في كثيرٍ من النقاشات؛ قد يُصادَف العديد من المغالطات في أثناء بناء الحجج، وإنَّ عباراتٍ من قبيل "كل الناس تعرف ذلك" أو "معروفٌ أنَّ هذا صحيح" يجب أن تكون بمنزلة إنذارٍ بوجود مغالطةٍ منطقيةٍ في خلال تقديم الحجة.
تُعرَف هذه المُغالطة باسم «الاحتكام إلى العامة/ أو إلى الأكثرية - Appeal to People/ Majority Fallacy»، وهي مغالَطةٌ منطقيةٌ يُزعمُ بها أنَّ حجةً ما صحيحةٌ فقط لأن كثيرًا من الناس/ أو لأن أغلبية الناس يعتقدون بصحتها دون الاستناد إلى دليل، وعدَّ اتفاق الناس على حجةٍ بذاته دليلًا على صحتها، وذلك عن طريق الاحتكام للموافقة الشعبية أو لرأي الأغلبية في موضوعٍٍ ما، وتُمارَس هذه المغالَطة غالبًا عن طريق إثارة مشاعر الجماهير وحماسها بدلًا من بناء حجةٍ سليمة، وهي أداةٌ مهمةٌ ومفضَّلةٌ في قِطاع الإعلان ولدى الدوغمائيين* والمهتمين بنشر نوعٍ من البروباغاندا (1,2).
غالبًا لا تكون المقدمات صحيحةً تمامًا في مثل هذه المغالَطات، وحتى إذا كانت صحيحةً بصورةٍ عامة؛ فإن هذه المقدمات تُقدِّم دعمًا ضئيلًا جدًا للنتائج التي تُعتَمدُ بناءً عليها، بدلًا من ذلك؛ تُستخدَم الموافقة الشعبية للاحتكام بصحة الحجة (1).
مثال (1): كثير من الناس يُزوِّجون الفتيات الصغيرات ويؤيدون ذلك، إذن زواج القاصرات هو فعلٌ صحيح.
يمكن رصد ثلاثة أنواعٍ مختلفةٍ لهذه المغالَطة:
(نهج عربة السيرك - Bandwagon Approach): يؤكِّد هذا النهج أنه بما أنَّ أغلبية الناس يؤمنون بشيءٍ ما أو يختارون مسارًا معينًا، فيجب أنْ يكون الافتراض صحيحًا أو أن يُعدَّ الخِيارَ الأفضل، وهذا أكثر الأنواع شيوعًا عن المغالَطة (2,3). مثلًا: يمكن للمغالِط القول "إنَّ العديد من الناس يعتقدون بأنَّ البرمجة اللغوية العصبية علمٌ"، ولكن هذا الاعتقاد لا يعني أنها تُصنَّف بين العلوم أساسًا، فالقبول الشعبي لأي حجةٍ لا يُثبت أنها صحيحة، لا سيما أنه لا يجب نسيان حقيقة أنَّ أغلبية الناس اعتقدوا ذات مرةٍ أنَّ كوكب الأرض مُسطَّح، لكنَّ اعتقاد الأغلبية هذا لا يعني أبدًا أنَّ الأرض كانت مُسطَّحةً حقًا عندما اعتقدوا ذلك.
(منهج الوطنية - Patriotic Approach): يؤكِّد هذا النوع من المغالَطات أنَّ موقفًا معينًا صحيحٌ لأنه وطنيٌّ بصورةٍ ما، وأنَّ أولئك الذين يختلفون غير وطنيين. إنَّ أفضل وسيلةٍ لاكتشاف هذا النوع هي الانتباه لمصطلحاتٍ مشحونةٍ عاطفيًا مثل: الأمة وتراب الوطن وما إلى ذلك (2).
(منهج التكبُّر - Snob Approach): هذا النهج لا يتبنَّى فكرة أنَّ "الجميع يفعل ذلك"، بل "أنَّ أفضل الناس أو قلةً قليلةً من المتميزين أو النخبة يفعلون ذلك" (2)، فعلى سبيل المثال: يمكن أن نشاهد إعلانًا عن العطور تظهر فيه فنانةٌ مشهورةٌ ترتدي ملابسَ فاخرةً ومجوهراتٍ باهظة الثمن، وينال هكذا نوع من الإعلانات إعجاب (المتكبر الداخلي) في داخلنا تجاه ما يُعدُّ (النخبة) من خلال الإشارة إلى أنَّ المرأة التي تضع هذا العطر ستكون بنفس القدر من الجمال في المظهر.
في كل هذه المناهج الثلاثة؛ لا يقدِّم الخطاب دليلًا على صحة الحجة؛ لكنه يقدِّم تأكيداتٍ عن الأشخاص الذين يوافقون الحجة أو يختلفون معها فحسب دون النظر إلى بنية الحجة نفسها (2).
مثال (2): "أنا أستعمل بعض زيت (الأوريغانو) لتخفيف وزني، لأن كثيرًا من الناس نصحوا به."
مثال (3): "ملايين الناس مقتنعون بأنَّ الاحتباس الحراري كذبةٌ مُضخَّمة، لهذا لا أؤمن بوجوده."
*الدوغمائية: التعصُّب لفكرةٍ معينةٍ مع عدم الرغبة للاستماع للرأي الآخر الذي يناقضها أو قبوله (4).
المصادر:
1. Hansen H. Fallacies [Internet]. Stanford Encyclopedia of Philosophy. Stanford University; 2015. (10. The fallacy Ad Populum) Available from: هنا
2. مصطفى، عادل. (2007). المغالطات المنطقية. (ط1). القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة ص97-106
3. Fallacies [Internet]. The Writing Center, University of North Carolina at Chapel Hill. Available from: هنا
4. MALMIR M, KHANAHMADI M, FARHUD D. Dogmatism and Happiness. Iranian Journal of Public Health [Internet]. 2017 [cited 25 January 2021];46(3):326–332. Available from: هنا