التقويم هو طريقة من اختراع البشر تمكنهم من تتبع الزمن على مدى فترات طويلة، ومن أبرز وظائفه تتبع المواعيد المتعلقة بالزراعة والمناسبات الدينية والتنبؤ بها، إضافةً إلى وظائف أخرى عديدة.
ولعل الخطوة الأولى والأهم في وضع تقويم جيد هي دراسة الوقت بالنسبة إلى الظواهر الفلكية، فدورة الأرض حول نفسها تمثل اليوم ودورتها حول الشمس تمثل السنة الشمسية وتعادل 365.2422 يومًا، ودورة القمر حول الأرض التي تمثل الشهر القمري تعادل 29.5306 يومًا، وتعادل السنة الشمسية 12.3683 دورة قمرية، فلا يمكننا وضع تقويم جيد دون اكتشاف هذه القيم ومعرفتها (1,5).
أما الخطوة الثانية فهي إيجاد الطريقة الأنسب لجمع كل من الأيام والأشهر والسنوات في تقويم واحد، ومع وجود العديد من المحاولات على مر التاريخ، سنكتفي باستعراض أبرزها وأكثرها علاقةً بتقويماتنا الحالية (1):
التقويم الإسلامي: هو تقويم قمري على نحوٍ كامل ولا يواكب التقويم الشمسي أبدًا، إذ إن مجموع أيام السنة 354 يومًا بفارق قرابة 11 يومًا عن عدد أيام السنة الشمسية، ولا يواكب الفصول أيضًا، فقد يأتي شهر رمضان في فصول مختلفة (5).
التقويم المصري: طوَّر المصريون أقدم تقويم شمسي في التاريخ (3000 ق.م)، فقداعتمدو 12 شهرًا في السنة لكل منها 30 يومًا ما يساوي مجموعه 360 يومًا، إضافة إلى خمسة أيام إضافية في نهاية السنة، ولم يعتمدوا حينها إضافة يوم كبيس كل 4 سنوات (2,5).
التقويم الروماني: كان تقويمًا شمسيًّا-قمريًّا؛ أي يعتمد 10 أشهر قمرية (29- 30) يومًا، يُضاف إليها أشهر وأيام لضمان مواكبته للفصول، وكان يحدث فيه العديد من الأخطاء (5).
تقويم جوليان: نسبة إلى جوليوس سيزر Julius Caesar الجنرال العسكري الروماني. فقد أوعز لعلماء الفلك تعديل التقويم الروماني، واعتُمِد عام 46 ق.م، وألغيَت فيه الحاجة لمواكبة الشهر لدورة القمر، ما أتاح إمكانية اعتماد سنة من 12 شهرًا يكون عدد أيامها قريبًا من عدد أيام السنة الشمسية، فتكونت السنة من 12 شهرًا (30- 31 يومًا) ما عدا شهر شباط بمجموع 365 يومًا مع إضافة يوم كبيس كل 4 سنوات لتصبح 366 يومًا (1,5).
التقويم الغريغوري: وهو التقويم المعتمد حاليًّا، طُوِّر بإيعاز من الأب غريغوري الثالث عشر، وذلك بسبب انزياح التقويم بمقدار 10 أيام عن السنة الشمسية منذ اعتماد تقويم جوليان وحتى عام 1570 م. ولتجنب حدوث مثل هذا الانزياح مستقبلًا، أُجرِي التعديل بإلغاء 3 أيام كبيسة كل 400 سنة (سنشرح ذلك بالتفصيل في فقرة لاحقة)، واعتُمد هذا التقويم في إنجلترا ومستعمراتها في أمريكا (1752 م) واليابان (1873 م) والاتحاد السوفييتي (1918 م) والصين الشيوعية (1949 م)، أما الكنائس الأرثوذوكسية المشرقية فبعضها يرفض التقويم الغريغوري وبعضها يتبعه مع المحافظة على حساب موعد الفصح بالاعتماد على تقويم جوليان (1,5).
التقويم المقترح بعد الثورة الفرنسية: فقد أرادوا استبدال التقويم الحالي لأنه مبني على مواعيد مسيحية وإحلال تقويم يعتمد أسس علمانية صرفة، كألَّا تكون بداية السنة موافقة لميلاد المسيح وألا يكون الأسبوع من 7 أيام بل من 10، ربما كي لا يوافق قصة الخلق التوراتية، واقتُرِح وضع التقويم وضعًا مشابهًا للتقويم المصري القديم؛ 12 شهرًا في السنة لكل منها 30 يومًا؛ ما يساوي مجموعه 360 يومًا إضافة إلى خمسة أيام إضافية في نهاية السنة مع اختلاف إضافة أيام كبيسة لتصبح عندها الأيام الإضافية ستة بدلًا من خمسة، ولكن لم يُعتمَد في النهاية (3).
أما الآن فنسأل عن المعايير التي تجعل من تقويم ما جيدًا وقابلًا للاستخدام، ومن أبرزها حسب E. G. Richards مؤلف كتاب "Mapping Time: The Calendar and Its History":
قابلية التنبؤ بالتواريخ: أي إمكانية الجدولة الزمنية للأحداث المستقبلية، فمثلًا التقويم المعتمد على المراقبة الفلكية بدلًا من الرياضيات لا يمكنه القيام بذلك كالتقويم الإسلامي الذي يعتمد على مراقبة القمر لتحديد نهاية شهر وبداية آخر (4)، فإذا كنت في يوم 27 شعبان ولديك موعد ما في 2 رمضان، لن تعرف إذا كان موعدك بعد أربعة أيام أو خمسة! فالتقويم الجيد يجب أن يعتمد اعتمادًا كليًّا على الحساب الرياضي لتحديد المواعيد (4).
الدقة على المدى الطويل: أي أن يبقى التقويم موافقًا للظواهر الفلكية التي بُنيِ على أساسها، فمثلًا عدد أيام السنة في التقويم يجب أن يكون أقرب ما يمكن لعدد أيام السنة الشمسية 365.2422. فمن دون إضافة يوم كبيس كل أربع سنوات يكون عدد أيام السنة في التقويم 365 أي معدل الخطأ هو يوم كل أربع سنوات تقريبًا، ومع إضافته مرة كل أربع سنوات كما في «تقويم جوليان» تصبح معدل أيام السنة الواحدة 365.25 بمعدل خطأ هو يوم كل 128 سنة، ولأنَّ ذلك أيضًا لم يكن كافيًا فالمعتمد الآن في التقويم الغريغوري هو تخطي (عدم) إضافة اليوم الكبيس 3 مرات كل 400 سنة ليصبح معدل أيام السنة 365.2425 الذي هو قريب جدًّا لعدد أيام السنة الشمسية ما يعطي الأخير تميزًا عن الاثنين السابِقَي الذكر، فحاليًّا لم يُضَف اليوم الكبيس في أعوام 1700 و1800 و1900 بل أُضيفَ في عام 2000، وفي القرون الأربعة القادمة يُفترض ألا تكون سنوات 2100 و2200 و2300 كبيسة على عكس سنة 2400 الكبيسة (4).
البساطة: من المهم أيضًا في التقويم أن يتبع أنموذجًا Pattern متكررًا وبسيطًا، وأحيانًا تسبب الزيادة في الدقة زيادةً في التعقيد، فهنا لكل من العلم والفن دورهما في إيجاد التوازن ما بين الدقة والبساطة؛ فالوصول إلى معدل أيام سنة يطابق عدد أيام السنة الفعلي سينتج عنه الكثير من التعقيدات مثل تحقيق التقويم العبري الذي من إيجابياته أنه يواكب كلًا من دورة القمر والسنة الشمسية في آن واحد ويُدعَى بذلك تقويمًا شمسيًا-قمريًا، فعدد أيام الشهر فيه 29 أو 30 يوم (بمعدل وسطي 29.5) وتكون السنة 12 شهرًا مع ضرورة إضافة شهر ثالث عشر (آذار الأول) كل سنتين أو ثلاث سنوات كي يبقى التقويم مواكبًا للفصول أي للسنة الشمسية، لكن المشكلة فيه أن الأنموذج Pattern الخاص به لا يحقق مبدأ البساطة، فالأنموذج هنا ليس ثابتًا من الأساس (4,5).
وهناك بعض المعايير الأخرى التي يمكن أخذها أيضًا بعين النظر، لكن ما ذُكر كان أبرزها، ومن المؤكد أن هناك العديد من الموجودات في تقويمنا الحالي مبنية على العديد من المعايير السابقة ووجودها ضروري، وهناك بعض الموجودات الأخرى مثل توزيع أيام الأشهر توزيعًا غير منتظم (7 أشهر 31 يومًا، و4 أشهر 30 يومًا، وشباط 28 أو 29 يومًا) التي يصعب تحديد ما إذا كان وجودها بهذا الشكل ضروريًّا أم أنه ليس كذلك، ويستمر اعتماده لأننا معتادون عليه لا أكثر.
المصادر:
1- A Brief History of Time and Calendars [Internet]. Maths History. [cited 10 October 2020]. Available from: هنا 2- J O'Connor and E Robertson. Egyptian mathematics [Internet]. Maths History. 2000 [cited 10 October 2020]. Available from: هنا 3- J O'Connor and E Robertson. Decimal time [Internet]. Maths History. 2005 [cited 10 October 2020]. Available from: هنا 4- Pratt J, Richards E. Mapping Time: The Calendar and Its History. The American Mathematical Monthly. 2000;107(1):92. 5- Pogge R. The Calendar [Internet]. Astronomy.ohio-state.edu. [cited 17 October 2020]. Available from: هنا