الاضطراب التحويلي: قفزة غامضة من العقل إلى الجسد
الطب >>>> مقالات طبية
إن الضغوطات التي لا يمكن تحملها من قِبل الفرد تستطيع أن تجد وسيلة مقبولة اجتماعيًّا لتجنب الوضع الصعب، إذ يمكن للاضطراب التحويلي أن يظهر بعدد من الأشكال تتجلى بالرجفان، فقدان القدرة على الكلام، الشلل، الخدر، العمى، الهجمات الشبيهة بالنوب الصرعية (2,3).
لقد كانت ثنائية العقل والجسد قضيَّة جدلية مدة طويلة فقد افترض رينيه ديكارت في القرن السابع عشر أن كلًّا من العقل والجسد مادتان مميزتان لا يمكن أن تؤثر إحداهما في الأخرى، فالجسد يخضع لقوانين ميكانيكية، والعقل ليس كذلك، حتى جاء سيغموند فرويد في القرن التاسع عشر وافترض أن الصراع اللاواعي يمكن أن يتحول إلى شكاوى جسدية، وهو أول من صاغ مصطلح الاضطراب التحويلي أو ما يعرف بالـ"هيستريا" (1).
من الممكن للنزاعات التي تشغل حيزًا من تفكير الإنسان أن تؤثر في صحته الجسدية كما افترض فرويد، فمثلًا إساءة المعاملة في الطفولة، وتحديدًا الاستغلال الجنسي من شأنها أن تُحرِّض اضطرابًا تحويليًّا على شكل نوبات (4).
وتُسهم الأحداث التي تتضمن رؤية المستغل السابق للضحايا في ذلك، إضافة إلى إنهاء الحمل وضغوطات الزواج والعلاقة مع الشريك -هذا فيما يخص النساء-.
أما الرجال يمكن أن تؤدي ضغوطات العمل والمشكلات مع الآخرين إلى حدوث الاضطراب التحويلي (4).
حسب الدراسات يكون الاضطراب التحويلي أشيع عند النساء المتزوجات مع وجود تاريخ عائلي لاضطراب نفسي (5)، وفي دراسة أجريت على 100 مريض -كان اختيارهم عشوائيًّا من العيادة النفسية- لوحظ لدى 24 مريضًا منهم أعراض عصبية غير مفسرة (1).
إن عملية تحويل الضغوطات النفسية إلى أعراض جسدية يُدعى بالـ"الكسب الأولي" كما افترض فرويد، ثم إن التغييرات الجسدية من شأنها أن تخفف من الضغوطات النفسية، وذلك بتغيير ظروف الفرد بصفتها نوعًا من التفريغ ودُعِيَ ذلك بالـ"الكسب الثانوي" (4).
قد نتساءل؛ ما الآلية التي تؤدي إلى حدوث مثل هذه الأعراض، وهل المرضى يزيفون الأعراض تبعًا لأرضية المشكلة النفسية؟
في الحقيقة إن المرضى لا يزيفون الأعراض فأعراضهم حقيقية (1)، وتُعزى الآلية عزوًا أساسيًّا إلى أن العواطف غير الطبيعية والتحكم بالذاكرة مرتبطان بالتبدلات في التخطيط الحركي، فقد كشفت بيانات الرنين المغناطيسي خلال استدعاء الأحداث الصادمة عن النتائج الآتية:
1. آلية قمع الذاكرة، إذ تقمع مناطق من الفص الجبهي من الدماغ الذكرى غير المرغوبة المتواسطة بواسطة الحصين (وهو المسؤول عن تخرين الذكريات)، وذلك يُدعى بنموذج التفكير بعدم التفكير.
2. يزداد نشاط المناطق المسببة لأعراض الاضطراب التحويلي بالتزامن مع قمع الذاكرة، كزيادة نشاط (المنطقة الحركية الإضافية) الموجودة في القشرة الدماغية، ومن تدهور القدرة على التخطيط للحركة الأمر الذي يتشابه مع الشلل الوظيفي الذي نراه في الاضطراب التحويلي.
3. يصبح المرضى أكثر عرضة للإثارة العاطفية عند التذكير بالأحداث الصادمة، وهذه الإثارة قد تعدل الوظيفة الحركية، ويُعزى ذلك إلى انخفاض نشاط المناطق المسؤولة عن تثبيط الأنماط غير المرغوبة من المشاعر، وتعزيز الاتصال بين (المنطقة الحركية الإضافية) و(اللوزة الدماغية) التي تشارك في عملية الشعور(3).
تشخيص الاضطراب التحويلي وعلاجه ليس بالأمر السهل، فعديد من المرضى الذين يختبرون الاضطراب التحويلي غير قادرين على فهم الصراع الداخلي لديهم الذي ربما يحدث في مستوى غير واع، وعلى الرغم من ذلك يستطيع المرضى الوصول إلى الحل بمجرد تعرفهم إلى الرابط بين ذلك الصراع والأعراض الجسدية.
لذلك يستند التدبير إلى العلاج النفسي في المقام الأول الذي يشمل التدريب على الاسترخاء، وتحسين القدرة على التواصل تواصلًا مريحًا مع الآخرين، وربما اللجوء إلى بعض الإجراءات غير التقليدية كالتنويم المغناطيسي، وكذا التدخل السلوكي الهادف إلى تحسين احترام الذات.
ويمكن أن يكون للعلاج الفيزيائي دور في حالات الشلل الوظيفي التي نراها في الاضطراب التحويلي، وذلك لتقوية العضلات الضعيفة، والتأقلم مع العودة إلى المشي مجددًا.
ويُعدُّ استخدام الأدوية مهمًّا في حال وجود مشكلة نفسية كامنة، مثل أدوية الاكتئاب والقلق (1).
إن المشاعر لا تكذب، فمهما استطعنا التحكم بأفكارنا غير المرغوبة قد تجد وسيلة للوصول إلى أجسادنا، فالمشاركة والتواصل مع الآخرين والتعبير عن كل ما هو مكبوت قد يكون أحد أدوية الداء.
المصادر: