على أعتاب لقاح عامٍّ وشاملٍ للإنفلونزا
الكيمياء والصيدلة >>>> لقاحات
فقد وجد الباحثون في دراسة نُشرت في التاسع من آذار-مارس 2020 في صحيفة Annals of Internal Medicine أنَّ جرعة واحدة من لقاح Flu-v أثارت استجابة مناعية أكبر من الدواء الغُفل في تجربة صغيرة تحتوي على 175 متطوعًا. وتقترح هذه النتائج أنّ اللقاح آمنٌ وقد يكون فعّالًا، وسيوصل هذا البحث لقاح Flu-v إلى المراحل النهائية من التجارب السريرية (1).
الإنفلونزا:
الإنفلونزا هو مرض تنفسي حاد يؤثر في الطرق التنفسية العليا أو/و السفلى وينتج عن فيروس الإنفلونزا نمط A أو B عادةً. تنتشر الإنفلونزا باستمرار مسببة انتشار الأوبئة الموسمية في المناطق المعتدلة وأوبئة على مدار السنة في بعض المناطق الإستوائية. تتغيَّر فيروسات الإنفلونزا تغيُّرًا مستمرًا؛ مما يلزم التغيير السنوي في سلالات اللقاح لتتوافق بدرجة أفضل مع سلالات الإنفلونزا المنتشرة حاليًّا على مستوى العالم (2).
أهمية التلقيح ضد الإنفلونزا:
الإنفلونزا هو مرض خطير محتمل يمكن أن يؤدي إلى دخول المشفى وحتى الموت في بعض الأحيان. يعدُّ كلُّ موسم إنفلونزا مختلفًا ويمكن أن تؤثِّر عدوى الإنفلونزا في الأشخاص تأثيرًا مختلفًا؛ إذ يصاب ملايين الأشخاص بالإنفلونزا سنويًّا، ويُنقل مئات الآلاف من الأشخاص إلى المشفى، ويموت الآلاف إلى عشرات الآلاف من الأشخاص لأسباب تتعلق بالإنفلونزا كلَّ عام؛ ولذلك فإنَّ لقاح الإنفلونزا الموسمي السنوي أفضل طريقة للمساعدة في الحماية من الإنفلونزا. وقد ثبُتَ أنَّ اللقاح له عديدٌ من الفوائد بما في ذلك الحد من خطر الإصابة بأمراض الإنفلونزا، والدخول إلى المشفى وحتى خطر الوفاة المرتبطة بالإنفلونزا عند الأطفال (3).
آلية عمل لقاحات الإنفلونزا الحالية:
تحفِّز لقاحات الإنفلونزا تطوُّر الأضداد في الجسم بعد أسبوعين تقريبًا من التلقيح، مما يوفِّر حماية ضد العدوى بالفيروسات المستخدمة في صنع اللقاح.
إنَّ لقاح الإنفلونزا الموسمية يحمي من فيروسات الإنفلونزا التي تشير الأبحاث إلى أنَّها ستكون الأكثر شيوعًا خلال الموسم القادم. وتحمي معظم لقاحات الإنفلونزا في الولايات المتحدة من أربعة فيروسات إنفلونزا مختلفة -تدعى رباعية التكافؤ Quadrivalent-؛ وهم فيروس الإنفلونزا A (H1N1)، فيروس الإنفلونزا A (H3N2)، وفيروسَي الإنفلونزا B. هناك أيضًا بعض لقاحات الإنفلونزا التي تحمي من ثلاثة فيروسات إنفلونزا مختلفة -تدعى ثلاثية التكافؤ Trivalent-؛ وهم فيروس الإنفلونزا A (H1N1)، فيروس الإنفلونزا A (H3N2)، وفيروس إنفلونزا B واحد. صُمِّم اثنين من اللقاحات ثلاثية التكافؤ خصيصًا للأشخاص البالغين من العمر 65 عامًا أو أكثر لخلق استجابة مناعية أقوى (3).
الأشخاص المعرَّضون لخطر الإصابة بمضاعفات الإنفلونزا:
هم الأشخاص البالغون فوق 65 عامًا وأكثر والنساء الحوامل ومرضى السكري والمصابون بفيروس نقص المناعة البشري HIV أو الإيدز والأطفال اليافعون ومرضى السرطان ومرضى الربو ومرضى القلب والسكتة الدماغية والأطفال الذين يعانون من أمراض عصبية (4).
تحدّيات تطوير لقاح للإنفلونزا:
بسبب التغيُّر المستمر لفيروسات الإنفلونزا المنتشرة، تُغيَّر سلالات لقاحات الإنفلونزا سنويًّا (لكل من نصفي الكرة الشمالي والجنوبي) لتتناسب على نحو أفضل مع سلالات الفيروس المنتشرة حاليًّا (2).
وعلى الرغم من أن لقاحات الإنفلونزا المرخصة حاليًّا فعالة عند الشباب الأصحاء، فإنّ عديدًا من التحدّيات ما تزال قائمة وهي تشمل الاعتماد على البيوض الملقحة (embryonated eggs) في إنتاج اللقاحات والجدول الزمني الطويل لإنتاجهم والحاجة إلى لقاح سنويٍّ وظهور فيروسات ذات مستضدات جديدة، بالإضافة إلى الحاجة إلى تحسين الاستجابة المناعية للقاح عند كبار السن (5).
إنتاج لقاح عام وشامل للإنفلونزا:
من المحتمل أن تتغلَّب لقاحات الجيل القادم التي تستخدم الخلايا التائية على محدودية لقاحات الإنفلونزا الحالية، والتي تعتمد على الأضداد لتوفِّر حماية محدودة ونوعية لنوع فرعي معين والتي قد تكون عرضة أيضًا لعدم تطابق المستضدات مع السلالات المنتشرة. تظهر الأدلة من النماذج الحيوانية أنَّ الخلايا التائية يمكن أن توفر حماية غير متجانسة حاسمة في السيطرة المناعية على عدوى فيروس الإنفلونزا. وقد أعطى هذا أملًا في تصميم لقاح عام وشامل قادر على التصدّي لسلالات وأنواع مختلفة من فيروس الإنفلونزا (6).
ومع ذلك توجد عوائق عدة يجب تخطيها لتصنيع لقاح عام وشامل يعتمد على الخلايا التائية، وحاجة إلى مزيد من الفهم للبيانات السريرية البشرية في أثناء العدوى الطبيعية؛ للتحقق من الدور الوقائي الذي تؤديه الخلايا التائية في أثناء العدوى في غياب الأضداد. علاوة على ذلك، تبقى هناك أسئلة أساسية تتعلق بالموقع الجغرافي والعمر والمدة والكمية والنمط الظاهري للخلايا التائية اللازمة للحماية المثلى (6).
أمل جديد في تصنيع لقاح عام وشامل للإنفلونزا:
وجد الباحثون في دراسة نُشرت يوم الاثنين في التاسع من آذار2020 في صحيفة Annals of Internal Medicine أن جرعة واحدة من لقاح Flu-v أثارت استجابة مناعية أكبر من الدواء الغُفل في تجربة صغيرة تحتوي على 175 متطوعًا. وتقترح هذه النتائج أنّ اللقاح آمنٌ وقد يكون فعّالاً، وسيوصل هذا البحث لقاح Flu-v إلى المراحل النهائية من التجارب السريرية (1).
قال الدكتور Amesh Adalja اختصاصي الأمراض المُعدية وكبير الباحثين في Johns Hopkins Center for Health Security in Baltimore -والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة-: "نحن على أعتاب لقاح عام وشامل للإنفلونزا. لقد كانت نكتة منذ وقت طويل أنَّ لقاح الإنفلونزا العام والشامل دائمًا على بُعد خمس سنوات، ولكن أعتقد هذه المرة أنه سيأتي حقًا في غضون السنوات الخمس المقبلة" (1).
على الرغم من أن لقاح الإنفلونزا الموسمي ينقذ أرواحًا بالتأكيد، فإنَّه دون المستوى المطلوب. في الواقع، يبدأ كل موسم إنفلونزا مع سباق للتنبؤ بخصائص سلالات الإنفلونزا المتزايدة وتطوير لقاحات تمنع العدوى واسعة الانتشار. تُعدّ هذه العملية طويلة ومكلفة؛ لأن اللقاحات تُصنَّع بعناء باستخدام البيض أو الخطوط الخلوية، ولأنّ منظمة الصحة العالمية WHO تنشر معلومات عن السلالات المحتملة قبل أشهر فحسب من موسم الإنفلونزا القادمة. يمكن أن يؤدي هذا إلى نقص في اللقاحات على نحو متكرر، وحتى عندما يكون هناك ما يكفي منه يمكن للفيروس ألّا يُبدي أي اعتبار للجهود المبذولة في الحصول عليه وأن يتطفر في أثناء موسم العدوى؛ مما يجعل اللقاح بلا فائدة تمامًا (1).
وقالت المؤلفة المساعدة في الدراسة Olga Pleguezuelos والمديرة العلمية في شركة Seek (شركة اكتشاف الأدوية التي تطوِّر لقاح Flu-v): "إن تصنيع لقاح الإنفلونزا الموسمية أمر شاق؛ وهذا يحدُّ من عدد الجرعات المتاحة سنويًّا. كما أنّ الجدول الزمني ضيق للغاية حتى يكون اللقاح متاحًا قبل بدء موسم الإنفلونزا، مما يضع ضغطًا كبيرًا على الخدمات الصحية؛ لأنّ عليهم التأكّد من أنّ المرضى سيتلقّون اللقاح في فترة شهرين أو ثلاثة" (1).
لذلك يُعدُّ Flu-v بديلًا واعدًا ومُرشحًا ليكون لقاح الإنفلونزا الشامل الذي طال انتظاره؛ فهو مصمم لاستهداف مناطق من الفيروس مشتركة بين سلالات متعددة منه ومن غير المحتمل أن يحصل فيها طفرة. وأضافتPleguezuelos أنّ عملية التصنيع صنعية بالكامل لذلك لا يوجد قيود على حجم الإنتاج بالمقارنة مع اللقاحات الموسمية التي تُنتج باستخدام البيوض أو الخطوط الخلوية (1).
لقد أظهر مالايقل عن أربع تجارب سابقة أمان اللقاح. وقد أُجريت دراسة جديدة من دراسات الطور الثاني -أولى تجارب اللقاح على البشر- (1) لمقارنة أمان اللقاح وقدرته على تفعيل جهاز المناعة ودراسة فعالية أشكال وجرعات مختلفة من الـFlu-v مقارنة بالدواء الغفل. وقد كانت هذه الدراسة مُعشّاة ومزدوجة التعمية ومضبوطة بشاهد، وأُجريت في مركز واحد في هولندا بمشاركة 175 متطوعًا تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عامًا (7). وأشارت إلى أن Flu-v يزيد إنتاج الأضداد في الجسم، لكن ما لم يُحدَّد إلى الآن هو فعالية هذه الأضداد في منع الإصابة بالإنفلونزا وكيف سيعمل اللقاح ضد الإنفلونزا في الواقع، وهذه هي الخطوة التالية التي ستُدرس في المرحلة الأخيرة من تجارب الطور الثالث السريرية (1).
اللقاحات الأخرى المحتملة التي يجري العمل عليها حاليًّا:
هناك عديدٌ من اللقاحات الأخرى المرشحة لتكون لقاحات شاملة للإنفلونزا وهي قيد التطوير. فمثلًا بدأ المعهد الوطني الأمريكي لأمراض الحساسية والأمراض المعدية (NIAID) أوَّل تجربة له على البشر للقاحٍ عام وشامل مختلف للإنفلونزا في عام 2019. وتجري شركة BiondVax تجارب المرحلة الثالثة من لقاح عام وشامل للإنفلونزا معروف باسم M-001، وقد تضمنت هذه الدراسة أكثر من 12000 شخصًا، ومن المتوقع ظهور النتائج في نهاية عام 2020 وفقًا لتصريحات الشركة (1).
المصادر:
2- Influenza vaccines [Internet]. World Health Organization. 2020 [cited 18 April 2020]. Available from: هنا
3- Key Facts About Seasonal Flu Vaccine [Internet]. Centers for Disease Control and Prevention. 2020 [cited 18 April 2020]. Available from: هنا
4- People at High Risk of Flu [Internet]. Centers for Disease Control and Prevention. 2020 [cited 18 April 2020]. Available from: هنا
5- Houser, Katherine, and Kanta Subbarao. “Influenza vaccines: challenges and solutions.” Cell host & microbe vol. 17,3 (2015): 295-300. Doi: هنا
6- Clemens EB, van de Sandt C, Wong SS, Wakim LM, Valkenburg SA. Harnessing the Power of T Cells: The Promising Hope for a Universal Influenza Vaccine. Vaccines (Basel). 2018;6(2):18. Published 2018 Mar 26. doi: هنا
7- Pleguezuelos O, Dille J, de Groen S, et al. Immunogenicity, Safety, and Efficacy of a Standalone Universal Influenza Vaccine, FLU-v, in Healthy Adults: A Randomized Clinical Trial. Ann Intern Med. 2020;172:453–462. [Epub ahead of print 10 March 2020]. doi: هنا