بكتيريا مصنّعة مخبريًّا
البيولوجيا والتطوّر >>>> الأحياء الدقيقة
حقَّق الباحثون في مجال البيولوجيا التخليقية نجاحًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، خاصةً مع تطور التقنيات والأدوات المستخدمة، ويعدُّ تصنيع بكتيريا من الصفر إنجازًا هائلًا في هذا المجال..
قد يبدو العنوان غريبًا بعض الشيء أو عنوانًا لإحدى قصص الخيال العلمي، لكن قبل حوالي عشر سنوات تمكن فريق من الباحثين على رأسهم كريغ فنتر Craig Venter من اصطناع أول بكتيريا من الصفر، بتكلفة بلغت حوالي الأربعين مليون دولار (5)، لتصبح بذلك أول فرد في عالم البيولوجيا التخليقيةsynthetic biology.(1)
يعود أصل هذا المشروع إلى عام 1995، حين فكَّ فنتر وفريقه شيفرةَ جينوم Mycoplasma genitalium، إذ يعد جينوم هذه البكتيريا من أصغر جينومات الكائنات الخلوية، وتعرَّف الباحثون على المورثات غير الأساسية لحياة هذه البكتيريا. والخطوة المهمة التالية ما حدث عام 2007، حين أخذ الفريق جينومَ Mycoplasma mycoides وزرعوه في خلية Mycoplasma capricolum مغيرين بذلك Mycoplasma capricolum إلى Mycoplasma mycoides بنجاح (1).
الخطوة التالية لتحقيق هذا الإنجاز تكللت بالنجاح أيضًا؛ إذ تمكّن الفريق من اصطناع جينوم Mycoplasma genitalium كيميائيًّا في المخبر كاملًا وتنسيله في خلية حية، والعقبة الوحيدة التي واجهت الفريق هي زمن التضاعف الطويل لهذه البكتيريا (حوالي 16 ساعة)، ما يعني أنّ أي تجربة قد تستغرق أسابيع لتُنجز، ما أجبر الباحثين على استبدال M. mycoides. بهذه البكتريا، وسُميت هذه البكتيريا (1,2) Mycoplasma mycoides JCVI-syn1.0.
وفي عام 2016 نشر الباحثون نتائجَ أبحاثهم لتطوير النسخة الأولية التي صنعوها، إذ قادت الأبحاث المتتالية إلى تقليص جينوم هذه البكتيريا من 1079 ألف زوج نكليوتيدي إلى حوالي 531 ألف زوج نكليوتيدي متضمنةً 473 مورثة (للمقارنة، فإن جينوم Escherichia coli يحوي حوالي 5000 مورثة)، وبهذا تكون هذه البكتيريا صاحبةََ أصغر جينوم بين الكائنات الحية الذاتية الانقسام (قادرة على العيش والتكاثر دون الاعتماد على غيرها كالفيروسات مثلًا) في الطبيعة، وعلى غير المتوقع فإن 149 مورثة من أصل 473 منها بقيت غير معروفة الوظيفة البيولوجية، وسُميت هذه البكتيريا JCVI-syn3.0، ويبلغ زمن تضاعف JCVI-syn3.0 ثلاث ساعات مقارنة بحوالي الساعة لبكتيريا JCVI-syn1.0، وتشبه مستعمراتها مورفولوجيًّا مستعمرات JCVI-syn1.0 لكنّها أصغر حجمًا (2).
ولم تتوقف الدراسات الساعية للحصول على أصغر عدد ممكن من المورثات التي لا يمكن للخلية أن تحيا بأقل منه، ففي العام ذاته تعرّف الباحثون على وظيفة بعض هذه المورثات غير معروفة الوظيفة مقلصين عدد المورثات مجهولة الوظيفة من 149 إلى 91 (3).
وفي دراسة لاحقة الهدف منها إضعاف M. mycoides اقتطع الباحثون حوالي 10% من جينوم Mycoplasma mycoides subspecies capri (الأساس الذي بُني JCVI-syn3.0 عليه)، متضمنةً 68 مورثة من تلك الداخلة في تركيب JCVI-syn3.0 ما أدى إلى إضعاف فوعة هذه الجراثيم (قدرتها الإمراضية) ولم يؤثر في زمن تضاعف البكتيريا الذي كان من المعتقد أنه سيزداد، وقد تفيد هذه الأبحاث في مجال تطوير لقاحات اعتمادًا على كائنات موهنة (مضعفة القدرة الإمراضية) (4).
يأمل الباحثون عبر إجراء هذه الأبحاث أن يتمكنوا من فهم بداية حياة البكتيريا وتطويرها والتلاعب بخصائصها كما يشاؤون.
المصادر: