اللعب هو نشاط يمارس طوعيًا وعلى نحو منفصل عن الحياة الاعتيادية فهو محدود بمكان وزمان وقواعد خاصة به، وتخيلي إذ ينصب تركيز اللاعب عليه لا على الحياة الاعتيادية، كما أنه غير منتج والنتائج ضمنه غير حتمية؛ أي إن هناك العديد من الاحتمالات والمجريات التي يمكن أن تحصل في أثناء اللعب (3).
أما الوصف الذي وضعه علماء النفس روبن Rubin وفاين Fein وفاندنبرغ Vandenberg في بحثهم عن اللعب عند الأطفال الذي أُجري عام 1983م، فقد شمل ما يأتي:
1. اللعب هو نشاط ذو دافع داخلي.
2. اللعب غير استكشافي؛ إذ يهتم اللاعب بماذا يفعل بالأشياء فضلًا عن ماهية الأشياء.
3. غير وظيفي؛ أي يفترض أنه غير منتج ولا يسعى إلى أهداف جديَّة.
3. يتركز اهتمام اللاعب على طريقة اللعب وليس على الغاية منه.
4. ينخرط اللاعب باللعب ويلتزم به بصورة فعالة.
5. من الضروري أن يكون اللعب متحررًا من القواعد المفروضة خارجيًّا على اللاعبين.
ومع ذلك تبقى كل هذه المفاهيم موقع جدل نسبة إلى علماء النفس والرياضيين، إذ يحتج البروفيسور النيوزيلندي براين سوتون سميث Brian Sutton-Smith في كتابه The Ambiguity of Play ردًا على المفاهيم السابقة؛ بأنه كثيرًا ما يكون هناك لعب ذو دافع خارجي، وأن الفصل بين اللعب والعمل قد يكون خطأً لوجود أدلة في وقتنا الحالي تبرز عدة أهداف شخصية أو اجتماعية عند اللاعبين، إضافًة إلى أن اللعب هو وظيفي ومفيد بطريقته الخاصة وله نتائج حقيقة في العالم الحقيقي ليس فقط في إطار اللعب، وأنه لا يمكننا القول إنه لا تُفرض قوانين خارجية على لعب الأطفال خصوصًا عندما يلعبون لعبة محددة أو رياضة ما (4).
من بين العديد من أنواع اللعب وتصنيفاته نرى تصنيفًا للعب يميز بين اللعب البسيط أو البدائي واللعب المعقد، وهو تصنيف شائع نجده عند العديد من دارسي اللعب.
إذ ميز هيزينغا بين اللعب بشكله البدائي (الفطري) الذي نجده واضحًا عند الأطفال الرضع وصغار الحيوانات والذي يتميز بالمرح واللهو الصافي، وبين اللعب بشكله الراقي الذي يتميز بالمنافسة والاستعراض والذي نراه في المنافسات والسباقات، في الأداء والاستعراض في الرقص والموسيقى، وصولًا إلى البطولات (1).
أما روجيه كايوا فقد ميز بين اللعب paidia الذي يغلب عليه كل من المرح والحرية والارتجال والشغب وخلوه من الهموم، وبين اللعب ludus الذي يحتاج إلى المجهود الكبير والصبر والمهارة والبراعة (3).
وختامًا نرى كيف ميز بيرنارد سوتس بين اللعب البدائي واللعب المعقد، إذ يعتقد أن اللعب البدائي يتم لأن نتيجته مسلِّية أو فيها مرح، فطفل بعمر السنوات مثلًا يعبث بالماء في أثناء استحمامه لأنه يستمتع بالأثر الذي يحدثه ذلك، ويمكن للطفل مع الوقت أن يصبح ماهرًًا في ذلك، لكن ذلك لن يمتِّعه، فالمهارة هنا ليست العائد الذي ينتظره الطفل؛ أي ليست محط اهتمامه.
وعلى العكس في اللعب المعقد حيث تصبح المهارة قيمة بذاتها، أي يصبح اللعب معنيًا على نحو أساسي بالتمرين والاستمتاع بالمهارات، وعندما يحدث ذلك نقترب أكثر فأكثر من اللعب المعقد ومن ثم (الألعاب) التي سنتكلم عنها على نحو أوسع لاحقًا (5).
المصادر: