العلاج بالكتابة، هل يمكن للكتابة أن تكون طوق نجاةٍ من بعض الأمراض النفسية؟
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
بدايًة لا داعي للقلق، فلن يتطلب الأمر أن يكون الشخص ذا خيال خصب أو لديه ملكة الكتابة، وليس من الضروري إطلاقًا أن تكون كاتبًا. كل ما تحتاجه دفتر وقلم ودافعٌ للكتابة فقط (1).
إنّ العلاج بالكتابة (Writing Therapy) أو الكتابة التعبيرية (Expressive Writing) هو استخدام الكتابة بغرض العلاج النفسي.
يشرف على هذه الطريقة معالجون نفسيون مختصون لعلاج بعض الاضطرابات النفسية لدى المريض كالقلق والاكتئاب الشديد واضطرابات ما بعد الصدمة (2)، ويكون ذلك فرديًّا أو جماعيًّا ضمن جلسات تركز على أهمية ودور الكتابة (1).
يعود هذا النوع من العلاج لستينات القرن العشرين، وقد طوّره عالم النفس الأمريكي الدكتور (ايرا بروغوفDr. Ira Progoff) وأضاف عليه التعديلات المناسبة لجعله متاحًا للاستخدام، وسمّاه Intensive Journal method تقنية التدوين المكثّف، أو أسلوب اليوميات المكثفة (2).
يتّبع المعالج المختص طريقة العلاج بالكتابة أو الكتابة التعبيرية مع أشخاص يعانون من بعض المشاكل النفسية كالتوتر والاكتئاب، ويهدف إلى زيادة مدى وعيهم وإدراكهم لوضعهم الحالي، وتحقيق التغيير المنشود على صحتهم النفسية، إضافة إلى تحسين نظرتهم لذواتهم. ثمّة بعض التمارين والمهام التي يمليها المعالج على المريض بهدف إرشاده في أثناء رحلة العلاج هذه وصولًا لأهدافه (2).
يمكن للفرد أيضًا أن يتّبع هذه الطريقة بمفرده مستعينًا بقلمه ودفتره فقط عندما تنتابه مشاعر الحزن والإحباط، وهذا ما يميز هذا النوع من العناية بالصحة النفسية، فهو قليل التكلفة ويمكن ممارسته من قبل الجميع (1).
هل يختلف العلاج بالكتابة عن كتابة المذكرات اليومية العادية؟
نعم؛ ويكمن الاختلاف بينهما في طريقة صب الأفكار والمشاعر على الورق، إضافة إلى التجارب التي يمر بها الأفراد، فكتابة اليوميات هي مجرد تدوين للأحداث يتّبع فيه الأفراد أسلوب الكتابة الحرة، أمّا الكتابة التعبيرية أو (العلاج بالكتابة) التي يشرف عليها معالج مختص فهي نمطٌ موّجه وأكثر تنظيمًا (1) تستدعي تحليل ومناقشة المشاعر والمخاوف والأحداث التي يختبرها الأشخاص؛ ما يساهم بدعم وتسهيل العملية العلاجية لديهم (2).
وتساعدهم أيضًا على أن يكونوا أناسًا يجيدون إعادة النظر بأفكارهم والتأمل بها، فتتكون لديهم رؤية أوضح عما يعايشونه من تجارب ومواقف يومية (1).
أثبتت هذه الطريقة فعاليتها في علاج الأمراض التالية:
1 - اضطراب الوسواس القهري
2 - اضطراب ما بعد الصدمة
3 - القلق
4 - الاكتئاب
5 - اضطرابات الأكل
6 - مشاعر الحزن والخسارة
7 - مشكلات التواصل
8 - مشكلات العلاقات
9 - افتقار الشعور بتقدير الذات (2)
في دراسة نشرت في BJPsych Advances أظهر المشاركون الذين يعانون من صدمات نفسية تحسنًا ملحوظًا على المستوى النفسي والجسدي دام أربعة أشهر من وقت العلاج، بعد أن طُلِب منهم أن يكتبوا عن أكثر التجارب المؤلمة بالنسبة لهم مدةً تتراوح بين 15-20 دقيقة على مدى 4 أيام متتالية (4). هنا
وثمّة دراسة أخرى هدفها تسليط الضوء على الخصائص العلاجية للكتابة لدى الأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية، أظهر فيها المشاركون أن الكتابة التعبيرية نظّمّت أفكارهم وساهمت بتحسين نمط حياتهم، وساعدت أيضًا على خفض معدل القلق لديهم، وتصفية أذهانهم، إضافة إلى منحهم رؤية ومعرفة أعمق عن كيفية التواصل مع الآخرين (3). هنا
ثمّة عدة تمارين ومهام مبتكرة وفعّالة يتّبعها المعالج النفسي في عملية العلاج بالكتابة:
- التدوين باستخدام الصور:
يختار الأشخاص في هذه الطريقة صورًا شخصية ويقضون وقتًا في الجلسة يكتبون أجوبة على سلسلة من الأسئلة عن هذه الصور مثل: ما المشاعر التي تنتابك عند النظر إلى هذه الصور؟ أو ماذا توّد أن تقول لهؤلاء الناس أو الأماكن أو الأشياء الموجودة في هذه الصور؟ (2)
- كتابة الرسائل:
يُطلب من الأشخاص الذين يخضعون للعلاج في هذه الجلسة أن يكتبوا رسالة إلى شخص ما يتناولون الحديث فيها عن مواضيع ومشاكل عديدة يعانون منها؛ يمكن أن يخاطبوا في هذه الرسالة أناسًا يكونون على معرفة بهم، ويمكن أن تكون موجهة لأشخاصٍ قد فقدوهم؛ إذ يمكن للمريض أن يكتب رسالة مخاطبًا فيها أحدًا متوفى من والديه ويخبره بها عن المصاعب التي يمر بها (2).
- الكتابة عن مواضيع عامة خلال مدة زمنية معينة:
وهي طريقة جيدة تُستخدم مع الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في التركيز على أفكارهم؛ إذ يختار كلٌّ من المعالج والمريض موضوعًا عامًا وبعدها يبدأ المريض الكتابة عنه خلال مدة زمنية قصيرة تتراوح بين 5-10 دقائق(2).
- إكمال الجمل:
يقدم المعالج في هذه الطريقة سلسلة من الجمل غير الكاملة يتعين على المريض إكمالها بما يراه مناسبًا. يمكن للمعالج أن يقترح جملًا مثل: أكثر ما يقلقني هو.... أو أعاني من مشاكل في النوم عندما.... أو من أكثر الذكريات التي تشعرني بالسعادة هي...(2)
قائمة 100 شيء:
يطلب المعالج من الشخص المريض أن يعدد 100 شيء مرتبط بفكرة أو موضوع ما. من المحتمل أن يتكرر ذكر بعض الأشياء في أثناء السرد وعندها سينظر كل من المعالج والمريض بأمرها ويناقشانها معًا. أمثلة على هذه: " 100 شيء يجعلني تعيسًا، أو 100 سبب يجعلني أستيقظ في الصباح أو 100 شيء أحبه أو 100 شيء أودّ أن أقوم به في حياتي. (2)
إذا كنت تجد مسألة الكتابة أمرًا صعبًا، فإليك هذه النصائحَ لكي تصبح هذه العملية أسهل بالنسبة إليك:
1 - اختر صيغة التدوين الأنسب لك. فقد تفضل التدوين التقليدي باستخدام دفتر مذكرات أو تميل نحو التدوين الإلكتروني .
2 – حدد هدفًا تكتب لأجله وخصص له وقتًا كل يوم.
3 - حدد مسبقًا الوقت والمكان اللذين ستكرسهما للكتابة كل يوم.
4 – ابدأ بكتابة ما يستهويك وما يغذي لديك الرغبة للتدوين لاحقًا (1).
أما الآن فلا بد أن نقف قليلًا ونتأمل ما أنتجه عظماء الأدب من شعراء وكتّاب عبر التاريخ عندها سندرك أنّ هذه الأعمال كفيلة بأن توضح لنا القدرة الكبيرة التي تتمتع بها الكتابة في تفريغ الشحنات السلبية وتطهير النفس من كل آهاتها واضطراباتها. فلا ضير إذًا من تخصيص بضع دقائق كل يوم للتعبير عن ما بداخلك عند ضيقك ستكون تجربة تستحق المحاولة (1).
المصادر: