مغالطة إنكار المقدم Denying the Antecedent Fallacy
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> علم المنطق والأبستمولوجيا
لأن الحوار أصبح النهج المُتَّبَع في عالمٍ أساسه التواصل وغايته الإقناع؛ تصبح الحجة وسيلتَه، ولكن يقع كثيرٌ من المحاورين في مغالطاتٍ منطقيةٍ في أثناء تقديمهم الحجج إما جهلًا وإما عمدًا بهدف تضليل المتلقّي وخداعه بصحة الحجة الخاطئة. نقدم لكم سلسلة المغالطات المنطقية.
تحدث مغالطة إنكار المقدم في القضية الشرطية، وهي العبارة التي تضع شرطًا يسمى المقدم (Antecedent) ثم تمضي في التالي (Consequent) لتتحدث عما يلزم عن هذا الشرط ليصبح صحيحًا. وفي مغالطة إنكار المقدم تكون هناك عبارة شرطية في المقدمة الأولى، ثم تنكر المقدمة الثانية شرط هذه العبارة الشرطية، ومن هنا تمضي لإلغاء القضية برمتها. فمثلًا:
إذا كنت نائمًا فإن عينيَّ تكونان مغلقتين (مقدمة أولى)
أنا لست نائمًا (مقدمة ثانية)
إذًا، عيناي ليستا مغمضتين (النتيجة)
تمثل عبارة "كنت نائمًا" المقدم، وعبارة "عيناي ستكونان مغلقتين" التالي (1)
وتتخذ هذه المغالطة الشكل المنطقي الآتي:
إذا كانت أ صحيحة فإن ب صحيحة
إن لم توجد أ فليس هناك وجود ل ب...
ولكنّ هذا الحجة غير صحيحة؛ لأن صدق المقدمات لا يضمن بالضرورة صدق النتيجة ضمانًا مطلقًا في هذه الحالة؛ إذ يُمكن أن أغلق عينيّ وأنا في يقظة تامة (1).
حجة إنكار المقدم هي في الحقيقة صورةٌ مغلوطةٌ لحجةٍ منطقيةٍ صحيحةٍ تُعرف باسم إنكار التالي، التي تتخذ الصيغة الآتية:
إذا حدث أ فسيحدث ب
لم تحدث ب
إذن، لم تحدث أ (2).
تمثل أ المقدم، وتمثل ب التالي.
وكمثال على الحجة الصحيحة ما يلي:
إذا كنت تفكر في عملك فإنّك تفكر (المقدمة الأولى)
أنت لا تفكر (المقدمة الثانية)
إذن، أنت لا تفكر في عملك. (النتيجة)
لاحظ أن الحجة صحيحة؛ لأن صحة المقدمات يضمن صدق النتيجة ضمانًا مطلقًا. فإذا لم يفكر المرء في أي شيء، فإنه لن يفكر في العمل. أمّا في حالة ارتكاب مغالطة إنكار المقدم، ستصبح الحجة كما يأتي:
إذا كنْت تفكر في عملك فإنك تفكر (المقدمة الأولى)
أنت لا تفكر في عملك (المقدمة الثانية)
إذن، أنت لا تفكر
الحجة في هذه الصيغة حجة غير صالحة؛ لأنَّ المقدمتين -حتى إن كانتا صادقتين- عاجزتان عن ضمان صدق النتيجة صدقًا مطلقًا؛ إذ يمكن أن يفكر المرء في أمور عديدة دون أن يكون العمل من بينها (3).
مثال (1): إذا كان المرء يعاني داء السكري فيجب أن يقلل استهلاك السكّريات فإذا كنت سليماً من داء السكري، إذن لا يجب عليّ تقليل استهلاكي.
قد تبدو الحجة مقنعة لكنّ هناك أسبابًا أخرى قد تمنع المرء من الإفراط في تناول السكر؛ كأن يعاني حساسية اللاكتوز أو اتباعه حميةً غذائية معينة (4).
مثال (2): إذا كان المرء مدخنًا؛ فسيصاب بالسرطان على الأغلب، وأنا لست مدخنًا؛ لذلك لن أصاب بالسرطان.
المصادر:
1- مصطفى، عادل. 2007. المغالطات المنطقية: طبيعتنا الثانية وخبزنا اليومي: فصول في المنطق غير الصوري. الطبعة الثانية. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة. ص 223-224