مفهوم العقد الاجتماعي عند روسو
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة السياسية
رأى روسو أن الإنسان قبل وجوده في المجتمع المنظم، كان يعيش في حالة فطرية يتساوى فيها جميع الأفراد. وكل منهم يعمل لأن يكفي نفسه بنفسه، والجميع راضون بعيشهم. فالإنسان يخاف فقط من الألم و الجوع. كل ما يعرفه في هذا الكون هو الغذاء والأنثى و النوم
، حيث يقول: "إن همه الوحيد تقريباً هو أن يحفظ ذاته ويكون قلبه في حالة سلام وجسده بصحة جيدة ". كما قال بأن الإنسان في الحالة الطبيعية كان لديه أقران، و لم تكن له الرغبة في إيذائهم. ولم يكن الإنسان الأول محتاجاً للمساعدة أومعونة الآخرين، كما لم يكن وحشا أنانياً كما عند هوبز.
أما الحرب والخوف والأنانية فلم تظهر إلا في حالة المجتمع المدني، لأن الحياة البسيطة المنعزلة الغريزية التلقائية للإنسان الأول لا يمكن أن تتضمن هذه الشرور.
روسو يعتبر العقل نتيجة لتطور الحياة الاقتصادية والصناعية في المجتمع السياسي المنظم، ويعتبر تطوره وبالاً على البشرية ، حيث قضى على سعادة الإنسان عكس ما اعتبر هوبز. فالعقل عند هوبز ولوك هو الوسيلة للانتقال، بينما العقل عند روسو هونتيجة لذلك الانتقال.
صار الإنسان شريراً منذ أن صار كائناً اجتماعياً، فنشب الصراع بين الأغنياء والفقراء، وأصبح الإنسان جشعاً يسعى لتحقيق أغراضه الشخصية، لينتج عن ذلك تفاوت واضح في الملكية الخاصة وفي الحقوق والحريات السياسية بين الناس. كما يقول بأن المجتمع هو الذي أفسد الإنسان وأن الدولة شر أوجده التطور الاقتصادي، ومن أبرز شرورها ظهور عدم المساواة بين الأفراد .
يقول روسو أنه ما دامت الأسرة لا تقوم إلا على الإتفاق الحر، فكذلك الجماعة السياسية لا يمكن تصور وجودها إلا باتفاق الأفراد فيما بينهم على الحياة المشتركة في الجماعة الواحدة. وهذا الاتفاق أوالعقد الاجتماعي، لا يمكن أن يكون صحيحاً إلا بموافقة الإرادات الحرة لجميع أفراد الجماعة. بموجب العقد الاجتماعي يتنازل كل فرد عن حقوقه للمجتمع. وهذا الشرط يطبق على الجميع بالتساوي، من دون أن يعني ذلك أن الأفراد يفقدون حرياتهم وحقوقهم، بل على العكس فهم يستعيضون عنها بحقوق وحريات مدنية تقررها الجماعة المدنية وتتولى الدولة حمايتها. ورأى روسو بأن الأفراد حين يتفقون على إقامة المجتمع المنظم، يتنازلون للمجموع عن حقوقهم في السيادة. أي أن إرادة الفرد تشترك مع إرادة الآخرين في تكوين ما يسمى "الإرادة العامة"، فبعد نشأة الدولة تتمثل الإرادة العامة بإرادة الأغلبية، وعلى الأقلية أن تخضع لإرادة الأغلبية. إن الإرادة العامة هي إرادة الإنسان حين يتجرد عن أهوائه وأنانيته، هي إرادته ككائن أخلاقي يستهدف المصلحة العامة. والشعب هو صاحب الإرادة العامة. عندما يطيع المواطن القوانين فهو يطيع الإرادة العامة، التي هي إرادته و إرادة الجميع. وإذا ثار عليها يجب رده ولو بالقوة.
إن السيادة المشروعة هي سيادة الشعب، التي تتمثل في الإرادة العامة وتستمد وجودها من العقد الاجتماعي. فالسيادة عنده لاتخطئ كونها تمثل إرادة مجموع الشعب، ولا تفوض للنواب. اعتبر روسو أنَّ الديمقراطية المباشرة هي الطريقة الوحيدة الصحيحة للتعبير عن الإرادة العامة حيث يبقى المواطن محافظاً بشكل دائم على ملكيته لجزءٍ من السيادة، ولا تكون القوانين صحيحة إلا إذا صدرت عن طريق الإرادة العامة أي بموافقة مجموع الشعب وكانت تخدم المصلحة العامة.
تتولى الحكومة تنفيذ إرادة السيادة العامة وصيانة الحريات والممتلكات. ويتم الإتفاق على شكل الحكومة من قبل الشعب إن كانت (ديمقراطية- ارستقراطية- الملكية- المختلطة)، وبما أن أية حكومة لديها ميل دائم نحو الفساد، يرى روسو أن الحل هو في التقاء جميع الأفراد في المجتمع في فترات غير متباعدة و التصويت الحر على الإبقاء على شكل الحكومة الموجودة أوتغييره، والإبقاء على أفراد الحكومة الحاليين أوتغييرهم. وهكذا تكون أية حكومة مؤقتة، يستطيع الشعب تغييرها بأشكالها أم بأعضائها في أي وقت يراه مناسباً.
يبقى أثر روسو واضحاً في المذهب الفردي ّ الحر، وفي الأصول الأولى للمذاهب الاشتراكية. كما كان لكتاباته أثر كبير على رجال الثورة الفرنسية، فقاموا بأخذ الحقوق الفردية وسيادة الشعب والإرادة العامة والقانون وإزالة الفوارق بين الطبقات والقضاء على الامتيازات الطائفية من أفكاره.
وجد البعض في كتاباته دعوات يسارية، بينما وجد البعض الآخر دعوات يمينية. فهو كان يدافع عن المبادئ الحرة من جهة، ومن جهة أخرى يؤكد على السلطة المطلقة للدولة. وعلى الرغم من هذا التناقض، أسهم روسو إسهاماً ضخماً في إغناء الفكر السياسي بآرائه، وأصبحت وحدة الشعب هي الخطوة الأولى في علم السياسة، وفكرته لتلك الوحدة تضمنت فيما بعد الإشارة إلى الدولة القومية.
المراجع:
1- بول هازار، أزمة الضمير الأوربي، ترجمة جودت عثمان ومحمد نجيب المستكاوي، (دمشق: منشورات وزارة الثقافة، 2004).
2- جاكلين روس، مغامرة الفكر الأوربي، ترجمة أمل ديبو، ( أبو ظبي: هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، الطبعة الأولى، 2011).
3- جان توشار، تاريخ الأفكار السياسية، ترجمة ناجي الدرواشة، (دمشق: دار التكوين للتأليف والنشر والطباعة،الطبعة الأولى، 2010).
4- جان جاك شوفالييه ، أمهات الكتب السياسية من ميكافيللي إلى أيامنا ،ترجمة جورج صدقي ،(دمشق : منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي) .
5- جان جاك روسو،العقد الاجتماعي، ترجمة عادل زعيتر، (القاهرة:الهنداوي للتعليم و الثقافة، 2012).