كائنات تعيش في اكثر الأماكن عدائية للحياة - الجزء الثاني
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
إننا نعيش في عالمٍ من التنوع، بأصناف من الكائنات أكثر من أن نستطيع عدها، ولا شيء يُساعد على فهم هذه الكائنات و تنوعها مثل نظام تصنيفٍ ممتاز، لذا قبل أن نتحدث عن نظام التصنيف الحديث دعونا نلقي نظرةً على نظام التصنيف القديم..
قسم العلماء الكائنات الحية كلها إلى صنفين أساسين:
1-حقيقيات النوى (Eukaryote)
2-بدائيات النوى (Prokaryote) وتشمل الجراثيم (البكتيريا)
حقيقيات النوى هي كائنات تكون المادة الوراثية في خلاياها مفصولة عن سيتوبلازما الخلية بواسطة الغشاء النووي، وهي أكثر تطوراً من البدائيات، وعلى العكس تكون المادة الوراثية في البدائيات موجودة ضمن السيتوبلازما.
كان هذا التصنيف صحيحاً إلى حدٍّ كبير حتى سبعينيات القرن العشرين حين قرر كارل ويز (Carl Woese) القيام بخطوةٍ مغايرة، حيث قرر تصنيف الكائنات الحية وفقاً للمادة الوراثية نفسها وليس لانفصالها عن السيتوبلازما بالغشاء، فوجد مجموعةً من الخلايا ليس لمادتها الوراثية فاصلٌ عن السيتوبلازما وبينها وبين بدائيات النوى تشابهٌ في التركيب الوراثي، لكنها أيضاً تتشابه مع حقيقيات النوى في المادة الوراثية، فضلاً عن تراكيب وراثيةٍ خاصةٍ بها مما دفعه إلى وضعها في قسمٍ (نطاقٍ) خاص هو العتائق أو البكتيريا القديمة (Archaea) والتي تشكل بمعضهما الكائنات المُحبّة للظروف القاسية (Extremophiles)، علماً أن من الكائنات المحبة للظروف القاسية ما ليس من العتائق، فمثلاً؛ سمكة القطب المتجمد من الفقاريات، ودب الماء من اللافقاريات، و كلاهما من حقيقيات النوى، وبذلك قدمت الكائنات الحية المحبة للظروف القاسية خدماتها إلى علم التصنيف وأعطتنا نظرةً أدق ورؤيةً أشمل إلى ما تكتنزه الطبيعة من كائنات.
لكن الأمر أكثر من مجرد تطوير علم التصنيف، حيث أن معظم التطبيقات والصناعات الحيوية تعتمد على الإنزيمات والتي تعاني من مشكلة ألا وهي تلفها عند التعرض لظروفٍ قاسيةٍ و متطرفةٍ من الحرارة و الضغط و الملوحة، لذا الحل هنا استخدام إنزيمات الكائنات المحبة للظروف المتطرفة والتي تتحمل هذه الظروف.
و أخيراً فإن الخدمة الكبرى التي قدمتها لنا هذه الكائنات هي فيما يخص النظرية المسماة بالتَّبَزُّرُ الشَّامِل (Panspermia) وهي النظرية التي تتحدث عن أنّ أصل الحياة على الأرض يعود لحياةٍ سابقةٍ موجودةٍ على كوكبٍ آخر وانتقلت إلى الأرض بطريقةٍ ما. إن الانتقال إلى الأرض و النجاة من ظروفٍ فضائيةٍ أقل ما يقال عنها أنها شديدة التطرف بحاجةٍ إلى كائنات أقل ما يُعرف عنها أنها محبةٌ للظروف المتطرفة، نذكر منها دب الماء الذي يستطيع التعرض للفضاء الخارجي مباشرةً لمدة عشرة أيام، لذا (وفق النظرية) قد يكون الأخير انتقل من كوكبٍ ما إلى الأرض التي لم تكن تحوي الحياة وحمته خصائصه من ظروف الفضاء الخارجي، كما أن العتائق المسماة (Thermococcus gammatolerans) تتحمل أشد أنواع الإشعاع، وقادرةٌ على وقاية نفسها من الأشعة الكونية في الفضاء، فلن تكون مادتها الوراثية هدفاً سهلاً للتحطم جراء الأشعة، وحتى لو حدث ذلك فإنها قادرةٌ على إعادة تركيب الأجزاء السليمة وتصنيع أجزاء جديدة مكانة المتضررة.
ربما تطرح هذه الاكتشافات تساؤلاتٍ أخرى عن "ما هي الحياة؟"، فقد اعتُبر قبل اكتشاف هذه الكائنات أن الحياة مستحيلةٌ تحت مجموعةٍ من الظروف القاسية، وهذا ما ثبُت عدم صحتهِ بعد اكتشاف الكائنات المحبة للظروف القاسية، وبالتالي فإن فهماً أعمق لأشكالٍ من الحياة قد يقودنا إلى تعديلاتٍ على تعريف الحياة يعطينا في نهاية المطاف تعريفاً جديداً لها: هل هي امتلاك المادة الوراثية (DNA أو RNA)؟ هل هي القدرة على التكاثر؟ التطور؟ هناك الكثير من القصص التي ترويها الطبيعة، لكن لا يسمعها الجميع، يسمعها الساعون وراء العلم فقط، فقصص الكائنات المحبة للظروف المتطرفة والتي سمعناها عن طريق العلم، هذه الكائنات التي تتحمل العيش في النار والجليد وأعمق أعماق المحيطات وبرك الأملاح والمعادن السامة تمتلك قدراتٍ لا يمتلكها حتى سوبر مان!
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا