عندما يكون الأبسطُ أفضل؛ «نصل أوكام - Occam's Razor»
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> علم المنطق والأبستمولوجيا
ترجع تسمية «مبدأ نصل أوكام» نسبةً إلى الفيلسوف واللاهوتي "وليام الأوكامي - William of Ockham 1285-1349"، وينص هذا المبدأ على ((ضرورة ألَّا تتعدد الكينونات أو تتكاثر دون ضرورة)). وبعبارةٍ أخرى؛ يجب أن تقدِّم النظريات العلمية أو الفلسفية أقل عددٍ ممكنٍ من أنواع الكينونات. وهناك أيضًا نسخةٌ أشملُ لـ«مبدأ نصل أوكام» لا تركز على عدد الكينونات فحسب، بل على الاقتصاد في التفسير، بمعنى أنه إذا كانت هناك نظريتان متنافستان يمكن لكلتيهما تفسير ظاهرةٍ ما بدقة؛ فإن الأفضلية تكون للنظرية الأبسط، وهكذا يُعرَف هذا المبدأ بـ«مبدأ البساطة - Principle of Simplicity»، وقد صاغه "أوكام" نفسه بصياغاتٍ عدةٍ من بينها: "لا تكثر من افتراض الموجودات بصورةٍ تتعدى الضرورة" (2).
الفكرة باختصار؛ عدم جواز تقديم نظريةٍ مُعقَّدةٍ أو مُتطرفَةٍ إذا كانت هناك نظرياتٌ أبسط يمكنها أن تتعامل مع الظاهرة نفسها (بمعنى أنها تحتوي مكوناتٍ أقل: من جهة عدد المبادئ والكينونات)، فإذا كان التعرض لهواءٍ باردٍ جدًا يمكن أن يفسِّرَ أعراض (قضمة الصقيع - frostbite)؛ فلا حاجة إلى فتراض وجود ميكروباتٍ جليديةٍ لا يمكن ملاحظتها، وإذا كانت (قوانين كبلر) تفسِّر حركة مدارات الكواكب؛ فلا حاجة إلى افتراض وجود كائناتٍ خفيةٍ تتحكم بحركة هذه الكواكب (3).
مثالٌ على ذلك: افترضْ وجودَ مجموعةٍ من الباحثين يسعون إلى معرفة (وحش البحيرة الغاضب) نتيجة إخبارهم بوجود أصواتٍ مريبةٍ ليلًا ناحيةَ البحيرة، وبعد تفحُّصهم صورًا عن البحيرة، وجدوا العديد من ثعالب المياه تقطن تلك البحيرة، وبذلك من الأفضل لهم تطبيق «مبدأ أوكام» في تفسير الظاهرة بأدلةٍ معروفةٍ بدلًا من البحث خارجَ نطاق الظواهر المعروفة واستدعاء كينوناتٍ جديدةٍ لتفسير الظاهرة.
وليس «مبدأ نصل أوكام» زعمًا ميتافيزيقيًّا عن بساطة الكون المطلقة؛ بل مبدأٌ منهجيٌّ فاعل، ولا يشكِّل وجودُ تفسيراتٍ مُعقَّدةٍ أفضل من التفسيرات الأبسط اعتراضًا على جدوى هذا المبدأ؛ لأنه من الحكمة النظر إلى التفسيرات الأبسط أولًا قبل تناول التفسيرات الأكثر تكلُّفًا، فمثلًا: إذا كانت لدينا خمس نقاطٍ على مُخطَّطٍ بيانيٍّ ما، فيمكننا توصيل هذه النقاط معًا بخطٍّ مستقيمٍ على الرغم من إمكانية توصيلها معًا بعددٍ لا متناهٍ من الخطوط المتعرِّجة، لكنَّ أفضل ممارسةٍ علميةٍ عمليةٍ تحتِّم أن نفترض وجود علاقةٍ خطيةٍ بين النقاط على الأقل حتى توفِّر بياناتٍ جديدةً (نقاطًا) خارج الخط المستقيم (2).
وأدى «مبدأ أوكام» دورًا مهمًّا في قبول (نظرية كوبرنيكوس) وتفضيلها على (نظرية بطليموس)؛ إذ واجهت (نظرية بطليموس) مشكلة ارتداد حركة الكواكب؛ فحيث تكون هناك كواكبُ معينةٌ تقوم بعكس اتجاه حركتها في الفضاء في أوقاتٍ معينة، وقدَّمتْ حلًّا يفيد ضرورةَ افتراض أن الكواكب تتحرك في دوائرَ حول نقطةٍ معينة، وتتحرك هذه النقطة ذاتها في دائرةٍ حول الأرض؛ وبذلك فإنَّ افتراض وجود دوائرَ كثيرةٍ يعقِّد النظرية، لكن "كوبرنيكوس" قدَّم تفسيرًا أكثر بساطةً دون الحاجة إلى الدوائر المتعددة التي افترضتها (نظرية بطليموس) (4).
لا خلافَ يُذكَر على التطبيقات سالفة الذكر لـ«مبدأ أوكام»، لكن يُثَار الجدل عند الإفراط في التطبيق، فعلى سبيل المثال: رأى أنصار المذهب السلوكي في فلسفة الذهن أنه يمكن تفسير اللغة والسلوك دون الرجوع إلى الحالات الذهنية التي يختبرها الفرد، كالأفكار والمشاعر والنوايا والأحاسيس، فتطبيق «نصل أوكام» ينفي وجود هذه الحالات الذهنية، لأنها لا تقوم بأي دورٍ في تفسير أفعالنا؛ لأنها مجرد نتائجَ جانبيةٍ مصاحبةٍ للعمليات المادية التي تحدث في أدمغتنا وتجعلنا نتصرف بصورةٍ معينة، وفي هذه الحالة لا يُوظَّف «نصل أوكام» لإنكار وجود كينوناتٍ أو حالاتٍ محددة؛ بل إنه يعمل على التمييز بين الحالات التي تقوم بدورٍ في التفسير والحالات الأخرى التي لا تقوم بدورٍ مماثلٍ (2).
ومن ثم؛ فإن تطبيقها يُعدُّ أمرًا جيدًا إذا ما حُدِّدَ تمامًا ما الذي يُعدُّ تفسيرًا بسيطًا وما الذي يُعدُّ تبسيطًا مخلًّا.
المصادر: