مراجعة رواية: (الوباء): سلالة السنديان بين التمائم والشيوعية
كتاب >>>> روايات ومقالات
مع انتهاء حقبة الاحتلال العُثماني تنامى الإحساس الثوري لدى أهالي القرية، وبدؤوا يتمردون على الحكم الإقطاعي الجائر وازدادت قوتهم مع نيل سوريا الاستقلال بعد خروج الفرنسيين منها، ويولد الحلم الوردي بإيجاد دولة تنصر المظلوم وتضع القانون لإحلال العدل. يُركز الكاتب على أجيال عائلة السنديان وصولًا إلى الجيل الثالث منها جيل اسماعيل السنديان السليل المباشر للجد، وقريبه الشيخ عبد الهادي الذي اعتكف في القرية وامتنع عن مُخالطة الآخرين خوفًا من إفساد حياة أبنائه، وابن عمه أحمد عبد الجواد الذي امتهن الخياطة في محل صغير في المدينة ثم عاد إلى القرية لتكون قدره ويكون الشيخ أحمد كما كان في الماضي الجد الأكبر للعائلة الشيخ سنديان.
تنتقل الأحداث في القسم الثاني من الرواية إلى مدينة اللاذقية في خمسينات القرن العشرين ويسرد الكاتب بتفصيل حياة ثلاثة أخوة بقوا من عائلة الشيخ أحمد عبد الجواد هم خولة وعبسي وشداد. تتباعد مسارات حياتهم أحيانًا وتعود للتقاطع أحيانًا أخرى. يهجر الأخوة القرية مع من تبقى من عائلة السنديان ويتركون العمل في الزراعة إلى العمل في مهن أخرى تناسب العصر والتحول الذي صارت عليه البلاد.
خولة تكمل مسيرة والدها إذ تعمل في الخياطة، وتخيط لأهم سيدات المُجتمع المخملي، أما عبسي فيصبح ضابطًا على مستوى رفيع في الدولة، أما شداد فيعتنق الأفكار الشيوعية قولًا وفعلًا. هذا التناقض بين الأخوين يظهر جليّاً في حواراتهم التي تتحول إلى ما يشبه المعارك. يصل شداد إلى واقع يدخل فيه إلى السجن لإعادة تنظيم أفكاره وفق تعبير الكاتب، ويزداد عبسي مالًا وثراءً ومرتبةً، وتفشل محاولات خولة في التوفيق بينهما على الدوام.
تحمل الرواية أبعادًا سياسية وأيديولوجية واضحة تظهر في شخصيتي الأخوين شداد وعبسي، فشداد يمثل الشعب الذي طالما كانت طموحاته التخلص من الإقطاع والظُلم والفقر وسيادة القانون والعدالة والديموقراطية. ويستعرض شداد النضال ضد الإقطاعيين الجُدد الذين استغلوا طموحات الشعب، إذ كانوا ينادون بالأفكار الاشتراكية من جهة وكانت ثرواتهم تزداد كل صباح من خلال صفقات وأعمال مشبوهة تطال لقمة المواطنين من جهة أخرى. ويبرز شداد فعالية القبضة الأمنية التي كانت بالمرصاد لكل من يحمل تلك الأفكار مهاجمًا بذلك أخاه عبسي الذي يمثل السُّلطة، يدافع الأخير عن نفسه باتهام الناس بقلة الحيلة ورغبتهم بالحياة الرغيدة دون أن يبذلوا أدنى جهد. يظهر تناقضٌ آخر بين السطور في شخصية مريم خضير التي انساقت خلف رغباتها وملذات الجسد وغرقت في أتون السعادة فنبذها الناس خوفًا من كينونتها التي عرفت طريقها الذي اختارته بكامل إرادتها حين كانوا تائهين في حياتهم؛ فكانت المجدلية دون مسيح ينتصر لها وفق الكاتب، أما نقيضها فيتجسد في شخصية أحمد عبد الجواد الذي عاش حياته بتسليم مُطلق للإرادة الإلهية في كل مُصيبة تَحلُّ به، فهو لم يعرف طريقه ولم يُفكر، وإنما كان يترك حياته للقدر كسفينة دون ربان يتقاذفها الموج. كان تسليمه للقضاء والقدر نوعًا من الولاء للعائلة والدين؛ كونه ينتمي لعائلة من الشيوخ.
رأي معد المقال:
يتميَّز هذا العمل بأنه أسقط الضوء على فترة مُهمّة من تاريخ سوريا بين خمسينات وثمانينات القرن الماضي بأسلوب الترميز المُتقن. أدخل الكاتب بعض مُفردات اللهجة العامية ما أضفى على هذا العمل لمسة فريدة وقرَّبت القارئ من البيئة التي تحدثت عنها هذه الرواية.
إلا أن الكاتب سقط في هفوات أبخست من شأن هذا العمل: منها الانتقال بإبهام بين فترات زمنية مُختلفة تُحيّر القارئ، وانتقال الشخصيات من مكان إلى آخر دون توضيح، والسرد المتقطع إذ يبدأ بحدث وينهيه ثم يعود إليه مرة أخرى ليسرده بالتفصيل ما يشوّش القارئ تشويشًا مزعجًا، وكثرة الشخصيات التي تّشتت الأفكار الرئيسية؛ وكونه يتحدث عن أجيال وفروع عديدة من العائلة وأصدقائها يزداد التداخل هنا، أما الهفوة الأخيرة فهي إسهابه في الوصف وتكرار الجمل والعبارات في المقطع الواحد بما لا يغني النص إنما يبعث على الملل.
معلومات الكتاب: