العلم الزائف وترسيم الحدود (الجزء الثاني: أبرز معايير ترسيم الحدود)
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
_حل الألغاز Puzzle Solving: يرى توماس كون Thomas Kuhn - فيلسوفٌ أمريكي في فلسفة العلم - أن العلوم التي ازدهرت في أثناء الثورة العلمية كانت تعتمد على ما يشبه حل الأحاجي والألغاز، فضلًا عن كونها قائمة على اختبار نظريات، ويوضح فكرته بمقارنة علم الفضاء مع التنجيم، فعلم الفضاء يحل المعضلات وإذا ما فشلت تنبؤات علماء الفضاء، كان عليهم حل اللغز بطريقة أفضل. بالمقابل ليس هناك للتنجيم مثل هذا اللغز، فعندما يحدث فشلٌ في هذا المجال لا ينجم عنه ألغاز جديدة ولا يُعاد النظر بتقاليد التنجيم. فيما يعارض (بوبر) هذه الفكرة ويرى على عكس (كون)، أن التنجيم ينخرط في عملية حل الألغاز؛ وبذلك يتوجب على (كون) الاعتراف بعلميته.(1)
_التوافق مع العلوم الأخرى: يقترح جورج رايش George Reisch -فيلسوفٌ أمريكي في فلسفة العلم- بأنه من الممكن رسم الحدود اعتمادًا على فكرة أن مجالاً علميًّا يجب أن يكون متلائمًا مع العلوم الأخرى، أي -على سبيل المثال- فرضية الخلق Creationism ليست علمية لأنها لا تتوافق مع بقية العلوم. باختصار يقول (رايش): إن مجالاً معرفياً يُعدُّ علمًا زائفًا عندما لا يكون مندمجًا أو متحدًا مع شبكة العلوم المعترف بها.(1)
_مقاربة تعدد المعايير: هناك العديد ممن اقترحوا وضع قوائم من عدَّة معايير تميز العلم الزائف، على سبيل المثال:
والبعض عدَّ أنه يمكن فهم العلم فهمًا أفضل عن طريق مقاربة لودفيغ فيتغنشتاين Ludwig Wittgenstein بأن ما هو مشترك بين العلوم هو مثل التشابه بين أفراد العائلة، وهذا يعني أن هناك مجموعة من الخصائص تتميز بها العلوم، وأن أي مجال علمي يتمتع ببعض من تلك الخصائص، ولكن لا يجب أن نتوقع أن أي مجال علمي يحققها جميعًا.(1)
_مقاربة براغماتية (ديفيد ريسنيك): تُعنى البراغماتية عنايةً أساسية بالفائدة العملية؛ مثلًا هل يجب لمعاهد الصحة الوطنية (الأمريكية) أن تمول أبحاث العلاج بوخز الإبر أو إمكانية الأخذ بشهادة شخص في المحكمة استعاد ذاكرته بعد أن فقدها، أو هل يجب تدريس فرضية الخلق في المدارس العامة أم لا.
يعتقد ديفيد ريسنيك David Resnik -الفيلسوف الأمريكي في مجال الأخلاق البيولوجية وفلسفة العلم- أنه من المرجح أن تفشل محاولات حل مشكلة الترسيم عن طريق وضع تعريف للعلم يقدم الشروط اللازمة والكافية له، وأنه بوجود عدد من التعاريف فإن اعتماد تعريفات مختلفة سيعطي أحكاماً مختلفة، لذلك يجب الاعتماد اعتمادًا جزئيًّا على الأهمية العملية عند اعتماد أي تعريف سنختاره بغية الحصول على أفضل النتائج، وهكذا يمكننا ألا نقبل تعريفًا ما إذا لم يخدم أهدافنا ومصالحنا العملية والعكس بالعكس.
فمثلاً يمكن أن يعتمد اختيار المعايير على مدى خطورة ارتكاب الأخطاء؛ ففي الطب مثلًا تكون العواقب مباشرة وغير قابلة للإصلاح، فمن الأفضل -غالبًا- اعتماد معايير أكثر تشدُّدًا مثل الدعم بالأدلة التجريبية وتوافق العلماء، وبالمقابل في مجال التعليم ووضع المناهج التعليمية لن يكون للحكم الخاطئ على صحة الأفكار أو النظريات عواقب بتلك الخطورة كما في الطب. وأن أحد أهداف التعليم هو استكشاف العديد من وجهات النظر المختلفة الجدلية وتقييمها، لذلك يمكننا استخدام معايير أقل تشدُّدًا.(2)
وفي النهاية يقول فيلسوف العلم ماسيميو بيليوتشي Massimo Pigliucci إنه لا يوجد اختبارٌ حاسمٌ لحل هذه المشكلة، فالحدود ما بين كل من العلم والعلم الزائف وغير العلم ليست بالوضوح الذي يبدو لنا من خلال آراء بوبر وغيره.(3)
ولعل الفرق الأساسي بين العلم وغيره أن العلم ينتج معارف ومعتقدات مفيدة تنعكس بالنهاية على مختلف نواحي حياتنا؛ من البيوت التي نسكنها إلى وسائل النقل التي نركبها إلى الأنوار التي تضيء ليلنا إلى العديد من النواحي التي لا حصر لها، على عكس العلم الزائف الذي وإن كان لا ينتج ضررًا في بعض الأحيان، فهو حتماً لا ينتج أية منفعة.
المصادر:
1. Hansson, Ove S. The Stanford Encyclopedia of Philosophy [Internet]. Science and Pseudo-Science (Summer 2017 Edition). Zalta E (ed.). Available from: هنا
2.Resnik D. A Pragmatic Approach to the Demarcation Problem [Internet]. 2000 [cited 31 July 2020]. Available from: هنا
3. Shermer M. What Is Pseudoscience? [Internet]. Scientific American. [cited 31 July 2020]. Available from: هنا